الحمد لله مقلب القلوب والأبصار، أحمده سبحانه، واسأله الإستقامة والإدكار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه تسليماً كثيراً.
أما بعد؛
فيقول صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهو القلب"1.
يحثنا صلى الله عليه وآله وسلم على حفظ قلوبنا وحمايتها ووقايتها من الأخطار.
ومن ينظر إلى حال الناس اليوم، يرى غفلتهم عن قلوبهم من اهتمام بالأشكال والمظاهر، وإهمال للأعمال والسرائر، حتى أُصيب بعضهم بموت القلب، وفقدان الإحساس، وعدم الشعور بالذنب، فأصبحت القلوب كالحجارة أو أشد قسوة. لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً. لا تتأثر بموعظة مهما كانت. لا تستجيب لنداء الإسلام ولا تستفزّها نذره.
ولا غرّ أيها المسلمون، فأنتم اليوم تشاهدون آيات الله التي لو اُنزلت على جبل، لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، تشاهدونها تُتلى فلا تُحَرّك قلوباً، ولا تسيل دموعاً، ولا تنهى عن غيّّ إلا من شاء الله.
تشاهدون يد المنون تخطف أرواح الملأ في كل آونة من بين ظهرانينا بدون اشعار أو سابق إنذار، إذ يُصبح أحدنا في أبهى حُلة، وأروع منظر، ويمسي بين أطباق الثرى قد حيل ما بينه وبين كل شيء.
تشاهدون تداعي أمم الشر على الإسلام من كل حدب وصوب، وغزوهم للعقائد والأخلاق والأحكام، وغير ذلك من ألوان الفتن التي هي كقطع الليل المظلم، ومع ذلك كأن تلكم المشاهدات أمامنا سراب لا حقيقة له، أو أضغاث أحلام لا يُتوقع لها تأويل، ولا يُفكر في خطرها أو شرورها، وسرّ ذلكم كله: مرض القلوب المزمن، وعدم شعورها وتطلعها بمسؤوليتها وواجبها أمام الله، وأمنها لمكرالله: {
فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الاعراف: 99].
أيها المسلمون،
هل قرأتم في كتاب الله قوله تعالى: {
وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النحل: 112]؟
عباد الله!
لماذا نأمن مكر الله؟ لماذا لا نتهم أنفسنا؟ فربما كنا أهل تلك القرية! نعوذ بالله من غضبه وعقابه.
يتحدث بعضنا لبعض عن فساد الزمان، ونهلك لبعضنا عن كثرة المنكرات وشيوع الفساد بين الناس. ما جلست مجلساً، ولا قابلت أخاً إلا ويطلق الزفرات والحسرات على أحوال الناس وحرصهم على الدنيا.
ما جلس اثنان، ولا تناجى محبان، إلا وشكيا انتشارالحسد بين الناس. يجلسون في المنتديات ويتحدثون في المجالس والإستراحات عن انتشار الغيبة والنميمة، وبذاءة اللسان، وضعف الإيمان.
يتكلمون عن الغش في البيع والشراء، يتحدثون عن وسائل الفساد وخرابها للبيوت.
تأمّلت هذه الحال. قلت في نفسي: عمّن يتحدّث الناس؟ وهل يوجد أناس غيرهم في هذا الزمن؟ نتحدث عن الناس ونحن الناس، ونعيب الزمان ونحن أهل الزمان.
نعيب زماننا والعيب فينا === وما لزماننا عيب سوانا
الكل يشكو من أحوال الناس، ولكن مَن مِن الناس شكا حال نفسه؟ نعم. مَن مِن الناس شكا حال نفسه؟ من منّا نظر إلى نفسه وإلى عيوبها؟ من منا حاسب نفسه ونظر إلى تقصيره؟ إن أول العلاج لأحوال الناس أن نبدأ بإصلاح أنفسنا. اتهام النفس أولاً؛ شعار يجب أن يرفعه كل مسلم يحب الصلاح والإصلاح:
- انظر لنفسك والصلاة والتأخر عنها، والتهاون فيها، والقيام بها بدون خشوع أو خضوع.
- انظر لنفسك وأداء الأمانة في العمل الوظيفي، ومراقبة الله فيه، وخدمة الخلق، ومساعدتهم؛ فأفضل الناس ما بين الورى رجل تُقضى على يده للناس حاجات.
- انظر لنفسك وأكل الحلال والبعد عن المحرمات والشبهات.
- راقب لسانك وهو يتحدث عن الآخرين ويسرب في أعرض العباد.
