الرضاعة الطبيعية بين الأحكام الشرعية والفوائد الطبية - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الفتاوى الشرعية الفتاوى الشرعية والدينية وخاصة فتاوى الأسرة والمجتمع

موضوع مغلق
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 06-03-2007, 01:00 PM
  #1
أم اثير
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية أم اثير
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 6,398
أم اثير غير متصل  
الرضاعة الطبيعية بين الأحكام الشرعية والفوائد الطبية

الرضاعة الطبيعية بين الأحكام الشرعية والفوائد الطبية*
الطبية*

أ.د.محمد الحبال**







ثبت عليما وطبيا أن الرضاعة الطبيعية ذات أهمية بالغة وفائدة كبيرة لصحة الطفل والأم المرضع على حد سواء "بدنيا ونفسيا ووقائيا" ولم تظهر الأبحاث العلمية الحديثة هذه الحقيقة إلا منذ عهد قريب.

فمنذ نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، حتى منتصف السبعينيات منه كان يعتقد أن حليب الأبقار أفضل من حليب الأم، وكانت تتم تغذية الأغلبية العظمى من الأطفال حديثي الولادة في البلاد الغربية والولايات المتحدة الأمريكية عن طريق هذا الحليب البديل.

وأخذت هذه العدوى وهذا الاعتقاد الخاطئ ينتقل إلى البلدان النامية (دول العالم الثالث) في الوقت الذي بدأت الدول الغربية الأوروبية الأمريكية تتخلى عنه، حيث بدأ التشجيع للأمهات بأن يرضعن أطفالهن ويتخلين عن الرضاعة الصناعية كلما أمكن ذلك ولمدة لا تقل عن ستة أشهر، وكلما كانت مدة الرضاعة الطبيعية تصل إلى العامين يكون أفضل، علما بأن هذه النتيجة قد ذكرها القرآن الكريم منذ أكثر من 14 قرنا كما سنبينه لاحقا.

وسنذكر أدناه مختصرا أهم ما ورد في الشريعة الإسلامية بخصوص الرضاعة الطبيعية ونتبع ذلك بأهم فوائد حليب الأم breast feeding مقارنة باستعمال حليب البقر cow milk أو الرضاعة الصناعية bottle feeding كبديل عن الرضاعة الطبيعية من الناحية الطبية.

الرضاعة في القرآن والسنة

تكررت كلمة الرضاعة ومشتقاتها في القرآن الكريم أربع عشرة مرة في سبع سور وثمان آيات كريمات، ذكر الله فيها موضوع الرضاع وأحكامه، وفي ذلك دليل قاطع على أهمية الرضاعة الطبيعية، والحكمة الإلهية فيها، ومن هذه الآيات الكريمة قوله تعالى:

1- (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) البقرة /233

2- (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) – الأحقاف /15.

3- (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إليّ المصير) – لقمان /14.

4- (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) – القصص /7.

كذلك فإن هناك عددا لا بأس به من الأحاديث النبوية الشريفة تفصل أحكام الرضاعة وفضلها منها:

1- قوله (صلى الله عليه وسلم): "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" – [رواه الشيخان].

2- عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام" – [صحيح الترمذي/1072].

3- وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: "لا رضاعة إلا ما شد العظم وأنبت اللحم" – سنن أبي داود /1763].

4- وقال (صلى الله عليه وسلم) في الرضاعة الطبيعية: "وجعل الله تعالي رزقه (أي الطفل) من ثدي أمه في أحدهما شرابه وفي الآخر طعامه" – [الوسائل ج/15، ص /176 ].

الفقهاء والرضاع

أ-حكم إرضاع الوليد:





اتفق الفقهاء على وجوب إرضاع الطفل ما دام في حاجة إليه في سن الرضاع لكنهم اختلفوا فيمن يجب عليه على ما يأتي:

1- ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأب يجب عليه استرضاع ولده ولا يجب على الأم وليس للزوج أن يجبرها عليه سواء أكانت دنيئة أم شريفة اللهم إلا إذا لم يجد الأب من ترضع له غيرها أو لم يقبل هو ثدي غيرها، فعند ذاك يجب على الأم الإرضاع.

2- ذهب المالكية إلى أن الرضاع يجب على الأم بلا أجرة إن كانت ممن يرضع مثلها، أما الشريفة التي لا يرضع مثلها فلا يجب عليها الرضاع إلا إذا تعينت الأم لذلك بأن لم يجد غيرها.

ب – حق الأم في الرضاع.

