رسلة وصلتني من صديق قديم مقيم في احدى الدول الغربية وقد انقطعت الصلة بيننا منذ تعرفت عليه وسافر وانقطعت أخباره ومرت سنوات دون أن أعلم عنه أي شيء غير اني كنت أعرف انه تزوج وزرق بالأولاد وهو كما عهدته تاجر ذو بحبوحة في الرزق وصاحب دعابة وثقافة ... مضمونها ما يلي :
" أستاذي العزيز اكتب اليك وأنا في منتهى الشوق لرؤيتك راجعا بالملامة على الظروف التي أبعدتني عنك ، مع الكثير من عبارات الحنين للزمن الماضي ... ملتمسا منك مساعدتي في أمر عزمت عليه بعد تفكير كثير وهو الزواج من احدى الفتيات السوريات اللاتي خرجن بسبب الظروف التي تشهدها البلاد رغبة مني بتأمين حياة كريمة لها راجيا فيها ان تكون مثقفة جميلة بيضاء البشرة ممشوقة القد، دون الثلاثين من عمرها وتكون بكرا ، وانا مستعد على تأمين بيت خاص لها مع كل مستلزماتها على وجه التمام وعلى سنة الله ورسوله " ..
فأرسلت له وما هي وجهتك وما الطلبات التي تريدها فيمن ستشاركك حياتك وهل سيكون لها ما كان لزوجتك بالعدل ومن المهر مهر مثيلاتها . حتى نجتهد في معونة اخت لنا في الله وسترها .
فأرسل لي لا اريد الكثير والمبالغة ! غير انني يا سيدي لدي بعض الأمور قبل أي بحث :منها أنني ارغب ان يكون هذا الزواج سريا لا يعلم به أحد حرصا مني على سلامة بيتي وعلاقتي بأم أولادي ، ومنها انني لا اريد الأولاد فقد رزقت والحمد لله بالذكور منهم والاناث ، وأيضا لن يكون هذا الزواج ذا طابع رسمي في الدولة بل نكتفي بالشريعة الاسلامية ، وان تكون المرأة ممن يردن السترة فقط دون شروط تعجيزية وطلبات غير مرضية .. ولا يمكنني أن أكون مرافقا لها كما زوجتي وبيتي أو أنام الليل عندها ولكنني استطيع ان أمر عليها بعض الزمان أو ابيت يومين في الجمعة لألبي حاجاتها وأرعى شؤونها وستكون عندي بمأمن من الرزق فالحمد لله الرزق كثير وحفظ ممن يتاجر بشرفها أو يستغل ظروفها أو أن تعيش في المخيمات التي لا تقي الحر والقرّ !!! وأفضل ان تكون ممن فقدت أهلها وليس لها ارتباطات عائلية كثيرة . كما انني سأساعد اهلها ان وجدو بما استطيع ولكم الشكر ..
قرأت هذه الرسالة عدة مرات وقلت في نفسي ما اعظم الأخلاق في الاسلام التي جعلها الشرع جوهر الدين ..ثم أرسلت له ردي :
الأخ (ع) لعل أحدا لا يستطيع ان ينكر طلبك ان كان يتفق مع الشريعة ولكنه ينكر ان كان يختلف مع الأخلاق ومع هذا فان التعدي على الشريعة بوجه قد يكون تعد على الأخلاق والعكس صحيح ، فالأخلاق كل لا يتجزأ ولا يسمى صاحب الخلق خلوقا الا بفعله للخلق لا بالكلام عنه ، بقصده له لا بالتحية له فحسب .
نعم ان الزواج سنة الله في الكون جعله الله تعالى من النعم الكثيرة التي تتخلها نعم كثيرة ففيه السكن والمودة والرحمة والعدل والانجاب وفيه السعادة والهناء للزوجين ومن يحيط بهما وله مقاصد وأهداف .
لا ننكر ان الزواج أمر بالتراضي ، وانت تقدم شروطك بناء على انك الراغب لا المرغوب ، والطالب لا المطلوب ، دون اكتراث بشروط ورغبات الطرف الآخر، وقد أحسنت وأسأت .
