انعزال الاطفال. اسبابه وطرق التعامل
انعزال الاطفال. اسبابه وطرق التعامل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طفلي يختلي بغرفته ويكتب على بابها عبارة: ممنوع الدخول! ما الحل؟
في أي عمر نسمح لهم ان ينفردوا في غرفهم؟ ما هي مخاطر إقفال الأبواب وعدم السماح للأم أو الأب بالدخول؟ بعض الأطفال يتحولون فجأة إلى كبار! ما ان يبلغوا الثانية عشرة من عمرهم حتى تتغير تصرفاتهم تماما، والأعجب ـ بالنسبة للأهل ـ انهم يمنحون انفسهم حقوقا يعتبرها الأهل تطاولا وتعديا على تربيتهم! فهل هذه التصرفات صحيحة؟ وما هي أفضل وسيلة يتبعها الأهل في هذه الحالة؟
كثيرا ما ينفرد أطفالنا بعمر معين في غرفهم منطوين على انفسهم بعيدا عن العالم الخارجي، موجدين عالما خاصا بهم، يقضون معظم اوقاتهم فيه ولا يسمحون لأحد بالاقتراب منه او محاولة معرفة ما يدور بداخله. وشيئا فشيئا يبتعد اطفالنا عنا أكثر وأكثر ويصبح من الصعب جدا التواصل معهم. وبحسب رأي الاختصاصية الاجتماعية بمستشفى التخصصي للعيون د. فريال الكردي: فإن الطفل يبدأ مرحلة المراهقة في سن 12 سنة تقريبا وتمتاز هذه المرحلة بالمزاجية العالية، كالخجل المفرط او الجرأة الشديدة او عدم الثقة بالنفس وبالآخرين، مما ينفر المراهق من صحبة الآخرين فيبتدع لنفسه عالمه الخاص بعيدا عن الحياة المحيطة به.
ونسأل الدكتورة فريال:
* ماذا نسمي المرحلة قبل 12 سنة، فبعض الاطفال يفضلون قضاء معظم وقتهم في غرفهم غارقين بين اشيائهم؟
ـ اختلفت الآراء حول تحديد فترة زمنية دقيقة لمرحلة المراهقة تبعا لاختلاف المجتمعات، فما قبل 12 سنة هي مرحلة طفولة وان بدت على الطفل علامات الانطواء والوحدة، الا انها قليلة نسبيا وليست ظاهرة، فعادة ما يكون الاطفال في هذا العمر اجتماعيين بطبعهم، الا اذا كانت هناك عوامل ومؤثرات اخرى تجعل الطفل يبتعد عن الناس والأهل والاصدقاء وينشد العزلة والإختلاء بنفسه مما يشعره براحة اكبر.
تعليمات وتعليمات مضادة!
* ما هي في اعتقادك اسباب منع الاطفال والديهم من دخول غرف نومهم ومعرفة ما يدور داخلها؟
ـ للأهل الدور الاكبر في اتجاه الطفل نحو العزلة والرفض التام للتدخل بشؤونه من قبل اي شخص، فإذا بدأ الاهل برفع قائمة المحظورات والممنوعات هنا وهناك وتضييق الخناق والقسوة عليهم، فإن ذلك سيؤثر حتما سلبيا، حيث يكبر الطفل ويبدأ بالابتعاد عن اي شخص يحاصره ليختلي في غرفته ليحظى بحرية اكبر، وذلك لكثرة الممنوعات خارجها، بالاضافة الى ان الثورة المعلوماتية والانترنت والالعاب الالكترونية، اخذت تستحوذ على مساحة كبيرة من عقول اطفالنا، ولا ننسى التلفاز والفضائيات وما تعرضه من برامج مما ينشئ لهم جوا خاصا منعزلا عن الآخرين.
كما قد يؤدي الترابط والتداخل الاسري الكبيرين بين الاسر الى تشتت الطفل وارباكه، فالاهل يلقون بقائمة من التعليمات والأقارب يلقون بأخرى مختلفة، والأصحاب ايضا فيشعر الطفل او الطفلة بان كل واحد منهم يهاجمه من جهة فيصاب بالخوف والارتباك فلا يعرف من يتبع ولا كيف يتخذ القرار المناسب، وهنا قد يصاب بالإحباط ويبدأ بالانسحاب من الدائرة المحيطة به فيفضل البقاء في غرفته وقد تؤثر على سلوكياته بعض المشكلات او الإعاقات الصحية او الجسدية مما يصيبه بالخجل من نفسه فيهرب من الآخرين الى واقع الخيال ليشغل نفسه بسبب العيوب الملتصقة به فينطوي على نفسه ويضيق دائرة علاقاته.
