كسر المرأة .. (متجدد )
كتاب كسر المرأة ........... ( وكسرها طلاقها ) رواه مسلم .
تقديم الشيخ /سعد بن عبدالرحمن العويرضي القاضي بمحكمة الضمان والأنكحة بجدة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .فقد قـرأت هــذه الرسالة الطيبة لكاتبها الأخ / ..... ـ وفقه الله لكل خير ـ والتي تحدث فيها عن داهية من دواهي مجتمعنا والتي انتشرت بكثرة أزعجت وأقلقت الغيورين ؛ بل وحتى الدولة ، فأمرت بتشكيل لجان من وزارة العدل والشؤون الاجتماعية لبحث هذه الظاهرة المتفشية . فأسأل الله أن يجزي كاتبها خيرًا ويبارك في قلمه ، والله الموفق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . حرر في يوم الأحد 20/1/1427هـ .
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول الأمين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد : فإن الأسرة ـ الزوج والزوجة ـ هي اللبنة الرئيسة للمجتمع ، فمنها أُنجبت الرجال والنساء الذين يحملون على أكتافهم همّ الأمة ونهضتها ، وبناء المستقبل الزاهر لهم ولجيلهم القادم من بعدهم . فالزوجة هي : « سكن للزوج ، وحرث له ، وهي شريكة حياته ، وربة بيته ، وأم أولاده ومهوى فؤاده ، وموضع سره ونجواه ، وهي أهم ركن في الأسرة ، إذ هي المنجبة للأولاد ، وعنها يرثون كثيراً من المزايا والصفات ، وفي أحضانها تتكون عواطف الطفل ، وتتربى ملكاته ويتلقى لغته ، ويكتسب كثيراً من تقاليده وعاداته ، ويتعرف دينه ويتعود السلوك الاجتماعي » . فالزوجة ( الأم ) هي على أدق المعايير : ( صانعة الأجيال ) . ولله در شاعر النيل حافظ إبراهيم ـ رحمه الله ـ حينما قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
ويكفي لنعرف عظم منزلة الأم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدمها واستوصى بها أكثر من الأب ، كما في حديث أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بصحابتي ؟ ، وفي رواية : من أبر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : « أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ ، قال : ثم أبوك » .
وعن جاهمة أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسـول الله أردت أن أغزو ، وقد جئت استشيرك ؟ فقال : هل لك من أم ؟ قال : نعم ، قال : « فالــزمها ، فإن الجنة تحت رجليها » .
وأما الزوج ( الأب ) : هو رب البيت وسيده ، والقائم بشؤونه ، والمتكفل برزقه ، ولا شك أن وجود الأسرة ـ الزوج والزوجة والأولاد ـ بقاءٌ وصلاحٌ للمجتمع وتفكك الأسرة نذير شر للمجتمع إذ هو إيذان بالفساد والضياع ..
انظر ـ رعاك الله ـ إلى المجتمعات الغربية كيف هي رغم تطورها متفككة فاسدة غارقة في الشهوات والرذائل ! .
وفي بلادنا اليوم ـ مع الأسف ـ ارتفعت أرقام الطلاق إلى نسب مخيفة جداً ، نسأل الله أن يبقي الزوجات لأزواجهم ..
فهناك أمور تزيد وتقوي الحياة الزوجية ترابطاً وتماسكاً ، وهناك أمور مهمة يغفل الزوجان أو أحدهما عنها تجعل بقاء عش الحياة الزوجية ـ رغم طوله ووجود الأبناء كذلك ـ محالاً .
فما الأسباب التي تؤدي حتماً إلى كسر المرأة : ( الطلاق ) ؟ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم :
« استوصوا بالنساء خيراً ؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً » متفق عليه واللفظ للبخاري .
ولمسلم : « فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تُقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها » .
ومعنى الحديث : « أي إن أردت تسوية اعوجاجها أدى إلى فراقها ، فهـو ضرب مثل الطلاق » ، « وفي الحديث رمز إلى أن التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه ولا يترك فيستمر أعوج فالمبالغة ممنوعة وتركها على العوج ممنوع وخير الأمور أوسطها » .
إن الطلاق أمره عظيم ويكفي أن نعلم أنه « كلمة من الكلمات تنقل صاحبها من سعادة وهناء إلى محنة وشقاء ! . يستغرب لو قيل له : إن كلمة من الكلمات تحرك أفراداً وجماعات وتنشئ تزلفاً وشفاعات ! .