احسنت ولم تتجاوز في طلب الزواج فهو شرع الله ودينه ولست بمطلع على نيتك ، لكن شرع الله يحتم ويشترط في الزواج الاشهار والاعلام حتى يعرف الناس ويسعدوا بكما زوجين لا عشيقين في السر ، وليس الانجاب من شروط الزواج فهو قرار يكون باختيار الطرفين واتفاقهما ولا حق لأحدهما بمنعه أو فعله الا بالتشارك مع الآخر واذنه .
وان لا تنام عند زوجتك ان كان باتفاقكما فالعقد شريطة المتعاقدين ولكن اين الأخلاق وما قدرها فيما تطلب وتريد .
أسأت لأنه لو جاءك طالب زواج مماثل لما تطلب من احدى بناتك لم تكن لتقبله وترضاه فكيف تقبله لبنات المسلمين ، انك لم تكن لتطلب ما تطلب اليوم لو ان حال السوريين دون هذه الحرب التي فرضت عليهم ، ولكنك ترى حاجة الناس فتستغل حاجتهم وتنظر فاقتهم فتتاجر بها من أجل ان تحقق لنفسك متعة رخيصة وشهوة مبتذلة .
وهب انها قبلت بما تعرض تحت ضغوط الحياة والفقر والضياع في البلاد والجوع والعري والعنوسة ، وهب انها رضيت ان تكون جارية لا زوجة ، خادمة لا أما ، مجهولة الزوج الا عندك وعند شاهديك ، وهب انها قبلت لأنها بحاجة لأي يد تمتد اليها وهي في فاقتها ، أكنت لترضى بذلك أو تظنني أرضاه او يرضاه الخلق الرفيع والمكارم العلية فاني لن أكون يوما سمسارا يتاجر ببنات المسلمين وتعسا للسماسرة في ميدان الأخلاق .
كان الأحرى بك ان تمد يدك لهم لترفع غوائل المعاناة عنهم دون شرط أو قيد ، وكان مقتضى الأخلاق والدين ان تمتد يدك اليهم لتعين فقيرهم وتداوي جرحاهم وتواسي ثكلاهم ، وتؤوي شريدهم وتكسو عاريهم وتطعم جائعهم ...
فالهبة المشروطة تفقد قيمة الهبة ، والصدقة لمقابل ليست صدقة بل تجارة وبيعا .
كان جميلا منك وقد أكرمك الله بزوجة ان تجد لها زوجا مناسبا ترضاه لاختك وبنتك وتنفق على زواجهما فتسعد قلبين وتنشأ بيتا يدعوا لك الى يوم القيامة لا عليك . أو تعطيها من حقها ما يتناسب مع الشرع كما يتناسب مع الأخلاق ، فلا تنتقص من حقها مستغلا فاقتها وحاجتها ولسان حالك يقول ان لم تقبلي بي سأتركك بالبئر ولن أنقذك منه وستعيشين في المخيمات تعانين الأمرين ، فاعذرني إن تجاوزت أدب الخطاب وقلت : أي نذالة بعد هذه النذالة .
انك لا تريد ان تقدم لهم الا بمقابل ما يقدمون لك ، فأنت تريد متعتك الرخيصة دون النظر في حقوق الطرف المقابل وهي المرأة التي ستشاطرك حياتك ، انك نسيت انها امرأة لا سلعة ، حقها ان تعلن زواجها وتفرح به ، وحقها ان تكون اما وهو أمل كل أنثى و حقها ان يكون لها ما لزوجتك وأولادك من الحقوق فكيف تعيش احداهن بقصر وأخرى بشقة واحداهن فوق الأرض وأخرى تحتها ، وتنعم الأولى بكل شيء وتحرم الأخرى إلا من بعض الشيء ، والعدل اساس الاذن بالزواج والجور أساس منعه . فأي جور بعد ان قلت ما قلت ..