ومن حق الأم إن رغبت في إرضاع ولدها أن تجاب إلى ذلك فلا يجوز لأحد منعها من الرضاع سواء أكانت مطلقة أم غير مطلقة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مستدلين بقوله تعالي: (لا تضار والدة بولدها) – البقرة /233، ذلك أن الأم أكثر حنانا وشفقة على وليدها من غيرها ولبنها أنسب له في الأغلب.

ج- مدة الرضاعة:

قال تعالي: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) – البقرة /233 قال جمهور المفسرين: إن هذين الحولين لكل ولد، وروي عن ابن عباس (رضي الله عنهما ) أنه قال: هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر فإن مكث سبعة أشهر فرضاعته ثلاثة وعشرون شهرا، فإن مكث ثمانية أشهر فرضاعته اثنان وعشرون شهرا فإن مكث تسعة أشهر فالرضاعة إحدى وعشرون شهرا لقوله تعالي: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) – الأحقاف/15. وعلى هذا تتداخل مدة الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الآخر – [القرطبي ج3 ص 108 ].

د- حق الأم في أجرة الرضاع:

ومن حق الأم أن تطلب أجرة المثل بالإرضاع سواء أكانت في عصمة الزوج أم لا والدليل قوله تعالي: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) – الطلاق/6. وإلى ذلك ذهب الشافعية والحنابلة.

أما الحنفية فقالوا: إن كانت في عصمة الزوج أو في عدته فليس لها طلب الأجرة في ذلك إذ إن الله أوجب عليها الرضاع ديانة مقيدا بإيجاب رزق على الأب قال تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) –البقرة/233. وما دامت المرأة في عصمته أو في عدته فهو قائم بذلك بخلاف ما لم تكن في عصمته ولا في عدته فإن الأجرة تقوم مقام الرزق.

ولكن الأم إذا طلبت أكثر من أجرة المثل ووجد الأب من ترضع له مجانا أو بأجرة المثل جاز له أن ينتزعه منها لأنها أسقطت حقها بطلبها ما ليس لها. فدخلت في عموم قوله تعالى: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) –الطلاق/6.

أما المالكية فقد قرروا أن الأم إن كانت ممن يرضع مثلها وكانت في عصمة الأب فليس لها طلب الأجرة بالإرضاع، لأن الشرع أوجبه عليها فلا تستحق على الواجب أجرة. أما الشريفة التي لا يرضع مثلها والمطلقة من الأب فلها طلب الأجرة وإن تعذرت للرضاع أو وجد من ترضع له مجانا.

التحريم بالرضاع

قال عز وجل (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) – النساء / 23. وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" –[رواه مسلم من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ].

وعن زمنها ومقدارها فقد روي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تحرم المصة والمصتان" -رواه البخاري ومسلم، وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام" –[رواه الترمذي وصححه، وكذلك صححه الألباني في "إرواء العليل" (ج/2ص/221).

وعبارة (فتق الأمعاء) كناية عن مقدار الحليب (اللبن) فإنه من المقدار بحيث ينتشر أو يملأ الأمعاء الفارغة للرضيع المعتمد على الرضاعة، ومنه الفتاق وهو الخميرة لأنه ينفخ العجين ويفتقه.

وأما عبارة "كان قبل الفطام" فقد اختلف الفقهاء في حكمها فمذهب كثير من السلف يقتضي تفسير العبارة بوقت الفطام الأبعد وهو حولان فكل مقدار محرم من الرضاع في الحولين يؤدي عندهم للتحريم، سواء فطم الطفل خلال الحولين أم لم يفطم، وذهب عدد من كبار السلف إلى انتهاء التحريم بحقيقة الفطام كما هو ظاهر الحديث فإن فطم الطفل بعد سنة واحدة مثلا ثم أرضعته امرأة في الحولين ولكن بعد زمن من فطامه لم يكن لهذا الرضاع بعد الفطام تأثير في التحريم (زاد المعاد لابن القيم ج/5 ص /577).

الحكمة من التحريم

يلاحظ من الآية السابقة أن الله تعالى قال: (وأخواتكم من الرضاعة) ولم يقل (في الرضاعة) فلو قيل (في الرضاعة) لتبادر إلى الذهن أنهم اشتركوا في مجرد الرضاعة وأما قوله تعالى: (من الرضاعة) فيحتمل أنهم اشتركوا في أمر آخر بسبب الرضاعة وهذا كقولك: هؤلاء إخوة في الصلاح من عهد الشباب فلو حذفت عبارة "في الصلاح" فإنه لا يعني أنهم مجرد إخوة في الشباب ولكنهم إخوة في صفة منذ عهد الشباب.