- انظر لقلبك وما يحمله من أمراض كالحسد والحقد والبغض. وقد لا تشعر لأنك لم تحاسب نفسك أو تقف معها.
- انظر لنفسك وحب الظهور والغرور والتعالي على الخلق.
- انظر لبيتك وما فيه من وسائل فساد، وأنت ربما تتحدث عن الفساد بين الناس ونسيت أنك أول من شجّع الفساد وواسى إليه.
- انظر إهمالك لأولادك، ونسائك، وأنت تتحدث عن ضياع أولاد المسلمين وإهمال النساء وترك الحبل على الغارب لهن.
لماذا نبرّئ أنفسنا ونلقي باللائمة على الآخرين؟
لماذا نحن الصالحون وغيرنا من الفاسدين؟
لماذا ننظر لعيوب الناس وننسى أو نتناسى عيوبنا؟
أرى كل إنسان يرى عيب غيره === ويعمى عن الغيب الذي هو فيه
وما خيّرٌ من تخفى عليه عيوبه === ويبدو له العيب الذي بأخيه
وكيف أرى عيباً وعيبي ظاهر === وما يعرف السوءات غير سفيه
الكثير منا يُزَكـِّي نفسه والله عز وجل يقول: {
فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}[النجم: 32].
كلهم يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تجر لهم بذاك
أخي الحبيب! الله أعلم بحالنا، ويعلم حقيقة أمرنا.
لماذا نراقب الناس ولا نراقب الله؟
لماذا نخاف من الناس ولا نخاف من الله؟
لماذا تتزين أنفسنا للناس ولا تتزين لله وهو الذي يعلم ظاهرها وباطنها، ودقّها وجلّها؟{
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل: 74]. هو الذي يعلم السر وأخفى: {
وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة: 74]. أين تقدير النفوس لله؟ {
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الانعام: 94]
أين تعظيم القلوب لله؟ وهو العليّ العظيم.
عباد الله! ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً؟
تـَعرَّف إلى الله في الرخاء ويعرفك في الشدة. إن الفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قلّ خوفه واستهان بالمعصية. ومن كان بالله أعرف، كان لله أخوف.
أعتذر إليكم أيها الأحبة، فقد أثقلت عليكم، ولكنها كلمات محب، وزفرات مذنب:
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبُ === فمن يعظ العاصين بعد محمد؟
فنحن مذنبون خطـَّاءون غافلون. وكل بني آدم خطـَّاء، وخير الخطائين التوابون. ولو أنكم ما تذنبون لذهب الله بكم وأتى بأناس يذنبون فيستغفروه.
إذاً فالتوبة التوبة. التوبة التوبة. والاستغفار الاستغفار. وإلا فإن الذنب قرين لنا، والغفلة من طبعنا: {
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ}[الزمر: 53].
إن الله يريد منا إكثار التوبة والاستغفار، ولا يكون ذلك إلا بالاعتراف بالتقصير والخطأ، وهذا هو اتهام النفس الذي نريد: استشعار الذنب حبل متين بينك وبين الله تعالى، اتهام النفس يطفئ نار الهوى في القلب، إن استعظام الذنب يتولد منه استغفار وتوبة وبكاء وندم وإلحاح على الله عز وجل بالدعاء حتى ينتصرعلى شهوته ويسيطر على هواه.
لنصلح أنفسنا، لننظر إلى عيوبنا، ولنحاسب أنفسنا قبل أن نـُحاسب، ولنكثر من التوبة والاستغفار بدون ملل، ولنترك عيوب الناس وكثرة الكلام فيهم إلا من نصح صادق، ولا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أساءت.
