العريس المربوط يستغيث
ليلة الزفاف، يتشوق إليها العروسان، ويقبلان عليها بسعادة يشوبها الخوف وفرحة تمتزج بالتوتر، خوفًا مما قد يعكر صفو هذه الليلة.. أو بمعنى أدق: خوفًا من "الربط"!! وهو سبب يحول دون أن يباشر الزوج زوجته بلا سبب منطقي ملموس، ويتوقف تفسير ذلك السبب على ثقافة العروسين، ويرجعونه للسحر في الغالب.
وتأتي خطورة هذه المواقف لما ينطوي عليها من آثار نفسية مؤلمة، وما ينطوي عليها من سلوك خاطئ ينهجه العروسان في سبيلهما لتلمس الحلول. وينتشر مفهوم وثقافة "الربط" في العديد من البلدان العربية مثل مصر والسعودية وفلسطين.
وفي هذا التحقيق نرصد تجارب بعض من تعرضوا للربط في ليلة الزفاف، ورأي أساتذة الطب ورجال الدين في تفسير هذه الظاهرة، في محاولة للإجابة على تساؤل هام هو: هل الربط حقيقة أم هو وهْم ليلة الزفاف؟
[size=5]رحلة البحث [/size]
في ثقافة تختلط فيها الأوهام بالحقائق والخرافات بالعادات، يسقط العريس ضحية الجهل وجشع الدجالين وابتزاز السحرة والأفاقين، وتصبح ليلة الزفاف هي أسود ليالي العمر، إذ يكتشف الزوج فقدان رجولته، أو تكتشف الزوجة فقدان أنوثتها، وتبدأ رحلة البحث عن الأنوثة المسروقة والرجولة المفقودة.
محمد نصر الدين، شاب حديث الزواج يحكي قصته قائلا: خلوت بزوجتي ففوجئت أني عاجز جنسيًّا، واستمر هذا الحال عدة أيام وحالتي النفسية تسوء يومًا بعد يوم، وبعد أسبوع فاض بي الكيل، وبدأت أشك في وجود عيب فيَّ فاستشرت طبيبًا فطمأنني، فذهبت إلى دجال أخبرني أني "مربوط"، ثم كتب على بيضة مسلوقة كتابات غير مفهومة بحبر أشبه بلون الدم، وقرأ عليها تعاويذ، ثم طلب مني اقتسامها مع زوجتي، ولكن لم يحدث شيء.
وفي اليوم التالي جاء نفس الشيخ وبنفس القلم والحبر كتب في ورقتين وضعهما في ماء ساخن، وطلب مني الوقوف فيها، ولكن ظل الحال كما هو، فزاد القلق، وبدأ اليأس يتسرب إلى قلبي، وساءت حالتي، وتضاعفت الجهود للبحث عن أحد الشيوخ المشهود لهم بالقدرة على تسخير الجن وإبطال السحر، حتى وصلت إلى شيخ يعالج بالقرآن فقرأ في وجهي قرابة نصف ساعة، ثم أمرني أن أدير وجهي واستمرَّ في القراءة، ثم كتب على فخذي آيات من القرآن، وأيضًا على كف يدي اليمنى، وطلب مني ألا أصافح أحدًا حتى أجامع زوجتي، وأعطاني حجابين أمرني بوضعهما في حجرة النوم، وبعدها أصبحت أمارس حياتي بشكل طبيعي.
وعن حالته النفسية خلال هذه الفترة يقول: إنه أصعب موقف واجهته في حياتي، يشعر فيه الرجل بالإذلال، والإهانة، وينعكس ذلك في معاملته مع أهله وزوجته، فكثيرًا ما كنت أشرد ذهنيًّا محاولا البحث عن حلٍّ لمشكلتي أو تفسير منطقي لما يحدث، وكنت لا أطيق الحديث مع أحد، وكثيرًا ما انتابتني حالات هياج شديدة، وآثرت العزلة، وعدم الخروج من المنزل، وكان أشد ما يؤلمني هو إحساسي بزوجتي؛ فالزوجة تنتظر فض غشاء بكارتها حتى تثبت لأهلها حفاظها على شرفها.
أما جمال محمد فيقول: هناك بعض التقاليد الخاطئة في مجتمعاتنا وخاصة ليلة الزواج، إذ طلب مني الأهل الإسراع في الجماع حتى يطمئنوا، فشعرت أنني مجبر على ذلك، ومحاصر بأهلي المنتظرين في الخارج.. وفي ظل هذا الجو وجدت نفسي غير قادر على فعل أي شيء، وحاول الأهل إخفاء الموضوع حتى لا يشمت أحد فينا! وبحثًا لحل لهذه المشكلة ذهب أخي لشيخ، فأعطاهم عشبًا أخضر طلب منهم غليه، واقتسام شرابه مع الزوجة، وعادت الأمور لطبيعتها.
