الجنس والعلاقات الجنسية فى ضوء الشريعة الإسلامية
يعيش العالم اليوم ثورة جنسية طاغية ، تجاوزت كل الحدود والقيود ، مما جعل القضية تطرح على أنها أبرز إحدي القضايا وأشدها أثراً وخطراً على الكيان البشري برمته .
يقول جورج بالوشي هورفت فى كتابه : ( الثورة الجنسية ) :
" والآن ، وبعد أن كادت أذهاننا تكف عن الخوف من الخطر الذري ، ووجود ( عنصر السترونسيوم ـ 90 المشع ) فى عظامنا وعظام أطفالنا ، لايفتقر العالم إلى عناصر بشرية تقلق للأهمية المتزايدة التى يكتسبها الجنس فى حياتنا اليومية وتشعر بالخطر إذ تري موجة العري وغارات الجنس لاتنقطع ينشغل هؤلاء الناس انشغالاً جاداً بالقوة الهائلة التى يمكن أن تصل إليها الحاجة الجنسية إذا لم يحدها الخوف من الجحيم ، أو الأمراض السارية ، والحمل .... وفى رأيهم أن أطناناً من القنابل الجنسية تتفجر كل يوم ، ويترتب عليها آثار تدعو إلى القلق ، قد لايجعل أطفالنا وحوشاً أخلاقية فحسب بل قد تشوه مجتمعات بأسرها .
وكتب جيمس رستون James Restone فى مجلة New York Times : " إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون فى نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية . "
ويلفت المؤرخ Arnold Toynbee النظر إلى أن سيطرة الجنس يمكن أن تؤدي إلى تدهور الحضارات .
وهذا ما أكده الإسلام من قبل ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " وما تشيع الفاحشة فى قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء " .
تشهد أمريكا وأوربا وغيرهما من بلاد العالم منذ سنوات قريبة جنوناً جنسياً محموماً ، سواء في عالم الأزياء والتجميل أو في عالم الكتب والأفلام ، أو في عالم الواقع على كل صعيد .... حتي غداً الجنس الشغل الشاغل لمعظم أفراد المجموعة البشرية ، بل أضحت ممارسته والإغراق فيه الحياة وقمة الأمنيات لدي كثير من الناس .....
فلم يعد الجنس تلك العلاقة الحسية القائمة بين زوجين أثنين ، أو حتي بين شخصين لا يربطهما عقد شرعي أو قانوني ، بل أضحي عالماً واسعاً بكل ما فيه من فنون ووسائل ومثيرات ؟؟؟
غداً الجنس كالطعام مختلفة ألوانه متعددة توابله ومقبلاته ، لايخضع لذوق أو مزاج أو قاعدة ، فضلا عن تحرر من كل عرف أو قيد .
يستحيل اليوم السير فى أي مدينة كبيرة دون التعرض ( للقصف الجنسي ) الحقيقي ؛ إعلانات من كل حجم ، وأغلفة مصورة أفلام سينمائية صور معروضة فى مداخل علب الليل ، والآف من الفتيات والنساء يرتدين ثياباً كان يمكن ان توصف بقلة الحشمة منذ أمد قريب ؟
إن اللواط والسحاق والممارسات الجماعية للجنس والزواج التجريبي أو الحب السابق للزواج وإن نوادي الشذوذ ونوادي العراة وعلب الليل ، وإن المجلات الماجنة والأفلام الجنسية والصور الخليعة ... إلخ ، كل هذه وغيرها باتت السمة المميزة للمجتمعات البشرية فى شتي أنحاء الأرض
لاشك أن هذه الثورة الجنسية المحمومة التى بدأت طلائعها منذ سنوات كانت حصاد أوضاع وقيم عقائدية وفكرية وأخلاقية معينة ... ولم تكن هذه الظاهرة وليدة الصدفة أبداً وإنما إشباعاته العضوية الغريزية دون أن يتمكن من تحقيق هذه الإشبعات
فى نيسان April 1964 أثيرت ضجة كبري عندما وجه ( 140 ) من الأطباء المرموقين السويديين مذكرة إلى الملك والبرلمان السويدي يطلبون فيها اتخاذ اجراءات عاجلة للحد من الفوضي الجنسية التى تهدد حقاً حيوية الأمة وصحتها وطالب الأطباء أن تسن قوانين صارمة ضد الإنحلال الجنسي .
وفي أيار Mai من العام نفسه قامت أكثر من ( 2000 ) إمرأة إنجليزية بحملة لتنظيف موجات الإذاعة وشاشات التلفزيون من الوحل الذي يلطخها من خلال ما تشيعة من الجنس الرخيص .
وفي سنه 1962 صرح الرئيس جون كينيدي بأن مستقبل أمريكا فى خطر ، لأن شبابها مائع منحل غارق فى الشهوات لايقدر المسؤولية الملقاه على عاتقة وإن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجه سته غير صالحين .... لأن الشهوات التى غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية .
