رد : لا تقترب أكثر ... فإنني سأخسر أكثر
يا حيا الله أخي مارد الجنوب...
تذكرتُ أنني رحلتُ مرّةً إلى أحدِ العمالقة الكبار في هذا العصر ، و دموعي تسابق أشواقي ، فلما دنوتُ من حَرَمِ بيته ، و رأيتُه واقفاً يُشرف على طلابه ، لم أستطع إخفاء مدامعي التي كانت أجود ما تكون.
فعانقتُه ، و قبلتُه و أنا أمسحُ دموعي .. يكاد يكون حالي كما قال البُرعي :
ودعتُها و الدمعُ يقطُرُ بيننا..... فكذاك كلُ مُوَدِّعٍ مُشتاقِ
شُغِلَتْ بتنشيفِ الدموع يمينُها..... و شمالُها مشغولةٌ بعناقي
كان في مُخيلتي أنه شيءٌ من التأريخ و لكنه لم يُدَوَّن، أو أنه من الكنوز المغمورة في تخوم الأرض و لكنه لم يُكتَشَف بَعْدُ ، و ما هي إلا ليالٍ بل لك أن تقول لحظات ، و إذا بتلك الهالةُ و الملحمةُ من الشوق و اللهفة بدأت تذوب كما يذوب الملحُ في الماء ، مكثتُ لديه عدَّة سنواتٍ , و لا أكاد أدعو لتلك السنين إلا بالهداية.
لا لنقصٍ فيه ، و إنما لكمال في خَرَقي و عجزي ؛ إذ طفِقتُ أنتقد ، و أقارن – شأن الكثير- , حاله طبيعيٌ ، فهو مُبدِعٌ خلاَّقٌ للمعارف و الحِكَم ، و حالي أكثر من الطبيعي فأنا طالبٌ دقيق النظر لمَّاح ، و ما أصعبَ الإختراعِ و الإبداعِ ، و ما أسهل الإختيار و الإستماع . فاختياري لشيءٍ من روائعه يعني إهمال الأُخْرَيَاتِ .
و فوق كل ذلك ، فقد شاهدتُ أناقته و حسن لباسِهْ ، و جالسته في منزله فرأيتُ أغلب أحواله مع ذويه و جُلاَّسِه. فلم أعُدْ أستطيع أن أستمتع كما كنتُ قبل مخالطته .
لااااااااااااااااااااااا إله إلا الله كم هذه النفسُ جموحةٌ غريبةٌ الأطوار.
من حق هذه المقالة أن أحليها بأبيات الجرجاني و إن كان يخصنا منها القليل من الأبيات و من طرفٍ خفيٍ كذلك و لكن سأكتبها و أشكِّلًها كاملة لجمالها و روعتها:
يَقُوْلُوْنَ لِيْ فِيْكَ انْقِبَاضٌ و إِنَّمَا .......... رَأَوْا رَجُلَاً عَنْ مَوْقِفِ الْذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَىَ الْنَّاسَ مَنْ دَاَنَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ .......... وَ مَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَ مَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي .......... وَ لَا كُل ُّمَنْ لَاقَيْتُ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
إِذَا قِيِلَ :هَذَا مَنْهَلٌ ، قُلْتُ :قَدْ أَرَىَ .......... وَ لَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الْظَّمَا
أُنَهْنِهُهَا عَنْ بَعْضِ مَا لِا يَشِيْنُهَا .......... مَخَافَةَ أَقْوَالِ العِدَا :"فِيْمَ أَوْ لَمَا ؟"
وَ إِنِّيِ إِذَاَ مَا فَاتَنِي الْأَمْرُ لَمْ أَبِتْ .......... أُقَلِّبُ طَرْفِي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا
وَ لَكِنَّهُ إِنْ جَاءَ عَفْوَاً قَبِلْتُهُ .......... وَ إِنْ مَالَ لَمْ أُتْبِعْهُ "لَوْلَا وَ رُبَّمَا "
وَ أَقْبِضُ خَطْوِيِ عَنْ أُمُوُرٍ كَثِيِرَةٍ .......... إِذَا لَمْ أَنَلْهَا وَاَفِرَ الْعِرْضِ مُكْرَمَا
وَ أَكْرِمُ نَفْسِي أَنْ أُضَاحِكَ عَابِسَاً .......... وَ أَنْ أَتَلَقَّىَ بِالْمَدِيِحِ مُذَمَّمَا
و مَا زِلْتُ مُنْحَازَاً بِعِرْضِيَ جَانِبَاً .......... عَنِ الْذُّلِّ أَعْتَدُّ الْصِّيَانَةَ مَغْنَمَا
وَ لَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا .......... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرَتْهُ لِيَ سُلَّمَا
فَإِنْ قِيِلَ حَدُّ الْعِلْمِ نَاءٍ وَ إِنَّمَا .......... نَأَىَ حَيِنَ لَمْ يَحْمِىِ حِمَاهُ وَ أَسْلَمَا
وَ لَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِيِ .......... لِأَخَدِمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَىَ بِهِ غَرْسَاً وَ أَجْنِيِه ذِلَّةً ؟ .......... إِذَنْ فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوُهُ صَانَهُمْ .......... وَ لَوْ عَظَّمُوُهُ فِي الْنُّفُوُسِ تَعَظَّمَا
وَ لَكِنْ أَدَالُوُهُ فَهَانَ وَ دَنَّسُوُا .......... مُحَيَّاَهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّىَ تَجَهَّمَا
التعديل الأخير تم بواسطة شكوى حبيب ; 10-09-2012 الساعة 12:42 PM