ويتكرر نفس الموقف مع حسام أحمد الذي يقول: "انتهت مراسم الزفاف وخلوت بزوجتي إلا أنني أحسست بأنني غير طبيعي، فبدأت رحلة البحث عن رجولتي المفقودة، وغالبًا ما نسلك طريق السحر والدجالين مضطرين لذلك في إطار جهل مجتمع وضغوط نفسية تربك العقل. وتستمر الرحلة شيخًا عقب شيخ، ولا جديد سوى مزيد من استنزاف الأموال والإرهاق النفسي، فندمت على الاستعانة بهم، وحافظت على الصلاة وتلاوة الأذكار فإذا بي في إحدى الليالي أعود إلى طبيعتي.
عوامل نفسية
يقول الدكتور أحمد عمر القراقصي، أستاذ طب وجراحة الذكورة والعقم بكلية الطب جامعة القاهرة: "العلم الحديث لا يقبل تأثير السحر والدجل على القدرة الجنسية للأزواج"، موضحًا أن مثل هذه الحالات في أغلب الأحوال يكون سببها إما عوامل نفسية وليس أمراضًا نفسية أو أسباب لدى الزوجة أو الزوج.
فقد يسمع العريس من بعض أصدقائه أن هناك أزواجًا لا ينجحون ليلة الزفاف بسبب الربط، فيدخل في دائرة الخوف من الفشل؛ مما يلقي بتأثيره عليه، ويجعل الأمر مثل الامتحان الصعب مما يزيد من القلق، وبذلك يضعف الانتصاب وتفشل المحاولة الأولى، وهو ما يوحي للعريس بأنه عاجز فيستسلم لذلك.
لذلك فنادرًا ما نجد أسبابًا حقيقية عند الشباب تؤدي إلى الضعف، مثل ارتفاع هرمون الحليب (برولاكتين)، أو نقص الهرمون الذكري (تستوستيرون).
وعن تفسيره لشفاء المربوطين على أيدي السحرة والمشعوذين يقول: إن العلاج يتم بالإيحاء النفسي. ويدلل على هذا أن بعض الأزواج يذهبون لدجال ما ولا يستطيع شفاءهم في حين أنه يشفي آخرين - كما يعتقدون - وهذا يرجع إلى قدرة كل ساحر على الإقناع والإيحاء بالشفاء وتوافق ذلك مع ميول الزوج وثقافته. فقد يكون هناك شخص متعلم لا يؤمن بهذه الأمور، ولكن نتيجة ضغوط نفسية أو بطلب الأهل يضطر للذهاب، فعندما يأتي إلى شخص يعالج بالبيضة والحجر لا يقنعه ذلك، وعندما يأتي إلى آخر يتلو القرآن يصادف ذلك هوى في نفسه ويتوافق مع ميوله الدينية فيشفى بالإيحاء. ومثل هذه الحالات عند إجراء اختبار القدرة على الانتصاب نجدها طبيعية تمامًا.
دور العروس
ويتفق معه د. عمر صالح فرواني، طبيب نفسي بغزة فيقول: الربط مسألة نفسية من الممكن علاجها بسهولة حتى لو كان الشيطان والجن وراءها، وإنما يكون فعل الجن والشيطان وسوسة وإيحاء، وليس الربط المادي كما يتبادر إلى ذهن البعض.
ويوضح دور العروس في هذه المشكلة قائلا: خوف العروس يؤدي إلى عدم تعاونها مع الزوج، وذلك للجهل وعدم توعية الأم لها، والتقصير في تبصير الفتاة بحقيقة الأمور، تاركين خيالها البريء لتصورات خاطئة أو ثرثرة من يزعمن الدراية.
وقد يكون الخوف شديدًا لدرجة أن الزوجة لا تسمح للزوج بالاقتراب منها، وتتقلص عضلاتها وتصرخ كلما اقترب منها، وهي حالة معروفة نتيجة الحساسية الزائدة المصاحبة بالألم والخوف، وهذا الفشل كافٍ لإحباط الرجل في المحاولات التالية، ولكن أثناء الفحص والنقاش يتعرف الطبيب على الحالة، ويبدأ بعلاج الزوجة أولا بدلا من الزوج. ويحتاج هذا إلى تفهم الأهل للحالة، وضرورة الصبر وترك الأمور لطبيعتها ووقتها.
