مـحـمــد ..... وكـفـــى!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل عام وانتم بخير
...
أن تمر بالدنيا دون اثر أمر سهل جداً , ويمارسه الجميع تقريباً!
فليست الصعوبة في المرور – وهو أمر لا تحدد أنت بدايته أو نهايته! - بل الصعوبة في الأثر التي ستضعه في هذه الدنيا وعلى قدر همتك تكون بصمتك.
" إن التاريخ العام أو تاريخ ما أنجزه الإنسان هو في صميمه تاريخ عظماء الرجال الذين عملوا في هذه الدنيا , وقد كان هولاء العظماء هم قادة الناس وهم المبتدعون والأس والقدوات بل هم بالمعنى الواسع مبتكرو كل ما حاول السواد الأعظم من الناس أن يعملوه وكل ما نراه في هذه الدنيا قائماً مكتملاً هو بحذافيره النتيجة المادية الخارجية والتحقيق العملي والتجسيم للأفكار التي استقرت في نفوس عظماء الرجال الذين وُجدوا في هذه الدنيا , ويمكن أن يُقال بحق إن روح العالم برمته هو تاريخ هولاء الرجال.." (1)
إذا كانت هذه الجملة تنطبق على قائد عسكري أو ملك كان له حضور مرحلي واضح ثم تجاوز التاريخ تأثيره
ويصح أن تُقال عن مؤلف لفظ العالم كلماته بعد أن تجرع على حد حروفها الظلم والقهر
ويصح أن تُقال عن مخترع جعلت هرولة التكنولوجيا مخترعه - العظيم – قطعة هامشية في متحف العلوم
فماذا يمكن أن يُقال عن من لا يزال تأثيره مستمر بنفس الزخم والقوة والحرارة الأولى؟
ماذا يمكن أن يقال عن من امتد تأثيره إلى ملايين البشر في أجيال متتالية ليرددوا حروفه ويستظهروا كلماته؟
ماذا يمكن أن يُقال عن محمد!؟ وقد انقسم التاريخ ببعثته إلى قسمين ما قبلها وما بعدها!؟
هنا كلمات لا رابط – موضوعي - بينها عن محمد صلى الله عليه وسلم
ليست مدحاً فيكفيه مدح الله تعالى له, هي مجرد خواطر غير مرتبة لا أكثر
.....
".. هاهي بريطانيا التي غزت العالم يوماً تعود إلى قوقعتها في تلك الجزر على سواحل الأطلسي , وهاهي فرنسا عادت إلى حدودها في بلاد الغال , وهاهي ألمانيا في رايخها الثاني والثالث قد عادت لتوها إلى ما كانت عليه قبل الحرب.."(2)
وهاهم " المحمديين !" يغزون أوروبا وأمريكا سلمياً هذه المرة!
يخرجون من جور صحرائهم وفقر أريافهم وتلوث مدنهم وكائنات عالمهم الأسطورية إلى ظلم العالم المتقدم العنصري الرأسمالي الجشع الذي يحيا على عرقهم وعرق أرضهم ! ثم يتهمهم بالراديكالية والتطرف وينظم في بغضهم الأسابيع الثقافية! ( 3)
يخرجون بأنفسهم والقليل من المتاع والكثير من الايمان بالله وسيرة رجل تنير لهم دربهم وتسليهم في وحدتهم , رافضين نظرية " ابن خلدون " في تشبه الأمم المغلوبة بالأمم المنتصرة فيحدث العكس! ويدخل المنتصر – مادياً – في دين المغلوب!
" اسلم في ألمانيا عام 2006 م أربعة آلاف شخص مقابل ألف في عام 2005م ! " مركز الدراسات الإسلامية في ألمانيا
"يدخل في الإسلام يومياً عشرة أشخاص من أصول فرنسية! " صحيفة لاكسبرس الفرنسية (4)
.....
" تأكل الثورات رجالها.."
قتل العباسيون أبو مسلم القائم بثورتهم والممهد لملكهم!
وإذا تفحصت التاريخ جيداً فلن ترى احد بجانب نابليون فقد قاتل للسلطة ودونها عزل وقتل
ولن تجد احد بجانب ستالين فقد قتل الملايين ليبقى هو في السلطة
واخفت سطوة جمال صوت الأحرار
ومات ريجان وحيداً
الجميع يعملون لمجدهم الشخصي على هذا الكوكب وان البسوا عملهم ثوب المصالح الإنسانية!
