إلى العازفات عن الزواج
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد بن محمد الجيلاني
عفا الله عنه بمنه وكرمه
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعدُ :
فإن النكاح من آيات الله الدالة على رحمته ، وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه ال
وهو I الذي شرع لعباده النكاح ،
وذلك لحفظ النسل البشري ، وعمارة للأرض بأن يكون هناك عباد مؤمنون يعبدونه ويتقربون إليه ،.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حاثا الشباب : « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ! مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » متفق عليه .
وعن أنس بن مالك t قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام :
« تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بكم الأمم ، وفي لفظ : « الْأَنْبِيَاءَ » يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه أحمد وصححه الألباني .
بل ذم النبي عليه الصلاة والسلام على من ترك الزواج زهدًا فيه وإعراضًا عن هديه كما ورد ذلك عنه ، ففي الصحيحين عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ t أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »
قال الحافظ ابن حجر : : «« وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه »
لكن مع ما ورد من النصوص الشرعية قرآنًا وسنةً وآثارًا عن سلفنا العظام ، نجد ـ مع الأسف ـ في العصر الحاضر من صور إعراض الكثير من الفتيات وبعض أولياء الأمور عن النكاح والمسارعة فيه .
فأحببت أن أناقش بعض هذه الصور وأبين ضعف حجتها ؛ من باب التعاون على الخير ، ومعالجة لهذا المسلك الخطير الذي انتشر عند الكثير من الفتيات انتشار النار في الهشيم ، والذي ساعد بشكل كبير في انتشار العنوسة ، وكان من أسباب انتشار الفواحش ؛ أعاذنا الله منها أجمعين .
فمن هذه الصور التي يُحتج بها :

يعد التعليم أمرًا ضروريًا من ضروريات الحياة التي لا غنى عنها ، فبه يعيشون حياتهم العلمية والحياتية بشكل صحيح ، فهو يبصر صاحبه بكل مفيد يحتاجه ، ويبعده عن كل ما يعترض حياته من العقبات والمنغصات .
ولذا فإن المقصود منه هو رفع الجهل المحيط بالإنسان فيما يخصه فقط ، وإلا فالعلم من حيث أنواعه وتفاصيله لا ينتهي ، فحسب الإنسان أن يتعلم ما يقوم دينه وحياته وعمله الذي يقتات منه .
لكن كثيرًا من الفتيات نسين أن التعليم ليس مقصودًا لذاته إنما هو مقصود لغيره ، فالفتاة لم تُخلق لتدرس الجامعة والماجستير والدكتوراة ، وإن كنا لا ننكر فائدتها على صاحبتها وعلى المجتمع ، لكن هذا لا يكون على حساب رسالتها ، فرسالتها التي خلقها الله من أجلها ـ بعد توحيد الله وعبادته ـ هي قرارها في بيتها بعد أن تتعلم لتعلم أهلها وأبناءها لتُخرج جيلًا ناضجًا يساهم في بناء هذا المجتمع الإسلامي ويكوّن صرحًا من صروحه .
وبعضهن يتحججن بأنهن تعلمن من أجل الحصول على وظيفة محترمة تحميها من الفقر وتؤمن لها حياة كريمة ! ، ونسيت المسكينة أن كثيرًا من الرجال وهم من أصحاب الشهادات العالية لا يجدون أعمالًا فضلًا عن النساء ! . أفمن أجل هذا الهاجس تؤخر الفتاة موضوع الزواج ؟!.
حينما تؤخر الفتاة موضوع زواجها ، ويتقادم بها العمر يعرض عنها الشباب ، وتصبح نسيًا منسيًا ، بينما صديقاتها وزميلاتها تزوجن وأصبحن أمهات وربما جدات لهن حفيدات ! ، ولا ينفع ذلك الوقت الندم وتقول : يا ليتني تزوجت بابن الحلال ولم ألتفت إلى الدراسة والجاه !.
بل ربما تمنت وهي كبيرة قد تقدم العمر بها أن يتزوجها سائقها الأعجمي حتى لا تبقى بغير زوج وأسرة تخصها ! ، والواقع خير شاهد على هذا .
ووالله أني أعرف شخصيًا دكتورة جامعية تزوجت سائقها المسكين حتى لا تبقى بغير زوج يعفها ! .