هل عزلة الطفل مرض؟
* هل يمكن للطفل ان يصبح اكثر تعقيدا وانطواء فتصبح حالته اكثر جدية وبحاجة الى علاج؟
ـ بالتأكيد لا.. فالطفل في سن صغيرة لا يميز الخطأ من الصواب ولا يعي ويدرك ما يتوجب عليه فعله وما لا يجب عليه فعله، لكن في حالة الاهمال سواء من الاسرة او المدرسة وعدم الاكتراث والاهتمام وعدم الاصغاء له، قد ينعزل الطفل تماما وتسوء حالته النفسية، وسيؤثر ذلك على تفكيره، وبالتالي على سلوكه ونشاطه ايضا ويصبح صعب الاندماج والانخراط بمن حوله وبالمجتمع المحيط به، كذلك فإن التساهل المفرط او التعنيف والضرب والمعاملة السيئة ستسبب له قطعا مشاكل اخرى عند الكبر.
صادقيهم تكسبيهم!
* كاختصاصية اجتماعية ما هي النصائح والارشادات التي تقدمينها للاهالي، خاصة الامهات، للتقرب اكثر من اطفالهم ومساعدتهم على الاتصال بهم بشكل افضل؟
ـ مناقشتهم بهدوء ومحاولة كسب ودهم وثقتهم.
ـ التعرف على رغباتهم وميولهم وهواياتهم المفضلة.
ـ التعرف الى اصدقاء الطفل (أو الطفلة) ورفاقه بالمدرسة ومتابعته دائما وسؤال معلماته عنه وعن سلوكياته ومن خلال آرائهم يمكن التوصل الى معرفة الحقيقة وايجاد حلول مناسبة.
ـ على الأم ان تحاول وضع برامج خارجية تجمعها بأطفالها كالتسوق او الذهاب الى امكنتهم المفضلة معاً.. الخ.
ـ دعوة اصدقاء الطفل ومحاولة التقرب منهم ومد جسور الثقة بينها وبينهم، حيث تتمكن من التعرف الى ما يدور في الداخل حين يبقى طفلها بغرفته سواء وحيدا او برفقة أحد.
ـ عدم الاستسلام في اقناعه بمرافقتها عند بعض الاصدقاء، بل يفضل ان توفري له الجو المناسب لتنمية مواهبه واشغاله بها.
ـ الابتعاد عن التوبيخ والتعنيف والضرب في حالة ارتكابه خطأ ما، بل الاصغاء له ولمطالبه وافساح المجال له للتعبير عن رأيه وما يجول بخاطره بكل حرية، حيث تتحول علاقتكما من امومة الى صداقة حميمة.
ـ انصحيه وارشديه بطريقة الطلب والرجاء وليس الأمر والاجبار وان لم يجد ذلك نفعا حاولي ان تعرفي من احب الناس الى قلبه ودعيه او دعيها تتحدث معه عله يستمع لهم، فالأهل لهم التأثير الاكبر، خاصة الأم، فإذا كانت متعلمة، مثقفة، واعية، ملمة، بكثير من المعلومات فستشعر بطفلها وتفهم حاجاته، ولا ضير من اعطاء الطفل مساحة من الحرية الشخصية والاوقات الخاصة ليختلي بنفسه او مع اشخاص آخرين واكتفي بمراقبته والاشراف عليه من بعيد.
حكاية وعبرة!
* بالحديث عن الطفولة ومراحلها والمراهقة ومراحلها، هل هناك حادثة معينة تصلح ان تكون درسا للأهل؟
ـ في الحقيقة كثيرات من الامهات يطلبن استشارة او مساعدة، وقد كانت لدي صديقة عندها فتاة تبلغ من العمر (14 سنة) تقريبا وتملك موهبة الرسم، لكنها قلما تغادر غرفتها وتمنع اي احد من دخولها، فتعود من مدرستها كل يوم منطلقة بسرعة الى غرفتها فلا يراها أحد، وتقضي معظم وقتها فيها، على الرغم من تفهم اهلها وتفتحهم، فوالداها متعلمان، مثقفان، وفي يوم من الايام قررنا انا ووالدتها دخول غرفتها والقاء نظرة واذا بنا نجد الغرفة تملؤها الرسومات الرائعة على كل الجدران، فقلت لوالدتها بأن عليها اشراكها بناد او جهة متخصصة بالفن والرسم، فهي بحاجة للدعم والتشجيع وليست بحاجة الى اي علاج، لأنها لا تعاني من مشاكل ابدا وبالفعل اشتركت الفتاة بأحد النوادي وقد اهتموا بها وقدموا لها الدعم وبدأت تعرض لوحاتها في المناسبات، وبالتالي شغلت وقتها وبدأت شيئا فشيئا تخرج من غرفتها وتحتك بالآخرين وتتعاطى مع اهلها ومن حولها، واصبحت شخصية اجتماعية محبوبة، ولم تعد تغضب او تمنع والديها من دخول غرفتها ومعرفة ما يجول داخل عالمها الخاص!.
منقول
تحياتى