أقبل موسم الصيف، وازدانت كثيرٌ من بيوت المسلمين بفرحة تزويج الأبناء والبنات، ومع ذلك تمتزج مشاعر الفرح بمشاعر الخوف والقلق من الفشل!.
ولاشك أن شبابنا وشاباتنا بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ويزودهم ببعض النصائح والوصايا.
وقد كان هذا منهج تربوي سلكه أسلافنا، قال أنس رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زفوا امرأة على زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية حقه".
وقد أُثِرَ عنهم عدة وصايا منها:
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما خطب فاطمة رضي الله عنها فقال: "فهي لك على أن تحسن صحبتها".
ومنها وصية عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لا بنته عند زفافها يقول: "إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق! وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء".
ومن هنا أحببت أن أدلي بدلولي في هذا الشأن، وأهدي هذه الوصايا لكل عروسين أقبلا على الزواج.
وابدأها بقولي:
أولاً: التمسا رضا الله تعالى في كل أعمالكما وأقوالكما:
وتعاونا على الطاعة واحرصا على كل ما يقربكما إلى الله، وابتعدا عن المظاهر الزائفة، والتقليد الأعمى لأفراح الزواج، واجعلا فرحكما مميزا في مكانه، وبطاقاته، ومدعويه، ومراسمه.
والتميز هنا " يعني أن اعتز بديني وعقيدتي وما يمليه علي ديني في أفراحي... " ولا أبالي بما اسمعه من المخدوعين ببريق الحضارة الزائف.
الثاني: شهر العسل! (كما يسمى) شهر بناء:
وهو فرصة لتوثيق العلاقات، ووضع الأسس الثابتة لهذه الأسرة، ودمج للعواطف وتحقيق للألفة والمودة: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ...). [سورة البقرة، الآية: 187]. وليس للمباهاة والمظاهر والمجاهرة بالمعاصي والسفر لبلاد الكفر والعهر!.
الثالث: تنمية الحب بين الزوجين:
ويتحقق - بإذن الله - بعدة أمور:
1- الدعاء والتضرع إلى الله بالتوفيق والألفة، وهذا من أقوى الأسباب.
2- حسن الاستقبال والبشاشة من الزوجين.
فإذا كانت الزوجة مأمورة بحسن الاستقبال، فالزوج مطلوب منه أن يقابل زوجته بالبشر والسرور والبسمة الصادقة وإلقاء السلام، فللأسف: بعض الرجال يدخل بيته، فتدخل معه الكآبة والضيق.
وعلى الزوجين البعد عن كثرة التذمر والشكوى، وروِي في الحديث عند الطبراني "من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سره الله عز وجل يوم القيامة". فما بالك إذا كان هذا المسلم زوج وقريب.!!
3- الزينة وحسن المظهر: يقول ابن عباس رضي الله عنهما "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي".
وعلى الزوجة الاهتمام بكل ما يهم زوجها من أمور الزينة.
ذكر المناوي في ( فيض القدير) أن احد الحكماء قال: " تزين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهة والنفرة، لأن العين رائد القلب، فإذا استحسنت منظراً أوصلته إلى القلب، فحصلت المحبة، وإذا نظرت منظرا بشعاً أو ما لا يعجبها من زيّ أو لباس تلقيه إلى القلب فتحصل الكراهة والنفرة... ". أ هـ.
وتأملي أختي العروس قول الأعرابية لابنتها:
" التعهد لمواقع عينيه " وقولها: " فلا تقع عينه منك على قبيح ".
وقد جاء النهي عن أن يطرق الرجل أهله ليلاً، وعلل ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله: "كي تمتشط الشعر، وتستحد المغيبة". [رواه البخاري ومسلم].
4- إبداء المشاعر الطيبة نحو الآخر والبعد عن كثرة الغيرة وكثرة العتاب.
وقدوتنا في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يحمل هم الأمة، وهم الدعوة، ومع ذلك لم ينسَ أن يولي عنايته للجانب العاطفي في حياته الزوجية.. فسابق عائشة رضي الله عنها أكثر من مرة فسبقته مرة، وسبقها مرة أخرى وقال: "هذه بتلك". [رواه أبو داود وابن حبان وابن ماجة].