الجنس والعلاقات الجنسية في ضوء الشريعة الإسلامية :
إن تصحيح الواقع الاجتماعي والأخلاقي لايتحقق بمجرد استهجان القبيح واستنكاره وإنما بتقويم المجتمع وبنائه فى كافة مرافقة وشؤونه وفق نظام أخلاقي متناسق ......
الأخلاق والجنس :
للأخلاق فى نظر الماديين مفاهيم غريبة لاتتفق مع ما تعارف عليه الناس ومع ما جاءت به الأديان بل حتي مع الحس والذوق الفطريين .
تعتبر المذاهب المادية جمعاء الجنس عملية ( بيولوجية ) بحته لا علاقة لها بالأخلاق ، كما تعتبر أن السياسة هي سياسة بحته كذلك ولا علاقة لها بالأخلاق .
يقول دوركهايم :
" إن الأخلاقيين يتخذون واجبات المرء نحو نفسه أساساً للأخلاق . وكذا الأمر فيما يتعلق بالدين ، فإن الناس يرون أنه وليد الخواطر التى تثيرها القوي الطبيعية الكبري أو بعض الشخصيات الفذة ( يعني الرسل ) لدي الإنسان ، ولكن ليس من الممكن تطبيق هذه الطريقة على هذه الظواهر الاجتماعية اللهم إلا إذا أردنا تشوية الطبيعة " [ قواعد المنهج في علم الاجتماع ] .
ويقول فرويد :
" إن الإنسان لايحقق ذاته بغير الاشباع الجنسي ... وكل قيد من دين أو أخلاق أو مجتمع أو تقاليد هو قيد باطل أو مدمر لطاقة الإنسان وهو كبت غير مشروع " .
وجاء فى بروتوكولات حكماء صهيون : protocoles des sages de sion
" يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق فى كل مكان فتسهل سيطرتنا .... إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية فى ضوء الشمس لكي لا يبقي في نظر الشباب شيء مقدس ، ويصبح همة الأكبر هو إرواء غرائزة الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه " .
وجاء فيها أيضاً :
" لقد رتبنا نجاح دارون وماركس ونيتشة بالترويج لآرائهم ، وإن الأثر الهدام للأخلاق الذى تنشئة علومهم فى الفكر اليهودي واضح لنا بكل تأكيد " .
تقوم الفلسفة الأخلاقية فى الإسلام على أساس توفيق تصريف الغرائز ، كل الغرائز وتنظيم العلائق والتصرفات كل العلائق والتصرفات البشرية وفق تصور الإسلام العقيدي ووفق النظام المنبثق عن هذا التصور
إنه الإطار الذى يعمل على تقنين جميع شؤون الحياة الإجتماعية منها والإقتصادية والسياسية ، الفردية منها والجماعية وفق أسس أخلاقية ليكون التعامل بها ، وليكون الأثر الناتج عنها أخلاقياً .
الجنس والعلاقات الجنسية فى ضوء الشريعة الإسلامية :
والإسلام حين يضع للغريزة ضوابط أخلاقية معينة فإنما يفعل ذلك فى ضوء تقديره لطبيعة الكائن البشري ولطبيعة احتياجاته العضوية والنفسية ، ولطبيعة متطلباته الروحية والبدنية ، تماماً كما يفعل بالنسبة لغرائزه الأخري .
النظرية الجنسية فى الإسلام :
ينظر الإسلام إلى الإنسان نظرة شاملة ، ينظر إليه جسماً وعقلاً وروحاً ، وذلك من خلال تكوينه الفطري، ثم هو ينظم حياته ويعالجه على أساس هذه النظرة .
فالإسلام لم ينظر إلى الإنسان نظرة مادية لاتتعدي هيكله الجسدي ومتطلباته الغريزية شأن المذاهب المادية في حين لم يحرمه حقوقه البدنية وحاجاته العضوية .
لم يكن الإسلام إيبيقورياً Epicurien فى إطلاق الغرائز والشهوات من غير تنظيم ولا تكييف ، ولم يكن كذلك رواقياً Stoicien فى فرض المثاليات وإعدام المتطلبات الحسية في الإنسان .
والإسلام بناء على تصوره لطبيعة الإنسان ولاحتياجاته الفطرية ولضرورة تحقق التوازن فى إشباعاته النفسية والحسية يعتبر الغريزة الجنسية إحدي الطاقات الفطرية فى تركيب الإنسان التى يجب أن يتم تصريفها والانتفاع بها فى إطار الدور المحدد لها شأنها فى ذلك شأن سائر الغرائز الأخري .
ولاشك أن استخراج هذه الطاقة من جسم الإنسان أمر ضروري جداً ، وبالعكس فإن اختزانها فيه مضر جداً وغير طبيعي ولكن بشرط الانتفاع بها وتحقيق مقاصدها الإنسانية .
وحين يعترف الإسلام بوجود الطاقة الجنسية فى الكائن البشري ، فإنه يحدد لهذا الكائن الطريق السليم لتصريف هذه الطاقة وهو طريق الزواج الذى يعتبر الطريق الأوحد المؤدي إلى الإشباع الجنسي للفرد من غير إضرار بالمجتمع .
