في دراسة نشرت مؤخراً في الجريدة الطبية البريطانية اتضح أن أعداداً متزايدة من إجمالي السكان البالغين في بريطانيا يتعاطى الأقراص المنومة بصورة منتظمة، وأن الأقراص المنومة تعتبر من الأدوية الروتينية التي توصف للمرضى المقيمين في المستشفيات!
اضطرابات النوم حسب مجلة الفرحة ظاهرة ليست قاصرة على سكان بريطانيا، ولكنها تكاد تكون سمة مميزة للعصر الذي نعيش فيه، بحيث لا يكون مستغرباً أن تدخل الأقراص المنومة إلى قائمة الأدوية الأكثر شيوعاً في العالم! وعلى الرغم من أن اضطرابات النوم قد يترتب عليها عواقب وخيمة، إلا أنها ممكنة العلاج في معظم الأحيان، ومن دون أقراص منومة!
عندما يولد الإنسان فإنه يقضي أكثر ساعات يومه نائماً، وبمرور الزمن تقل ساعات النوم، ولكنها تبقى موزعة بين الليل والنهار، وكلما تدرج الطفل في النمو، كلما أخذت طبيعة نومه صورة مشابهة لنوم الكبار، بمعنى أنه ينام في الليل ويصحو في النهار، وقد أدى تأثر نوم الإنسان بدورة الطبيعة وبعوامل بيئية إلى تعريف النوم بأنه عادة تخضع لدورة طبيعية وتتأثر بعوامل بيئية أما التعبير عن النوم بأنه عادة، فلأنه نمط يتكرر كل يوم.
فإذا عدنا إلى الطفل في سنوات عمره الأولى، نجد أنه يصحو من نومه كلما عضه الجوع، أو ألهبت جلده الفضلات، أو حدثت ضوضاء عالية مفاجئة بالقرب منه، وعندما يستيقظ الصغير فإنه يستخدم البكاء لغة لنداء أمه واستدعائها إليه، فإذا لم تسرع الأم إلى نجدة الصغير، فإن نداءه الباكي يتحول إلى صراخ غاضب! فإذا لم يفلح الصراخ في استدعاء الأم، فإنه يضرب رأسه في الفراش علامة الإحباط، وقد يغلبه التعب فينام من جديد.
والجدير بالذكر هنا أن الصغير القادر على الحركة في الفراش قد يدفعه غضبه إلى ضرب رأسه في قوائم الفراش ودعائمه، وقد ثبت- حسبما تشير الدراسة التي نحن بصددها- أن الصغار الذين يتعرضون لإهمال أمهاتهم بحيث تتوالى نوبات الغضب عندهم، مما يدفعهم إلى تكرار ضرب الرأس في قوائم الفراش، يصابون بالتخلف العقلي! والمرجح أن ضرب الرأس المتكرر يؤدي إلى إتلاف بعض خلايا المخ، مما يترتب عليه إصابة الطفل بالتخلف العقلي. وغالباً ما تتضح علامات التخلف حول سن الخامسة، حين يظهر جليا أن ملكات الطفل العقلية أقل مما هي عند أقرانه، وعلى ذلك، فإن التخلف العقلي يمكن أن يكون عاقبة وخيمة لاضطراب النوم عند الصغار.
تتميز مرحلة المراهقة عن غيرها من مراحل العمر بكونها فترة النضج الجنسي، نتيجة إفراز هرمونات الذكورة أو الأنوثة عند الصبيان أو البنات، ونتيجة لذلك يولد الميل إلى الجنس الآخر. والميل الجنسي الذي يصاحب مرحلة المراهقة يؤدي إلى اضطراب في النوم، وقد يأخذ ذلك الاضطراب إحدى صورتين:
أن يجد الأرق سبيله إلى عينين لم تعرفه من قبل، وإما أن ينام المراهق أو المراهقة ساعات أطول كل يوم.
واضطرابات النوم في مرحلة المراهقة، من أرق إلى نوم متقطع إلى نوم طويل، تنعكس سلباً على التحصيل الدراسي وعلى النشاط الاجتماعي، مما قد يؤثر سلباً على مجرى الحياة فيما يلي من عمر! أما الفئة من (25-40) سنة، ففي فترة استقرار نفسي ونضج عقلي، أي أن الإنسان يكون قد بنى حياته وكون أسرته وانشغل بأمور العمل ومشاغل الحياة الكثيرة فلا يكون قلقاً غالباً.
تقل ساعات النوم مع التقدم في العمر بشكل عام، وعادة ما يأوى المسنون إلى الفراش في وقت مبكر من الليل، وينهضون في الصباح الباكر، وغالباً ما يكون نوم كبار السن خفيفاً (أي غير عميق)، وتكثر في الشيخوخة اضطرابات النوم لأسباب عدة، فوفقاً لإحصائيات أطباء الأسرة في بريطانيا، فإن نسبة الأرق بين من تتراوح أعمارهم بين الخامسة والستين والرابعة والسبعين، وهي ضعف نسبة الأرق بين من تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعشرين والرابعة والأربعين! كما أن (40%) من النساء فوق سن الستين، يتعاطين أقراصا منومة بصورة منتظمة، بالمقارنة إلى (18%) من الرجال في العمر نفسه.
وأكثر أسباب اضطراب النوم شيوعا بين كبار السن الحاجة المتكررة إلى التبول أثناء الليل، ويؤثر التبول المتكرر أثناء الليل على (82%) من الرجال المسنين، بالمقارنة إلى (63%) من السيدات المسنات. وترجع كثرة التبول إلى ضعف نشاط الكليتين، كجزء من الضعف العام المصاحب للشيخوخة، وقد يضاف إلى ضعف نشاط الكليتين، كسبب لكثرة إدرار البول، تضخم غدة البروستاتا عند الرجال (وهو تضخم حميد يصيب كثيراً من الشيوخ) وتهدل المهبل عند النساء.
وغني عن الذكر أن النهوض المتكرر أثناء الليل لقضاء الحاجة، يقطع الاسترسال في النوم ويؤدي إلى شعور بعدم الراحة في الصباح، ونوم الليل المتقطع هو الذي يوقع كثيراً من الشيوخ في حبائل النوم أثناء النهار! ومن أسباب اضطراب النوم الشائعة بين كبار السن، آلام المفاصل والعظام، والتي تكاد تكون علامة من علامات الشيخوخة، وقد تحول هذه الآلام بين المسن وبين النوم، أو قد توقظه من نومه كلما تحرك في الفراش. ومن مشاكل النوم التي يعاني منها المسنون، صعوبة العودة إلى النوم بعد الاستيقاظ، ولعل في هذا سببا كافيا لإقبال عدد كبير من المسنين على تعاطي الأقراص المهدئة.