ان معظم أنواع الحساسية الغذائية خطرة، وتؤدي إلى مضاعفات لا تعرف عواقبها إذا لم يبتعد المرء عن مسببها ويصر على الاستمرار بتناولها، منوها بأن بعض أنواع الحساسية الغذائية لها قوة عالية في التأثير يجعلها تهدد بسرعة صحة وربما حياة الإنسان.
ولفت الباحث في المواد المؤكسدة والمضادة للأكسدة، من الناحية التحليلية وتداخلاتها في النظم الغذائية والبيولوجية، إلى انه يتداخل مع الحساسية حالات مرضية مشابهة لها، ويسود الاعتقاد بأنها تابعة للحساسية الغذائية، مبينا اختلاف الأغذية عن بعضها البعض بمحتواها من البروتينات المسببة للحساسية، حيث تعتبر الحبوب ومنتجات الألبان، وخاصة الحليب والأسماك واللحوم والبقوليات والبندقيات من الأغذية ذات المحتوى المرتفع للألرجينات وتحتوي على أكثر من نوع واحد، أما الفواكه والخضروات فتعتبر الحساسية التي ترتبط بها من النوع الخفيف ونسبة حدوثها في المجتمع أقل.
وفي ما يلي نص المقابلة:
- هل تعتبر الحساسية مرض ؟
ليست الحساسية بمرض، بل هي حالة ترتبط بخلل أو استجابة وهمية لنظام المناعة عند بعض الأفراد لمادة معينة متأتية من الغذاء أو الدواء أو البيئة، ولكونها لا تحتاج إلى دواء لعلاجها بل تختفي بالابتعاد عن مسببها فهي ليست بمرض على الرغم من أن بعض أنواعها قد يهدد حياة الإنسان ويتسبب بوفاته. وتعرف الحساسية أو التحسس المفرط على أنها الحالة التي يسببها تعرض جهاز المناعة في الأنسجة المختلفة إلى مادة خارجية ذات تركيبة جزيئية معقدة تسمى أنتيجين أو ألرجين يعتبرها الجهاز المناعي غريبة أو عدوا يجب معالجته ووقف تأثيراته، حيث تنطلق سلسلة من التفاعلات من داخل الخلايا وخارجها أهمها تحفيز نوع من البروتينات المناعية المسمى أميونوجلوبيولين للالتصاق بخلايا ماست التابعة للجهاز ثم حدوث تفاعلات المعالجة.
وتسمى هذه البروتينات الأجسام المضادة، ويوجد منها أنواع مختلفة علمت بحروف إنكليزية وكل بروتين يتحفز بنوع من أنواع الألرجينات ولكل واحد منها وظيفة تختلف عن الآخر، إن الجسم المضاد من نوع أميوجلوبيولين -أي هو المسؤول عن معظم تفاعلات الحساسية ومنها الحساسية للأغذية.
إذن فالحساسية هي الحالة التي يعالجها نظام المناعة الخلوية ويتم فيها تحفيز الأجسام المضادة من نوع أي وما عدا ذلك فهو ليس حساسية رغم تشابه الأعراض في بعض الحالات المرضية الأخرى. إن دم الشخص المتحسس لمادة غذائية معينة يحتوي الأجسام المضادة من نوع أي بمقدار يزيد على عشرة أضعاف ما موجود في دم الشخص غير المتحسس. والغريب جدا والذي لم يستطع العلماء تفسيره هو كون الفرد المتحسس لألرجينات معينة لا يتحسس لغيرها رغم أنها متشابهة إلى حد ما في التركيب وكذلك لم يفسر العلماء لماذا يكون هذا البروتين بمثابة ألرجين ولم تكن البروتينات الأخرى كذلك. هذا ما يبحث عنه الأطباء المختصون بذلك وكذلك علماء التغذية، ولهذا يسود الاعتقاد بأن الحساسية هي خلل أو وهم في الجهاز المناعي لشخص ما باتجاه مادة معينة (بروتينية في الغالب)، هذا الوهم غير موجود عند الآخرين أو موجود ولكن باتجاه مادة أخرى تتواجد في غذاء آخر.
- كيف تظهر أعراض الحساسية؟
أعراض الحساسية تظهر بفترة بين دقائق وساعتين إلى أربع ساعات من تناول الغذاء الحاوي على الألَرجينات ومنها البقع الحمراء والطفح الجلدي والقيء وغير ذلك. إن الأعراض يسببها إفراز مادة الهستامين كإحدى المواد الناجمة عن تفاعلات الحساسية إلى الدم خارج خلايا ماست.