ويتصور الإسلام وجود علاقة بين الرجل والمرأة على أنها الشيء الطبيعي الذى ينبغي أن يكون . فهو يقر بأن الله قد جعل فى قلب كل منهما هوي للآخر وميلاً إليه . ولكنه يذكرهما بأنهما يلتقيان لهدف هو حفظ النوع . وتلك حقيقة لانحسبها موضع جدال . فمن المسلم به لدي العلم أن للوظيفة الجنسية هدفاً معلوماً ، وليست هي هدفاً بذاتها . فيقول القرآن الكريم : " نساؤكم حرث لكم " [ سورة البقرة الآية 223 ] فيحدد بذلك هدف العلاقة بين الجنسين بتلك الصور الموحية...
وربما خطر فى فكر سائل أن يقول : " إن هدف الحياة من هذه الشهوة يتحقق سواء تيقظ إليه الفرد او كان غارقاً فى الشهوة العمياء فما الفرق إذن بين هذا وذاك .
ولكن الحقيقة أن هناك فارقاً هائلاً بين النظرتين فى واقع الشعور . فحين يؤمن الإنسان بأن للعمل الغريزي هدفاً أسمي منه وليس هو هدفاً فى ذاته ، يخفف سلطان الشهوة الطاغية فى شعوره ، فلا يتخذ تلك الصورة الجامحة التى تعذب الحس أكثر مما تتيح له المتعة والارتياح . وليس معني ذلك أنه يقلل من لذتها الجسدية ، ولكنه على التحقيق يمنع الإسراف الذى لايقف عند الحد المأمون
ففي حدود الأسرة وفى نطاق الزوجية يتيح الإسلام للطاقة الجنسية مجالها الطبيعي المعقول ، ولكنه لايتيح لها المجال فى الشارع خلسة أو علانية ، وهو يري ببصيرته كيف تنحل الأمم وتسقط حين تترك أفرادها يتهاون فى الرذيلة دون أن تأخذ بحجزهم وتمنعهم من الإنحدار .....
ويقول الدكتور فريدريك كاهن Frederic kahn إن الزواج هو الطريق الصحيح لتصريف الطاقة الجنسية وهو الحل الأوحد الجذري للمشكلة الجنسية . ويقول فى كتابه ( حياتنا الجنسية ) : " كان البشر فىالماضي يتزوجون فى سن مبكرة ، وكان ذلك حلا صحيحاً للمشكلة الجنسية . أما اليوم فقد أخذ سن الزواج يتأخر ، كما أن هناك أشخاصاً لا يتوانون عن تبديل خواتم الخطبة مراراً عديدة . فالحكومات الجديرة ، لأنها تكتشف بذلك أعظم حل لمشكلة الجنس فى عصرنا هذا .
والإسلام حينما يعتبر الزواج الطريق الفطري الذى يحقق للطاقة الجنسية هدفها الإنساني ، فضلاً عن تحقيقه اللذة الآتية منها ، فإنه يتوجه بقوة للحض على الزواج وتسهيلة وتيسير أسبابه .
وإلى أن تتهيأ للشباب فرص الزواج وأسبابه ، فإن الإسلام يدعو إلى الاستعفاف ، وهو علاج مقبول وطبيعي فى مجتمع لايترك الإنسان فريسة للقصف الغريزي المدمر ، كما هو مشاهد اليوم فى المجتمعات البشرية كافة .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " [ رواه البخاري ]
ويقول عليه الصلاة والسلام : " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه ، فليتق الله فى النصف الباقي " [ رواه البيهقي ]
الجنس والعلاقات الجنسية في ضوء الشريعة الإسلامية :
ويقول صلى الله عليه وسلم : " ثلاث حق على الله عونهم : المجاهد فى سبيل الله ، والمكاتب الذى يريد الآداء ، والناكح الذى يريد العفاف " [ رواه الترمذي ] .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من كان موسراً لأن ينكح ثم لم ينكح فليس مني " [ رواه الطبراني ]
الموقف الإسلامي من العلاقات الجنسية
يعطي الإسلام توجيهات عملية مفيدة فى جميع شؤن الحياة بما في ذلك العلاقات الجنسية البشرية (*)
فالزواج هو القناة الوحيدة التى يسمح فيها بالعلاقة الجنسية بين الجنسين .
والعلاقات الجنسية محرمة تماما خارج إطار عقد الزوجية وتستوجب عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية .
ويشدد الإسلام على الوقاية من الجرائم الإجتماعية وكذلك الأمر بالنسبة للظروف والعوامل التى تساعد على انتشار هذه الجرائم ، وتنص الشريعة الإسلامية على عقوبات شديدة ضد جرائم الجنس كالزنا واللواط والاغتصاب التي ينظر إليها مخالفة للشرائع المتعلقة بالمجتمع والعائلة .