الزواج المبكر له فوائده الكبيرة من نواحي متنوعة منها : حفظه للزوجين عن الشهوات المحيطة إحاطة السوار بالمعصم ، ومن فوائده : التعود على المسؤولية والتأقلم مع ظروف وأحوال الحياة بعد الزواج ، ومن فوائده أيضًا : القرب العمري بين الأبوين وأطفالهما .. وغيرها من فوائد كثيرة .
لكن هذا يفيد إذا علمَ الزوجان حقوق أحدهما على الآخر في بيت والديه .
كثيرٌ من الأهالي يؤخرون موضوع زواج البنت ، ويتحججون بأن ابنتهم لا زالت صغيرة ، ولا يريدونها أن تتحمل المسؤولية وهي غير قادرة عليها ، وهذا مسلك خطير ، لماذا لا تتعلم البنت المسؤولية في ذلك الوقت ! ، ومتى ستعلمها أمها ذلك ؟
ولا شك أن تركها من غير تعليم يعد ذلك من الدلال المدمر لشخصية الفتاة ، فإذا لم تحرص الأم وكذلك الأب على البدء بتعليم ابنتهما إدارة الحياة ، فلن يتقدم ـ في الغالب ـ لها أحد ، وربما كلما تقدم خاطب رُدَّ بكون البنت صغيرة ! ، فيتسامع الناس بأن أهل هذا البيت يردون الخُطّاب فينفر الشباب عن التقدم وربما كَبِرتْ البنت وعزف عنها الشباب ، وصار المتقدمون لها ممن يريدون التعدد كزوجة ثانية وثالثة ورابعة ، أو زواج مسيار ! .
فليحرص أولياء الأمور على تعليم بناتهن ما تحتاج إليه الفتاة مما يخص الحياة الزوجية ، وإذا جاء الخاطب المناسب فليزوجوها إياه ، فربما قد لا يتقدم لها أحد ، أو يتقدم من لا يرضوه .وهذه أمانة سوف يسألون عنها يوم القيامة .

أكثر الناس ـ فيما يبدو لي ـ من متوسطي الدخل . فتجد بعض الفتيات تحرص على أن يكون المتقدم لها من الأغنياء ، وذلك لكي تعيش حياة رغيدة بعيدة عن المنغصات والمكدرات بسبب قلة المادة ، ولذلك هي ترفض كل متقدم لها ولو كان جمع صفات الخير ، لكن لكونها ملكة جمال ، والمتقدم ميسور الحال غير غني ترده !.
فنقول لهذه الفتاة ومن على طريقتها : أولًا : هل ستضمنين أنه سوف يتقدم لك غني ؟ وعلى فرض أنك تزوجتي غنيًا هل ستضمنين أنك ستعيشين معه سعيدة ؟ ، ألا تعلمين أن بعض التجار ذواقون يتنقلون من امرأة لأخرى ! ، كذلك ينبغي عليكِ أن تفهمي أن غالب التجار متعكروا المزاج وأوقاتهم ليست ملكهم بسبب التجارة ، فطورًا تجدينه مسافرًا للخارج من أجل متابعة بعض الأعمال ، وطورًا مسافرًا في الداخل ، وطورًا آخرا يتأخر في الليل بالأيام ذوات العدد من أجل عقد صفقات واجتماعات ، فهل هذه الراحة التي تنشدينها ؟ وهي وفرة المال بعيدًا عن شريك الحياة وتبقين رهينة البيت وقد قتلكِ الانتظار !.
وحينما يصل الزوج إلى البيت يكون محطم القوى مشتت الفكر ، يريد أن يُطعم وينام لأن لديه في الصباح ما يشغله !.
لن أُحرّم عليك الزواج من الأغنياء ، لكن لكل أمر ضريبته وضريبة الزواج من التجار والمسئولين كبيرة ، والسعيد من وُعظ بغيره .
إن الزواج من متوسطي الدخل والله لهو راحة للبال والنفس ، حيث تقضي الزوجة ـ في الغالب ـ أوقاتها قريبة من شريك حياتها وهي مرتاحة النفس والبال .
قال عليه الصلاة والسلام : « من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها » رواه الترمذي وقال : « حديث حسن غريب » وحسنه الألباني .
ولذلك أقول لكِ : ارضِ بما قسم الله تكوني أغنى الناس ، ولا تجعلِ الأوقات تضيع سُدى وأنتِ تنتظرين أن يتقدم لكِ غني من الأغنياء ، فتستيقظي من سباتكِ وتجدين أن سنوات شبابك قد وَلتْ وأصبحتِ كبيرة وربما لا يرغب فيك أحد ! .