إلا محمد
اقرأ سيرته لن تجد رجلاً يمشي وحيداً ليسيطر على كل شي فما عند الله خير وأبقى
ولن ترى بجانبه رجل أو رجلين بل سترى معه امه هو هاديها ومعلمها وقائدها
من النادر بل ومن المستحيل ان تعرف كل شخصيات عصر من العصور!؟
الرجال والنساء والأطفال والأعداء , تفاصيل حياتهم وأعمالهم خيرها وشرها!
في وقت تختزل فيه الانجازات في شخصية أو شخصيتين!حتى عصرك هذا قد يُختصر ليكون سيرة رجل واحد!
كان القائد يصنع الأبطال ويعد القادة وهنا الفرق
ركز النظر في ذلك العصر سترى بقلبك إيمان " الصديق " وقوة " عمر " وحياء " عثمان " وحكمة " علي " وجود " طلحة " وفطنة " عبدالرحمن " وشجاعة " الزبير " وتقوى " سعيد " وأمانة " أبو عبيدة " وصدق " سعد " وإخلاص " معاذ " وشدة " سلمه "
سترى الزوجة المخلصة " خديجة " والحبيبة العالمة " عائشة " والابنة المبشرة " فاطمة " وسليلة النبوة " صفية "
سترى التاريخ يتسع لـ الآلاف ليصنعوه سيختفي القائد الأوحد الذي يقوم بكل شيء ويفكر ويعرف كل شيء!
لن تجد "الحاكم بأمره " الذي يمدحه الجميع في التلفاز ويلعنوه في أنفسهم!
ستجد القائد الذي يشرك أصحابه في الفضل ويشيد بمواقفهم ويستفيد من خبراتهم ويسمع أرائهم
ستستمع إلى " سلمان " وهو يشير بحفر الخندق و " الحباب بن المنذر" وهو يشير بتغيير موقع المعسكر في بدر و " عمر " يجادل في الصلاة على المنافقين و " أم سلمه " تشير بان يحلق في عمرة الحديبية ..
وسترى أجيال تتبعها أجيال يقتدون به ويحبونه ويفدونه بأنفسهم
....
كان محمد صلى الله عليه وسلم يعيد ترتيب أولويات العالم
كان يعدل بوصلة الإنسان التي طاشت في كل اتجاه!
كان يهدم الأصنام التي استقرت في النفوس وعلى الأرض
كان يكتب للبشرية تاريخها الحقيقي
كان يخلص الإنسانية مما التصق بها في تاريخها الطويل من ظلم وجبروت وطغيان
كان يعيد للنفوس نقائها وتوازنها , يجلو عنها غبار الوثنية وصدا الفلسفات المنحرفة
لترى بعده الإنسان في أرقى صوره
لن ترى إنسان " نيتشه " السوبرمان الذي لا يعرف إلا القوة
ولا إنسان " هوبز " الذئب الذي يتربص بالآخرين
ولا إنسان " ميكافيللي " الانتهازي المتجرد من الأخلاق
ولا إنسان " داروين " القرد المتطور
ولا إنسان " فرويد " الشهواني الجنسي
ولا إنسان " ماركس" الاقتصادي
ستختفي كل تلك النماذج الممسوخة والمشوهة ليبقى الإنسان المكرم على بقية المخلوقات
لن ترى إنسان " جون ميل " و " لوك " العنصري البغيض الذي افسد علاقة شعوب عاشت على وفاق وتصالح لـ آلاف السنين لتكتشف بعد تلك السنين انها على عداء!
سترى الإنسان أياً كان جنسه ولونه ستجد الفارسي " سلمان " و الحبشي " بلال " والرومي " صهيب " والقرشي " معاوية " والبربري " طارق بن زياد " والكردي " صلاح الدين " والتركي " محمد الفاتح " والهندي " محمد إقبال " جنباً إلى جنب لا فرق بينهم
......
النفس الإنسانية ضعيفة بالرغم من كل تظاهرها بالقوة
وهذا الضعف يظهر جلياً في لحظات الانكسار وفي لحظات الانتصار!