إنها كلمة أبكت عيوناً ، وأجهشت قلوباً ، وروَّعت أفئدة ، إنها كلمة صغيرة الحجم ، لكنها جليلة الخطب ، إنها كلمة ترعد ؛ تقلب الفرح ترحاً والبسمة غصَّة ، إنها كلمة الطلاق ! وما أدراك ما الطلاق ؟! كلمة الوداع والفراق ، والنزاع والشقاق . كلمة الضياع والألم الذي لا يطاق . فلله كـم هـدمـت من بيـوت المسـلمـين ؟ ، وكم قطــعت من أواصر للأرحام والمحبين ؟ ، وكم فرقت من شمل بنات وبنين ؟ . يا لها من ساعة رهيبة ولحظة أسيفة حزينة ، يوم سمعت المرأة طلاقها ، فكفكفت دموعها وودعت زوجها . يا لها من لحظة تجفّ فيها المآقي حين وقفت المرأة على باب بيتها ، لتلقي آخر النظرات ، نظرات الوداع على باب بيت مليء بالأيام والذكريات ، فيا لها من لحظة عصيبة مؤلمة حين تقتلع السعادة أطنابها من رحاب ذلك البيت المسلم المبارك . إنه لا أمضَّ على القلب ، ولا أقضَّ للمضجع من أن ترجع المرأة إلى بيت أهلها وهي تحمل لقب « مطلقة » فتتقاذفها الألسن بالنِّقم ، والأعين بالتهم ، ويلفظها المجتمع الجائر كالزبد على سطح البحر ، لتغدو صريعة الأوهام ، قتيلة الأحلام ، فريسة للئام . الطلاق كلمة ترتعد منها الفرائص ، وتقشعر عند سماعها الأبدان ، تلكم القنبلة الموقوتة ، والعبــوَّة الناسفة المفجـــرة للبناء الأسـري ، المـزلزلة لكيانه ، المقوِّضة لأركانه وأطـرافه ، الطلاق رصاصة طائشـة قاتلـة ، ونادراً ما تكون صائبــة ، تنطلق في لحظة غضب عارمة ، وكثيـراً مـا يقع لأسباب تافهــة ، فإذا النفـوس بعـد نادمة والأعين دامعة » .
الأسباب المؤدية إلى الطلاق : هناك أسباب رئيسة ترجع إليها كل مشاكل الطلاق ولا تنفك عنها ، وهناك أسباب فرعية ـ وهي كثيرة جداً ـ تندرج وتدخل ضمن الأسباب الرئيسة .
وسأحاول ـ قدر الإمكان ـ إلقاء الضوء باختصار على كلا النوعين ، سائلاً الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد فأقول : الأسباب الرئيسة المؤدية إلى الطلاق
الأسباب الرئيسة المؤدية إلى الطلاق مردها إلى أمرين اثنين :
1ـ سوء اختيار الزوج أو الزوجة : يعدُ الزواج ـ بحق ـ مشروع العمر ذلك لأن فيه اقتران شخصين ـ لم يعرفا بعضهما البعض من قبل ـ ليعيشا معاً تحت سقف واحد ، حينئذ ينبغي لمن أراد التزوج أن يبحث عن أحسن الصفات الفاضلة التي ينبغي أن تتصف بها قرينة حياته .. . لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم المواصفات التي تنبغي أن تكون في الزوجة .. فعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « تُنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك » ، وفي حديث أبي سعيد الخدري : « وخلقها » بدل الحسب . وقال : « فعليك بذات الدين والخُلُق تربت يمينك » . وقال صلى الله عليه وسلم : « خيـر النساء التي تسره إذا نظــر ، وتطيعـه إذا أمر ، ولا تخالفه في في نفسها ولا مالها بما يكره » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « خير النساء من تسرك إذا أبصرت ، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك » . « نُلاحظ بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أربع صفات أو أخلاق تُشكِّلُ في مجموعها مفهوم صلاح الزوجة ، ليس بينها كثرة صلاة أو صيام أو حج وعمرة أو ذكر الله تعالى . بل إن الصفات أو الأخلاق الأربعة مرتبطة جميعها بإرضاء الزوج وحده ، من طاعة له ، وتجمل لنظره ، وحفظ لماله وزوجته . أي أن المرأة التي تصلي وتقوم الليل حتى تتورم قدماها ، وتصوم حتى لا تكاد تفطر ، ولا يكل لسانها من تسبيح الله تعالى ، ليست زوجة صالحة إن كانت تعصي زوجها ، وتظهر أمامه في صورة ينفر منها ، وإن لم تبر بقسمه ، وإن لم تحفظ نفسها في غيبته وأنفقت من ماله من غير إذنه .وهذا المفهوم لصلاح المرأة يؤكده ما خُلقت المرأة من أجله وهو أن تكون سكناً للرجل ، بكل ما تحمله كلمة ( سكن ) من دلالات ومعان وأبعاد : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها ) [ الروم : 21 ] وحتى يكون السكن صالحاً لابد من أن تتوفر فيه صفات أهمها أن يرى فيه صاحبه ما يسره ، وأن يقدر على أن يحفظ فيه أهله وماله ، وأن لا يقيم فيه معه من يخالفه وينازعه . وهذه هي الصفات نفسها التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة الصالحة » .
فالرجل ينبغي له أن يبحث ـ ولا يستعجل ـ ..
أولاً : عن المرأة الصالحــة التي تخشى الله وتعظم أمره ، لأن التي تعرف حق ربها تعرف عظم حق زوجها عليها .
ثانياً : أن تكون ذات خلق عظيم ، لأن صاحبة الخلق تعرف كيف تعاشر زوجها بالمعروف . ومع الأسف الشديد قد تجد نساءً صالحات لكنهن سيئات الأخلاق لا تحسن معاملة والديها فضلاً عن زوجها ، وربما تكون مغرورة لأنها جميلة والخُطّاب يقفون على الأبواب يريدونها وهي تردُّهم ! .