انك تريد خادمة لا زوجة ، وأمة لا حرة ، شهوة مؤقتة لا كرامة محققة ، عشيقة سرية لا زوجة تشاطرك حياتك ، فأي رجولة فيما تطلب ومن تراها ترضى بك زوجا لها ،
ان المرأة العربية معروفة بشموخها وعزتها ، بأخلاقها وعفتها ، بترفعها وتعاظمها لا تكاد تجد في عربية قويمة العقل والدين والخلق من تقبل ان تكون عشيقة سرية وترضى بما تعرضه عليها مهما ألجأتها الحاجة ودفعتها الضرورة ، ان الحرة كما قالوا تموت ولا تأكل بثديها ، ان دعوتك بحجة الستر ولبس غطاء الشريعة دعوة مسعورة أشبه بالنخاسة في سوق العبيد لا الزواج في مجتمع فاضل .
ألم يكن يكفيها ـ وهي المرأة الرقيقة الضعيفة ما حل بها من قتل لاهلها ،ومفارقة أحبابها ، وترك وطنها ، وتشريد من بيتها ، وقطع رزقها ، وقلة ناصرها ، وفقد الرحمة في قلوب الكثيرين من أبناء جلدتها ، فهربت من الموت الذي يتربص بها ومن القتل الذي يحوم حولها فلم تعد روحها ونفسها وعقلها يستوعبون ما يجري لها وما حل بها ـ لتجيء انت وأمثالك فتزيد من معاناتها وتستغل فاقتها ، وتستعبدها وتذلها بدعوى الزواج دون ان تحقق شروط الزواج الشرعية والأخلاقية ..
كنت أنتظر منك ان ترسل لي كما أرسل تاجر كريم ، أنه يريد ان ارشده لثلاثة عوائل يكفلهم ويشتري لهم كل مستلزماتهم ، ويؤمن عملا لرجالهم ونساءهم ، ويشتري لهم ان احتاجوا أدوات الصناعة ، أو يزودهم بمبلغ للتجارة فيغنوا انفسهم ولا يكونوا بعد بحاجة لا له ولا لغيره ، فيمنع عنهم ذل المسألة وضعة السؤال ويكفيهم مدة حياتهم دون أي مقابل الا من الله سبحانه وتعالى .
وقد يحل بك وبأهلك يوما ما قد حل بها وبأهلها وتدور الدنيا عليك كما دارت عليهم اكنت لترضى بهذه الحالة ان تتنازل عن احد بناتك وأخواتك مقابل المال والعطاء وترضى لهن ذل الحاجة .
لعلك تريد مساعدتها فعلا ولكن لا تكن مساعدتك بهذه الصورة المبتذلة ، فالإنسانية أما امتحان للأخلاق لا مجال للتجارة فيه ، والاحسان مقدم على العدل ، وقد تكون عادلا في بعض أمرك لكنك مأمور بالإحسان لأنه الصورة المشرقة للعدل التي تزين الاحسان وتجمله ، ولتكن متمثلا ان ترضى لهم ما ترضى لنفسك ، وأن تجتهد ان ترضى ربك ونفسك . وتذكر ان حرائر سوريا لاجئات لا سبايا والسلام
الكاتب مصعب الأحمد بن أحمد
بارك الله فيك
وفرج الله عن شامنا الحبيبة
وموضوعك درس لكل رجل
يستغل ضعف المرأة وحاجتها
وماأكثرهم حتى لدينا
والشي الإيجابي أن هذا الرجل كان واضح من البداية
بعضهم بعدما ترتبط البنت منه
يبدأ يستغل حاجتها أو محبتها له
فيرفض الإعلان عن الزواج و الانجاب والمبيت ويهدد بالطلاق
بعد أن كان وعدها بأحلام وردية وبكافة حقوقها
وحسبنا الله ونعم الوكيل
موضوعك واقعي جدا أخي وأراه كثيرا وكم من مرة أجبت بعضهم بما أجبت به صديقك لأننا ببلدي نتعرض كثيرا لهذا الموقف ...
وكم من مدعي التدين يستخدم الدين وينتقي منه ما يناسب أهواءه ..
وطالما ردد الكثير بأنه ينوي الزواج من ثانية طمعا في الأجر بإعفاف أحدهن ونسي أنه وبذات المبلغ يستطيع أن يعف شخصين بدل من واحد حين يدفع مهرها لشاب يساعده على الزواج فيعف الشاب والفتاة أيضا .