وبعد عرض الأسباب أبدأ بالعلاج:
إن أهم جانب في علاج الانحراف العاطفي هو حماية الفتاة وتحصينها حتى لا تقع، وهذا هو الهدف الأساس من هذه المحاضرة، وحتى التي وقعت أو بدأت فسأذكر بإذن الله تعالى طرق العلاج:
الطريقة الأولى: أول الحلول وأهمها هو الزواج المبكر للفتيات والشباب كذلك، وينبغي أن نعلم أن الله تعالى خلق العاطفة في الرجل والمرأة حتى يسعى الإنسان إلى تكوين الحياة الزوجية وحتى يتحقق الاستقرار والسكن والرحمة والمودة في هذه الحياة الزوجية، وحفظًا لبقاء النسل، قال الله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الروم:21)، ومن المهم أن نعلم أيضًا أن هذه العاطفة تظهر في سن المراهقة عند وصول الإنسان إلى سن التكليف الشرعي، وتصل المرأة إلى سن التكليف عادة قبل الرجل بمتوسط سنتين ونصف، ويكون الجانب العاطفي لديها أقوى من الرجل، وأغلب الفتيات يصلن إلى سن التكليف الشرعي قبل أن تنهي المرحلة الابتدائية، والله تعالى هو العليم الخبير الذي جعل الفتاة في هذه السن مهيأة لأن تكون أمًا وزوجة، فإذا تزوجت استقرت العاطفة وكانت سببًا في تحقيق السكن والرحمة والمودة بين الزوجين، وقد كانت الفتاة تتزوج في سن الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وإلى ما قبل أربعين سنة من الآن، وفي وقتنا المعاصر تغيرت المفاهيم وتأخر سن الزواج قرابة العشر سنين.
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها تسع سنوات، ولو تقدم شاب لخطبة فتاة عمرها أربع عشرة سنة ولا أقول تسع سنوات لقيل إنها طفلة صغيرة ولا تستطيع تحمل المسؤولية.
والجواب على هذه الشبهة في حديث جابر رضي الله عنه، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل نكحت يا جابر؟ قلت: نعم، قال: ماذا، أبكرًا أم ثيّبا؟ قلت: لا بل ثيّبا، قال: فهلا جارية تلاعبك، قلت: يا رسول الله إن أبي قُتل يوم أحد وترك تسع بنات، كن لي أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهم، قال: أصبت. أخرجه البخاري ومسلم.والجارية: هي الصغيرة من النساء، والخرقاء: هي التي لا تحسن التصرف.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الجارية خرقاء لا تحسن التصرف ومع ذلك حث جابرًا أن يتزوج جارية، لأن ذلك هو الأصلح لها ولزوجها. فالسن الذي ينبغي أن تتزوج فيه الفتاة شرعًا هو لمن تكون في المرحلة المتوسطة، وإذا نظرنا في طالبات المرحلة المتوسطة فإنه لا يكاد أن يوجد فيهن طالبة متزوجة، وكذا الحال في المرحلة الثانوية، فإنه يندر فيها المتزوجة، فهذه المخالفة الصريحة للفطرة من أهم أسباب انحراف الطالبة عاطفيًا سواء فيما يسمى بالإعجاب بين الفتيات أو الاتصال بالشباب.
أما المرحلة الجامعية فالمتزوجات منهن لا يتجاوزن 5%، وقد ذكرت مجلة الأسرة إحصائية مخيفة وهي أن مليون ونصف امرأة سعودية تجاوزت الثلاثين وهي لم تتزوج.
إن هذه الظاهرة الخطيرة لم تُعطى بعد حقها من الاهتمام والعلاج، ومن أهم طرق العلاج:
أولًا: أن نرجع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الزواج المبكر للفتيات وكسر العوائق والرواسب الاجتماعية التي تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته.
ثانيًا: إذا تقدم العمر بالفتاة فإنها ترفض من يأتي لخطبتها غالبًا لأنه غير كفء في دينه واستقامته أو غير ذلك، ولأجل هذا فإني أرى أهمية أن تسعى المرأة في تزويج زميلتها أو قريبتها من خلال البحث عن الكفء لها من ذوي الدين والاستقامة، والشاب المستقيم المعدد خير لها من غير المستقيم وإن لم يكن معددًا، ولدي قناعة بذلك من خلال معرفتي بالمشاكل الزوجية التي تصلني عبر الهاتف.
ثالثًا: الزواج مقدمٌ على إكمال الدراسة أو الوظيفة، يتقدم شاب لخطبة فتاة وهي في الأولى ثانوي فيمنعها أهلها أو ربما دون علم ابنتهم بحجة إكمال الدراسة، وهذه جناية يرتكبها الأبوان في حق ابنتهم وهما لا يشعران.
تحدثت إحدى الفتيات عن معاناتها فقالت: تقدم إلي الخطّّاب وأنا في سن مبكرة، فكانت والدتي تصر على عدم الزواج حتى أنتهي من الدراسة، جاء الخطّاب من أهل الدين والاستقامة ممن ترجوهم كل فتاة مستقيمة، فكانت والدتي تردهم دون إخباري، وربما أخبرت أحيانا مع طلب عدم الموافقة؛ لأن الدراسة أهم، فأوافقها في الظاهر لأن حيائي يمنعني أن أقول خلاف ذلك، انتهيت من المرحلة الثانوية وتخرجت من الجامعة ولم يأتني بعد ذلك إلا قلة من الخطّاب الذين لا أرجوهم من ضعاف الدين والخلق، ثم دخلت بعد ذلك في دوامة الحرج الاجتماعي والمعاناة النفسية، أدافع نفسي دائما حينما أنظر إلى والدتي نظر بغضٍ وكراهية كلما تذكرت أن والدتي هي التي تسببت في تدمير حياتي الاجتماعية وإن كنت أعلم بأنه نوعٌ من العقوق.
رابعًا: من طرق علاج ظاهرة تأخر زواج الفتيات: السعي في تيسير أمور الزواج بدْءًا بالمهر والوليمة، فتقاطع الفنادق وقصور الأفراح، ويُكتفى بوليمة مختصرة في البيت، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال:ما هذا؟ قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أَوْلم ولو بشاة. أخرجه البخاري ومسلم.
يسرٌ في المهر ويسرٌ في الوليمة وينبغي أيضا أن تمتنع النساء عن التكلف في التجهيز والمباهاة في ليلة الزفاف.
إن واقع الشباب اليوم الذي تخرّج من الجامعة وتوظف على أحسن وظيفة وأعلى مرتب لا يستطيع أن يتزوج إلا أن يكون والده ثريّا أو بالزكوات والديون، فكيف بمن دونهم.
التعديل الأخير تم بواسطة الكنز الثمين ; 27-12-2004 الساعة 04:28 AM