بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الطرف الأغر
سُئل أحد الملوك: أي عبيدك أكثرهم حبّاً لك من غير مجاملة؟ فقال الملك للسائل: أمهلني بالإجابة؟ فخرج الملك يوماً للصيد ومعه السائل ومعه الحاشية والعبيد، فبينما هم جلوس، إذا حانت لفتة من الملك تجاه جبل من الثلج ثم نكس رأسه، وتابع حديثه مع الجلوس، فإذا بأحد العبيد قد وضع بين يدي الملك قِدراً كبيراً مملوءاً بالثلج فسأله الملك لماذا فعلت هذا؟ فأجاب العبد: رأيتك تلتفت إليه، فعلمت أنه يجول في خاطرك فسارعت إليه. فالتفت الملك إلى السائل فقال له: هذا أخلصهم لي، خيالي لا يفارق طَرْفه وعينه.
فتصعيد النظر -أي الطرف- المشبع بالحنان والصفاء وحسن العشرة -يسمى بالطَّرْف الأغر- تصعيده إلى الحبيب من الجانب من غير مواجهة يشعره بصدق المحبة وإخلاص المودة إذ قلبك وعينك لا يفارقانه، والعين بريد القلب، وخادم مطواع له.
كان النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر يصلي تجاه بيت المقدس، ولكنه كان كثيراً ما يلتفلت وينظر في السماء لعل الله تعالى يغير القبلة، ولم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى تحويل القبلة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم في عين الله تعالى يتتبع حركاته وتصرفاته ويعلم ما يجول في خاطره، فاستجاب له تعالى استجابة سريعة فقال سبحانه {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} (البقرة:144).
فلو أن الزوجة سارعت إلى طهي نوع معين من الطعام إذا شعرت بأن الزوج قد أعجبه هذا النوع عند زيارتهما لمطعم أو عندما كانا ضيفين على وجبة طعام، أو سارعت إلى شراء رائحة معينة أعجبت زوجها وجد رائحتها من أخيها فقدمتها هدية له دون أن يتكلم أو يطلب. وإنما أبدى إعجابه ولو بنظرة أو تصرف صدر منه.
إن الطرف الأغر يقرب بين القلبين ويؤدي إلى التصاقهما.
يتحدث شاب عن حاله مع صاحبه فيقول: أشعر أنه يتفقدني دون سؤال وذلك فقط بتلفته بحثاً عني، الذي يتوقف عندما يراني، فأشعر بوقع ذلك على نفسي، وأحياناً يعلم بوجودي في المجلس ومع ذلك يتلفت ليتأكد هل ما زلت موجوداً، فيزداد قلبي قرباً منه.
ويقول أحدهم: أحياناً أشعر بشوق إلى أخي في الله تعالى فأنظر إليه بِطَرْفٍ أغر فيشعر بي فيلتفت إلي وهو يبتسم يود لو أخذني وضمني إليه، كقول القائل:
ومن عجـــب أن أحــــن إليهــــــــم
وأسأل عنهم من لقيت وهم معـــــي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
لذلك عيون الحور العين ونظراتهن لا تفارق أزواجهن في الجنة، بل نظرهن منصب على الأزواج في كل حين {فيهن قاصرات الطرف} وقال سبحانه {حور مقصورات في الخيام} قد قصرن طرفهن على أزواجهن.
كيف وقع هذه النظرة على الزوجة لو قام بها الزوج تجاهها في جلسة عائلية أو في مجلس ضمهما، فأخذ ينظر إليها بِطَرْفٍ أغر، فإذا التفتت إليه تبسم.
إن نظرة الطرف من المحب إلى الحبيب تمنحه شعوراً بالثقة وأنه ذو مكانة من المحب، ولها أثر كبير في مواساته، إذ تكشف غمومه، وتخفف آلامه، وتنسيه أحزانه، وتنفس عنه كربته.
عندما لم يستجب أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم أصابه الهم وكاد يقتل نفسه {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين}، فأخبره سبحانه أن هذا الأمر واقع ولابد فقال تعالى: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم}، كاد يقتل نفسه صلى الله عليه وسلم خوفاً عليهم وربما من أجل التساؤلات المطروحة: هل عدم الإستجابة دليل على عدم رضا الله عني؟ ثم خاطبه الله تعالى بعد الآيات السابقة: {فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين} خطاب شديد اللهجة له صلى الله عليه وسلم هل سأكون من المعذبين؟!
كان وقعة عظيماً على قلبه الرحيم صلى الله عليه وسلم ثم قال سبحانه {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون} فكانت هذه ثالثة الأثافي: أن أتباعه ربما يعصونه. تساؤلات تتوارد على الذهن: هل ربي تبارك وتعالى غير راضٍ عني؟ هل هجرني؟ هل قلاني؟ فقال سبحانه إجابة لهذه التساؤلات {وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم} فأنت أنت يارسول الله.
فمن حبه لك سبحانه أنك لا تفارق عينه في كل حركاتك، فكانت إعلاماً له ومواساة كالذي يراك من طرف فتشعر بالارتياح فهو يراك رؤية حب وحفظ ورحمة وإدلال، ثم أكد سبحانه ذلك بقوله {وتقلبك في الساجدين} أي يرى من يقلب لسانه من الساجدين بالصلاة عليك، ومن يذكرك منهم بخير.
فليسارع أحد الزوجين إلى هذه النظرة إذا ما أتى الآخر مشتكياً من معاملة بعض الأصدقاء أو من معه في العمل فإن لها أثراً في القلب.
إن الطَّرْف الأغر الحاني يخفف من الآلام التي أحاطت بالحبيب المهجور، ويقضي على شعوره بأن المحب قد هجره هجراناً حقيقياً أو قلاه، فإنه وإن كانت هناك دلائل وعلامات ظاهرة بأن الهجر قد وقع، فإن هذه النظرة تؤكد أن الهجر ما هو إلا عرض ظاهر وقع لأمر طارئ ينبغي إصلاحه وليس له وجود حقيقي.
لما تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم معترفاً بذنبه والله يا رسول الله ما كان لي من عذر فقال صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك. فهجره النبي صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين بذلك، انتظاراً لحكم الله تعالى فيه، قال كعب: فتغير الناس علينا، حتى تنكرت لي الأرض التي ولدت فيها، فما هي بالأرض التي أعرف، فكنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في المسجد فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني» (رواه مسلم).
فكان كعب إذا واجه النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه إنتظاراً لحكم الله تعالى وإلا فإنك يا كعب ذو منزلة رفيعة في قلبي.
إذا ما انتقد الزوج طهي الزوجة أو أبدى بعض الملاحظات على طريقة الترتيب في البيت فليتبعها بهذه النظرة ليخفف من وقع الملاحظات على القلب وسيلاقي النجاح إذا لم يصدر من الزوجة بعدها ما يغيظ الزوج، بينما الإعراض عن إستعمال الطَّرْف الأغر تشعر الآخر بالإهمال واللامبالاة.
تتحدث إحدى الزوجات عن حالها مع زوجها عند حدوث الخصومة بينهما تقول: عندما يدخل المنزل أتحين منه نظرة ولو من طرف عينه تجاهي، فلا ألحظ ذلك، بل وكأني غير موجودة، فيزداد غيظي وتزداد حرقتي، فإذا التفت إلي أشعر بإنه ما زال يحبني.
__________________
عبـــد الرحمـــــــن
الله لايحرمني منك يا عسى عمرك طويل ياللي كلّ الناس عندي ما يساويهاا غلاتك
((دنيا القوي فيها حكم خان المبادئ والقيم لو يدري أن الله وراه مايووووم في عمرهـ ظلم))