وكمعلومات عامة مفيدة فإن البروتينات الألرجينية التي يتحفز منها نظام المناعة هي بروتينات معقدة مكونة من جزء بروتيني مرتبط بدهون أو جلايكوزيدات أو عناصر معدنية، وإن الموقع المهم فيها والذي يرتبط الجسم المضاد به لغرض المعالجة يسمى إبيتوبس يختلف تركيبه البنائي من ألرجين إلى آخر.
- ما هي أخطر أنواع الحساسية الغذائية؟
بصورة عامة تكون معظم أنواع الحساسية الغذائية خطرة وتؤدي إلى مضاعفات لا تعرف عواقبها إذا لم يبتعد المرء عن مسببها ويصر على الاستمرار بتناولها مهملا نصائح وإرشادات الأطباء، ولكن لبعض أنواع الحساسية الغذائية حدة أو قوة عالية في التأثير يجعلها تهدد بسرعة صحة وربما حياة الإنسان ومنها الحالة النادرة الحدوث أنافيلاكسس، وهي تحدث بعد تناول كميات قليلة من الألرجين وتظهر أعراضها بفترة قصيرة نسبيا (بضع دقائق) ومن أعراضها الربو والاختناق واحمرار الجلد والقيء والإسهال. ولغرض تخفيف تأثيرها وأعراضها يلجأ في بعض البلدان إلى تمرين خاص تحت إشراف طبي شديد داخل المستشفيات يتضمن تهيئة الغدة الأدرنالية عن طريق التناول التدريجي للغذاء المسبب للحالة وبطريقة تشبه اللقاح لتعويد الجهاز المناعي على عدم التحفيز الشديد عند تعرضه للألرجين المسبب للحالة. ولابد من التنبيه على ضرورة مراجعة الأطباء فور ظهور أعراض الحساسية لمعرفة نوعيتها ودرجة حدتها عن طريق الاختبارات المختلفة في المستشفيات ولا يكفي الاعتماد على النصائح العامة.
- هل يصاب الإنسان بحالات مشابهة لكنها ليست حساسية ؟
نعم يتداخل مع الحساسية حالات مرضية مشابهة لها، ويسود الاعتقاد بأنها تابعة للحساسية الغذائية وتسمى هذه الحالة بضعف أو انعدام التحملية (إنتولرنس) ويسببها ضعف او عدم وجود العوامل الحيوية المهمة في هضمها وتمثيلها مثال الأنزيمات. والمثال الشائع والمعروف عليها هو عدم وجود إنزيم اللاكتيز في القناة الهضمية لبعض الأفراد لتحليل سكر اللاكتوز من الحليب، مما يعرض المصاب لحاله إسهال وقيء وآلام في المعدة تشبه إلى حد الأعراض التي تنجم عن حساسية الحليب والتي يكون مسؤول عنها الكازين وغيره من بروتينات اللبن.
إن مشكلة اللاكتوز ليس لها علاقة بالتفاعلات التي يوجهها نظام المناعة ويعالجها الجسم المضاد اميونوجلوبيولين-أي ولهذا فهي ليست حساسية، والحالة الشائعة الأخرى هي مشكلة الجلوتين في الحبوب وهي ليست حساسية وإنما عدم تحمله بسبب عدم القدرة على هضمه ، وكاستجابة أو رد فعل تنطلق في الجهاز المناعي تفاعلات أخرى لا يشترك فيها الجسم المضاد من نوع أي في عملية المعالجة وتسمى حاله عدم تحملية الجلوتين بمرض السؤولياك ، وهذه الحالة تختلف عن حساسية الدقيق من الحبوب المختلفة والتي تسببها مجموعة أخرى من البروتينات المعقدة التابعة لعائلة البرولامين ومنها الجلوتين نفسه(وهو خليط من ألفا وجاما جلايدين والجلوتنين)، وهي من أنواع الحساسية الجادة والتي تتطلب عناية فائقة وتجرى للمريض الذي يعاني منها عملية التعويد التدريجي المتبع في حالة أنافيلاكسس.
- هل هناك أغذية فقيرة وأخرى غنية بمسببات الحساسية؟
نعم تختلف الأغذية عن بعضها البعض بمحتواها من البروتينات المسببة للحساسية وتعتبر الحبوب ومنتجات الألبان، وخاصة الحليب والأسماك واللحوم والبقوليات والبندقيات من الأغذية ذات المحتوى المرتفع للألرجينات وتحتوي على أكثر من نوع واحد، أما الفواكه والخضروات فتعتبر الحساسية التي ترتبط بها من النوع الخفيف ونسبة حدوثها في المجتمع أقل.