كذلك هناك أسباب اجتماعية أبرزها بعض العادات المرتبطة بالاطلاع على دم البكارة والمباهاة به، وهو ما يضع تحديًا أمام الزوجين، ويمثل ضغطًا على أعصابهما، ورغم أن الأمر لو تُرك بشكل طبيعي وأخذ يومًا أو يومين حتى يألف الزوجان بعضهما، ويتعرفا بالتدريج على جسديهما فلا مشكلة، وبذا نترك المساحة والوقت -لمن يحتاجهما- كي يأنس الزوجان لبعضهم البعض.
[size=5]السحر ليس الحل [/size]
ويضيف الدكتور محمد بن عبد الله الصغير استشاري الطب النفسي بكلية الطب جامعة الملك سعود: يعاني كثير من الناس (من الجنسين) أنواعًا مختلفة من الاضطرابات المتنوعة التي لم يجدوا لها سببًا عضويًّا، وتكثر هذه الاضطرابات في الأيام الأولى عقب الزواج، وتبرز لدى أولئك الذي لديهم صفات الخجل، وعدم الجرأة، وضعف الثقة بالنفس، والميل للقلق والخوف والتوتر، ومن المعروف أنه إذا زاد التوتر النفسي والعصبي عن حده فإنه يؤدي إلى عطل مؤقت في وظائف الأعضاء الجنسية، ولأن هذا العطل مؤقت فإن الفحوصات الطبية تكون سلبية في الغالب.
وكثيرًا ما تسبب هذه الاضطرابات فشلا في العلاقة الزوجية، وهو ما يؤدي إلى الطلاق أو النزاع بين الزوجين، وكثير من هؤلاء يداخله توهم الإصابة بالسحر (الربط)، ويؤكد هذا حال كثير ممن يراجعون المعالجين بالرقية طلبًا لعلاج هذه المشكلات وأمثالها.
وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما يؤكد هؤلاء المعالجون تلك التوهمات ويرسخونها في أعماق المراجع (المريض) دون علم ولا بصيرة، وإنما استنادًا إلى تجارب شخصية قاصرة وقراءة نظرية في بعض المراجع التي تناقش موضوعات السحر والمس والعين، والتي يجهل مؤلفوها كثيرًا من الحقائق الطبية.
ويتفق الدكتور حسن شقير، أستاذ العقيدة والأخلاق بجامعة الأزهر، مع أساتذة الطب فينفي قدرة الساحر على أذى أحد أو ضرره، واصفًا إياهم بأنهم لصوص كفرة لا يملكون لنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ويستغلون جهل الناس وسذاجتهم، موضحًا أن المقصود بالتفرقة في قوله تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} ليس قدرتهم على التفرقة الفعلية، ولكن حدوثها عن طريق الإيهام النفسي، فيحاول الساحر عن طريق أعوانه أن ينشر بين الناس قدرته على التفرقة بين الزوجين. ولأنهم لا يفهمون الدين فهما صحيحًا يبث الخوف والرهبة في قلوبهم، فيصدقونه عن طريق تأثرهم نفسيًّا، في حين أن الذين يفهمون دينهم فهمًا صحيحًا لا يفلح كيد الساحر معهم، لذلك يأتي في نفس الآية: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}، فلا يستطيع الساحر أن يفرق بين زوجين -لم يرد الله لهما ذلك- باستدعائه الجن (شمهورش) لأنه ترك من يدبر الأمر، واتجه إلى عبد ضعيف كفر بالله.
هل من سبيل للعلاج؟
وعن علاج من يتوهمون الربط يقول د. القراقصي: "يجب تخفيف الضغط على الزوجين بنصحهم بعدم الاستعجال، والبعد عن طلب إتمام الجماع بسرعة. كذلك لا بد من إرشاد وثقافة جنسية حول العلاقة بين الزوجين في ليلة الزفاف، وفي أغلب الأحوال يتم حل هذه المشكلة دون الحاجة إلى استخدام أية أدوية إلا في حالات قليلة، إذ تكون الحاجة لإعطاء مضادات ضد القلق والتوتر، وهذا العلاج ليس بسبب ضعف في القدرة الجنسية، وإنما هو علاج للتشتت الذهني.
إذن لا داعي للقلق إذا واجهتك مشاكل في ليلة الزفاف، ولا تتعجل تفسير الأمور، ولا تُصغ للجهلاء حتى لا تسلك طريق السحرة والدجالين فتخسر الدنيا والدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أتي ساحرًا أو عرافًا فقد كفر بما أُنزل على محمد).
اسلام اون لاين