فالنفس اما أن تلغو في الانكسار فتهرب من واقعها بأي طريقة كما فعل " هتلر " – مثلاً - الذي أشعل العالم في وقت انتصاره ثم في لحظة انكساره انتحر!
أو تغلو في لحظة انتصارها فتطغى كما تفعل الولايات المتحدة حالياً
رسولنا محمد مر بكل هذه الأحوال اما الانكسار فقد كُذب في مكة , عذب أصحابه وقتل بعضهم , رُمي بالأحجار في الطائف , طرد من مكة , قتل أصحابه في بدر ويوم الرجيع ويوم بئر معونة , حوصر في مدينته ..., ولكنه كان ثابت مبتسم متيقن من نصر ربه لم يتبرم من واقعه ولم يهرب منه بل واجهه بكل شجاعة وجلد.
اما لحظات الانتصار فقد انتصر في بدر والخندق و في فتح مكة ويوم حنين وغيرها من المواقف , فماذا فعل عند انتصاره؟
سامح من عذبه وكذبه وغفر لمن قتل أصحابه و اخذ ماله , لم يزد على " اذهبوا فانتم الطلقاء " وانتهى! نعم انتهى كل شيء!.
لم يكن اليابانيين من الطلقاء في نهاية الحرب العالمية الثانية! فقد أشرفت اليابان على الاستسلام ولكن الولايات المتحدة كانت قد انتهت من تطوير سلاح جديد فأرادت تجربته! فكانت القنبلتين النوويتين على ناجازاكي وهيروشيما وأكثر من 250 ألف قتيل وملايين المعاقين والمشوهين ( 5 ), ببساطة لم يكونوا طلقاء! , ثم يُقال لنا :ان الحلفاء خلصوا العالم والإنسانية من قوى الشر!( 6 )
" الإنسانية لا تتجزأ .. بل ربما تكون الإنسانية أزكى وأعلى في مواطن الخلاف والشدة والصراع ...
ومن هنا .. فان الناس لا يقاسون بإنسانيتهم في حالات الود والأفراح والأعياد .. بل يقاسون - أكثر- في حالات الشدة والخلاف والصراع (7).
.....
" تعال نؤمن ساعة !".
تان كتب عن عظيم فهذا أمر عسير كما قلت سابقاً
فكيف اذا كنت ستكتب عن نبي هو خير الانبياء
فماذا يمكن أن تكتب عن رجل اتصلت ببعثته السماء بالأرض وبموته انقطع الوحي , رجل هيئه الله لأعظم رسالة في التاريخ؟
عند الحديث عن " محمد صلى الله عليه وسلم " تتدثر الكلمات بالصمت وتبدو عاجزة عن الحديث!
اعرف مدى تقصيرها وتقصيري في هذا الموضوع ولكن قد يشفع لي صدق دافعي وهو الحب أولاً الغضب ثانياً!
الحب لمحمد النبي الإنسان
والغضب أن يُكال المدح لـ لاعبي الكرة والفنانات
وان تدبج القصائد في مدح من تبرع بعشرين " كيس شعير" في مهرجان جاهلي
ويُنسى مـحـمـد ...
وكفى!.
...... هـامـش .......
(1) الأبطال , توماس كارليل.
(2) ويبقى التاريخ مفتوحاً , تركي الحمد.
(3) انتهى قبل أيام قليلة أسبوع ثقافي شاركت فيه قرابة 200 جامعة أمريكية بعنوان " الفاشية الإسلامية " نظمته مجموعة من ابرز الشخصيان الأمريكية المتطرفة , كالعادة دولنا لم تعلق . الغريب انه رغم كل هذا التشويه إلا أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشاراً وأكثرها تأثيرا.
(4) نقلاً عن جوال الإسلام اليوم.
(5) مات قبل فترة بسيطة – غير مأسوفا عليه -الطيار الأمريكي الذي ألقى القنبلة النووية.
(6)التاريخ يكتبه المنتصرون ويلتهمه الأغبياء !, يقول المستشار الألماني في نهاية الحرب العالمية الأولى "هندنبرج " : ان كلمةالتاريخ هي ويل للمغلوب.
(7) أ.د عبدالحليم عويس , جريدة المدينة , ملحق الرسالة , العدد16263.
__________________
سبحانك لا آله الا انت استغفرك واتوب اليك