وتتأثر كمية وعدد الألرجينات في المنتوج الواحد بعوامل أهمها الإجهاد (سترس) الذي تتعرض له النباتات والحيوانات التي هي مصدر الغذاء وهذا الإجهاد أما بيئي أبيوتك كالجفاف والحرارة والأملاح في مياه السقي والإشعاعات والمبيدات، أو بايولوجي بايوتك ناجم عن الأمراض المايكروبايولوجيه والفيروسات والحشرات وغيرها، وفي كلا الحالتين يتكون في النباتات أو الحيوانات بروتينات معقدة للدفاع ضد تلك العوامل وفي الغالب تكون هذه البروتينات استفزازية لنظام المناعة.
ونشير هنا إلى أن الأفراد المتحسسين للفواكه هم حساسون إلى الأشجار، وكذلك حبوب اللقاح التي تنتجها وكذلك يتعرض العاملون في قطف ونقل الفواكه والتعامل معها دون كفوف واقية ولمدة طويلة قد تحدث عندهم حساسية حتى في حالة عدم استهلاك تلك الفواكه ومنها الموز والخوخ والتفاح والسفرجل.
- هل يساعد طهي الطعام أو تصنيعه على تقليل الحساسية؟
التصنيع الحراري للفواكه والخضروات يؤدي إلى تحطيم تركيبة العديد من الألرجينات فيها وبالطبع ليس مع كل الفواكه والخضروات مثال طهي التفاح يحطم كليا الألرجينات المسؤولة عن الحساسية بينما يحتفظ الجزر والخوخ بالألرجينات حتى بعد التسخين على درجة 100 مئوي أو حتى التعليب مع الضغط.
كما توصل الباحثون في معهدنا إلى أن تعريض اللحوم إلى التصنيع بالضغط العالي دون تسخين وهي طريقة حديثة يؤدي إلى تقليل شدة الحساسية وينتج في اليابان الرز الخالي من بروتينات الحساسية بعد تعريضه للتصنيع بهذه الطريقة التي نعتبرها طريقة واعدة في الخلاص من مسببات الحساسية في العديد من المنتجات الغذائية.
ومن المثير للجدل هو زيادة شدة الحساسية في الأسماك واللحوم بعد طبخها، خاصة تعليبها مع استخدام الضغط بواسطة الأوتوكلاف.
وتهدف العديد من البحوث إلى إيجاد التصنيع والمعاملات المختلفة التي تؤدي إلى تحوير تركيبة الموقع الهام على سطح البروتين المسمى أبيتوب حتى لا يتعرف عليه النظام المناعي وهذه المهمة صعبه ومعقده بسبب عدم تكامل المعلومات عن تركيب الموقع الفعالة في البروتينات المسببة للحساسية وخواصها المختلفة، ولابد من دراسات خاصة بكل منتوج غذائي.
ومن الطرق الواعدة أيضا هو طرق التقنية الحيوية باستخدام الأنزيمات المحللة للبروتينات كما هو الحال في تخفيف شدة حساسية القمح والحبوب بوساطة تحلل البرولامين بأنزيمات متخصصة دون تغيرات كبيرة في خواص الدقيق، خاصة الطعم وعمل منتوجات مثل المعجنات والكيك والمفنز، والمشكلة هنا تكمن في صعوبة ايجاد أنزيم متخصص لكل منتوج، وهل إن الأنزيم قادر على مهاجمة وتغير تركيبة الموقع الفعال للألرجينات. وأخيرا فإن التحويرات الجينية وتقنيتها لابد وأن تلعب دورا في حل هذه المشكلة رغم المخاوف والتحذيرات منها.
- كيفية التعامل مع هذه الحالة عند الإصابة بها؟
في حالة الشك وظهور أعراض الحساسية أو عدم التحمليه يجب مراجعة الطبيب، خاصة في العيادات أو المراكز المتخصصة بذلك، وبعد إجراء الفحوصات والتشخيص يجب الابتعاد الكامل عن الغذاء المسبب واللجوء إلى الغذاء البديل، والبدء في الحمية الخاصة بالحساسية والتي يجب أن تستمر لحين زوال الحالة فبعض أنواع الحساسية تختفي بعد سنة أو سنتين من الحمية. وللأسف بعض الأنواع مثل الحساسية من الأسماك والفول السوداني تبقى مدى الحياة، ويحتاج المتحسس إلى غذاء معين إلى تدعيم غذائه اليومي بمواد أخرى لتعويض قيمة المكونات الغذائية التي يوفرها الغذاء ذو المشكلة.
وفي كل بلد من البلدان يجب إنتاج الأغذية الخالية من الألجينات مثل الخبز الخالي من الكلوتين والحليب الخالي من اللاكتوز، كما يجب التعريف بالمشكلة عن طريق وسائل الإعلام والعملية التعليمية في المدارس والجامعات، ويلعب التعاون داخل الأسرة دورا كبيرا في تخفيف المشكلة للفرد المصاب بالحساسية، خاصة الأطفال ومراعاته نفسيا لحين التغلب على المشكلة.
منقول