وقال صلى الله عليه وسلّم لجابر بن عبد الله رضي الله عنه حين سأله عن زوجته أبكر هي أم ثيب ؟! فقال: "ثيباً" فرد عليه صلى الله عليه وسلم: "أفلا بكر تلاعبها وتلاعبك". [رواه البخاري ومسلم].
فعلى العروسين اختيار أحسن الألفاظ وأعذبها بينهما، والبعد عن كثرة العتاب المبالغة في الغيرة.
وللأسف كم خربت من البيوت، نتيجة كثرة الغيرة والظنون، والشكوك التي لا أساس لها، وقد سبق ذكر وصية عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لابنته عند زواجها فقال: "إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتاب فانه يورث البغضاء.. إلخ ".
ه- طاعة الزوج في غير معصية الله:
ففي الحديث قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي النساء خير؟! قال التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره". [رواه أحمد].
ودخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "أذات زوج أنت؟! قالت: نعم، قال: فأين أنت منه؟! قالت ما آلوه، إلا ما عجزت عنه، قال: فكيف أنت له؟! فإنه جنتك ونارك". [رواه أحمد وغيره].
وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح".
الرابع: كتمان الأسرار:
احرصا على أن لا تتعدى مشاكلكما، وما يدور بينكما باب منزلكما، بل غرفة نومكما، فكثير من الزوجات تسارع بعد زواجها لنقل كل ما يكون بينهما وبين زوجها لزميلاتها ولأهلها، وتكثر الشكوى، فتقسو قلوبهم، ويكون التدخل بعد ذلك، وتحجم المشكلات حتى يقع الفراق لأسباب تافهة!.
وبالمقابل هناك من الرجال من يفشي أسراره ويكثر الشكاية، مما يكون سبباً في تعاسته.
ومن أعظم ما يحب حفظه وكتمه في الحياة الزوجة ما يكون بين الزوجة ومن أمور المعاشرة والإفضاء، فقد جاء في الحديث: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". [رواه مسلم].
الخامس: حسن الظن:
فإن الشك وسوء الظن يولد الفرقة والبغضاء، وذلك لما يسببه من فساد العلاقات وخراب البيوت وقطيعة الأرحام، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله لئلاً، ففي الحديث عن جابر بن عبد الله قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم". [رواه البخاري ومسلم].
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الظن، وذلك بقوله: "إياكم والظن، فإنّ الظنّ أكذب الحديث". [رواه البخاري ومسلم].
السادس: أعط لكي تأخذ:
كثيرٌ من الأزواج والزوجات يرسم صورة خيالية لرفيق العمر، فيريده أن يكون مشتملاً على كل صفات الكمال، كما يريده كالثوب الذي يفصله! وهذا محال، فلا تتوقع المعجزات، فهكذا الحياة مجبولة على الكدر والنقص.
ولكل شخص ما يميزه من الصفات والأخلاق، ومنها ما يصعب تغييره، لذلك لا تحمل هم تغيير شريكك ليكون مثالاً كما تحب، لأنك إن حملت هذا الهم ظللت تحمله طول حياتك إلا أن يشاء الله.
وهذا إن لم يكن الأمر متعلقاً بالدين والأصول.
إنّ ما نريده من الحب والرحمة والإيثار علينا أن نقدمه أولاً فـ(أعط لكي تأخذ).
السابع: الوضوح والمصارحة بكل ما تحب:فكثيرٌ من المشاكل الزوجية سببها عدم الوضوح، وعدم بيان ما يحب الآخر، ولذا فقد يبقى الشريك غير راضٍ، وذلك بسبب عدم تحقيق ما يريد في نفسه، وكأنه أخفاه ويريد من الطرف الآخر أن يكتشفه!.
كذلك ينبغي نسيان النقائص والإساءة، وتذكر المحاسن والفضائل، وتعلم العفو والصفح، فإذا كان الله تعالى يقول في شان أهل العداوات: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). [سورة فصلت، الآية: 34]. فكيف بمن بينك وبينه مودة ومحبة ورحمة؟!.
ختاماً:
أسأل الله أن ينفع بهذه الوصايا كل عروسين، وأن يملأ عليهم جميعاً حياته سعادة وطمأنينة وأنساً، إنّه على كل شيء قدير.
آمين،،،،،،،،
د. قذلة القحطاني
منقول
التعديل الأخير تم بواسطة شمعة لزوجي ; 25-05-2008 الساعة 03:08 AM