فكذلك القول في الآية الكريمة فإن الرضاعة منشأ الأخوة في صفة أو مصدرها أو مبدؤها فلو قال قائل مثلا إنهم صاروا إخوة في بعض الصفات الوراثية أو المناعية أو النفسية أو غيرها التي أحدثتها الرضاعة لكان قولا محتملا وليس في الآية ما يمنع منه، وكذلك فإن لفظ الأخ يدل على الاشتراك في صفة أو أمر.

إن هذه النصوص الشرعية تفتح مجالا واسعا لبحوث طبية تطبيقية جديدة في غاية الأهمية والفائدة باستعمال الرضاعة الطبيعية من غير الأم خلال فترة الرضاعة وقد أباح الله ذلك لقوله تعالى: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) – البقرة /233. وقوله تعالي: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) – الطلاق /6.

ونستنتج أن الحكمة من التحريم بالرضاعة قد تكون بسبب أن لها تأثيرا مشابها في انتقال الصفات الوراثية كما هو الحال في انتقالها عن طريق صلة النسب ولذلك ورد النهي عن الزواج من المحارم التي ذكرتها الآية الكريمة لاحتمال انتقال الأمراض الوراثية بنسب كبيرة في حالة حصول ذلك فضلا عن أن الفطرة البشرية تنفر من هذا الأمر.

ومن الممكن توظيف هذه المعلومة القرآنية علاجيا في الطب الحديث في معالجة الأمراض الوراثية عند تشخيصها بعد الولادة مباشرة، أو في الحياة الجنينية للطفل أثناء الرعاية الطبية للأم الحامل، بأن نعمد إلى إرضاع الطفل المصاب من مرضعة غريبة عنه ولكنها سليمة وصحيحة بدلا من أمه أو إحدى قريباتها اللاتي قد يكن حاملات للعوامل الوراثية المرَضية وهذا تطبيق لقوله عز وجل: (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) – "الطلاق" /6.

وقد جاء في تفسير القرطبي/ الجامع لأحكام القرآن 18/169 في قوله تعالى: (وإن تعاسرتم) أي بمعنى (وإن تضايقتم وتشاكستم فليسترضع لولده غيرها، وهو خبر في معنى الأمر). أي لترضع والتعاسر هنا (ولو أنه ورد في موضوع الطلاق) ولكن كما يقول الفقهاء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وهذه إشارة طبية دقيقة من كتاب الله تعالى تدفعنا للبحث والتقصي والتوصل إلى الطرق العملية الفطرية السليمة لعلاج الأمراض الوراثية بدلا من الطرق المعقدة باهظة الثمن غير مأمونة النتائج.

الرضاعة الطبيعية في العلوم الطبية

لقد أثبت العلم الحديث فوائد جمة للرضاعة الطبيعية، ذلك لأن حليب الأم محفوظ بصورة طبيعية وبدرجة حرارة الجسم نفسها، وخال من الجراثيم الممرضة (معقم وغير ملوث) وجاهز للإعطاء في أي وقت يحتاج إليه الطفل الرضيع.

كذلك فإنه يحتوي على جميع المواد الغذائية الأساسية المطلوبة لنمو الطفل وبصورة متناسبة حسب عمره ووزنه ومقدرته على الهضم والامتصاص، وهو يتغير يوميا بل بالساعات حسب متطلباته.. والأمثلة بهذا الخصوص متعددة يعلمها أهل الاختصاص.

وبالنسبة للأم فإن الرضاعة الطبيعية تمثل لها حصنا من مجموعة كبيرة من الأمراض، وتجعل أجهزتها أكثر قدرة على استعادة وضعها على ما كان عليه قبل الحمل والولادة.

وخلاصة القول ونظرا إلى الأهمية القصوى للرضاعة الطبيعية من الناحيتين الشرعية والطبية، فإننا يجب أن ننظر إلى الرضاعة الصناعية كحالة استثنائية تلجأ إليها الأم في ظروف محددة فقط وباستشارة المختصين كما يلجأ المريض إلى تناول الدواء في حالة مرضه.

(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) "الإسراء/9".


--------------------------------------------------------------------------------

**طبيب استشاري وباحث في الإعجاز العلمي والطبي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة (الموصل- العراق)
* نقلا عن مجلة منار الإسلام (بتصرف)
__________________
موضوع مغلق

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:06 AM.


images