خلّ ادكار الأربعِ والمعهد المرتبعِ والضاعن المودّعِ, وعدّي عنه ودعِ
وانبذ زمان سلفاً، سودت فيه الصحف, ولم تزل معتكفاً على القبيح الشنعِ
كم ليلة أودعتها، مآثم أبدعتها، لشهوة أطعتها في مرقد ومضجعِ
وكم خطىً حففتها في خزية أحدثتها وتوبة نسفتها لملعبٍ ومرتعِ
وكم تجرّات على رب السموات العلا، ولم تراقبه ولا صدقت فيما تدّعي
وكم غمزت جره، وكم أمنت مكره، وكم نبذت أمره نبذ الحذى المرقّعِ
وكم ركظت في اللعب، ووبهت عمداً بالكذب ولم تراعي ما يجب من عهده المتبعِ
فالبس شعار الندم، واسكب شعابيب الدم، قبل زوال القدم وقبل سوء المصرعِ
واخضع خضوع المعترف، ولذ ملاذ المقترف، واعصِ هواك وانحرف عنه انحراف المقلعِ
إلى ما تسهو وتني، ومعظم العمر فنى, فيما يضر المفتن ولست بالمعتبرِ
أما ترى الشيب وقف، وخطّط الرأس خطط، ومن يلحوقت الشمق بثوبه فقد نع
ويحك يا نفس احرصي على ازدياد المخلص، وطاوعي وأخلصي، واستمعي النصح وع
واعتبري بمن مضى من القرون والغض, واخشي مفاجأة القضا, وحاذري أن تُفجع
وانتهي سبل الهدى، وادكري وصف الردى وأن مثواك غداً, في قعر لحد بلقعِ
آهً له بيت البلى، والمنزل القف الخلا ومورد السفر الأولى واللاحق المتبع
بيت يرى من أودعه، قد ضمه واستودعه، بعد الفضاء والسعى إلى ثلاث أذرعِ
لا فرق أن يحلّه داهية أو أبله، أو معسر أو من له ملك كملك تبّعِ
وبعده العرض الذي يحوي الحيي والبذي، والمبتدي والمحتذي، ومن رع ومن رُع
فيا مفاز المتقي، وربح عبد قد وقي سوء الحساب الموبقِ وهول يوم الفزع
ويا خسار من بغى، ومن تعدّى وطغى، وشبّ نيران الوغى لمطعم أو مطمع
يا من عليه المتكل، قد زاد ما بي من وجل، لما اجترحت من زلل في عمري المضيّع
فاغفر لعبد مجترم، وارحم بكاه المنسجم، فأنت أولى من رحم وخير مدعو دُعي.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.
أيها المسلم، اسمع لحال السلف رضوان الله عليهم كيف كانوا مع أنفسهم: تربية ومحاسبة، إصلاح على كثرة علم، وعبادة وجهاد، كان شعارهم: اتهام النفس أولاً.
كان محمد ابن واسع يقول ـ وهو العابد الصالح القائم الصائم ـ: "لو أن للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني، ولو أُتهم أحدنا بذنب لأجبد وأرعد".
وكان أبو بكر يجلد لسانه؛ أي يشدّه بقوة ويقول: "هذا أوردني شر الموارد".
فأين نحن أيها الأحبة؟ أين نحن من أبي بكر؟ وأين نحن من محاسبة اللسان؟
ويتهم حنظلة ابن أبي عامر نفسه بالنفاق لمجرد أنه يفقد حلاوة الإيمان التي يجدها عندما يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فماذا يقول المحرومون عن حلاوة الإيمان ولذة العبادة عن أنفسهم وهم ربما يركعون ويسجدون بدون روح ولا خشوع؟
قال رجل للإمام أحمد -لإمام أهل السنة والجماعة-: "جزاك الله عن الإسلام خيراً"، فتغّير وجه الإمام وقال: "بل جزى الله الإسلام عني خيراً، بل جزى الله الإسلام عني خيراً. من أنا! وما أنا! من أنا! وما أنا! من أنا وما أنا"!
أيّ إزراء للنفس هذا! لكنه الشعور بالتقصير، شعور بالتقصيرمع القيام بالواجب وإتقانه. شعارهم الذي رفعوه، فسادوا به الأرض شرقاً وغرباً: همّ وحرص، عمل وإخلاص، اتهام للنفس وهضم لحضورها. أما اليوم فربما خمول وكسل، غرور وعجب، وهوى متبع، إلا ما شاء الله.
قيل للربيع ابن ختيم: يا أبا يزيد ألا تذم الناس؟
فقال رحمه الله: "والله ما أنا عن نفسي براضٍ فأذم الناس! والله ما أنا عن نفسي براضٍ فأذم الناس"!
إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس، وأمنوه على ذنوبهم. فأسألك بالله أيها المحب، هل أنت راضٍ عن نفسك؟ هل أنت راضٍ عن نفسك؟ وهل الله راضٍ عنك؟ راجع نفسك. حاسب نفسك. كم بلغت من العمر؟ هل أنت راضٍ بعد هذا العمرعن نفسك؟
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن أحسن الظن بنفسه، فهو من أجهل الناس بنفسه".
إذاً فاشتغل بنفسك وإصلاحها، واترك عيوب الناس عنك.
شر الورى من بعيبِ الناس مشتغلاً === مثل الذباب يراعي موضع العللِ
قال الفضيل ابن عياض:
"يا مساكين، أنت مسيء وترى أنك محسن. وأنت جاهل وترى أنك عالم. وتبخل وترى أنك كريم. وأحمق وترى أنك عاقل. أجلك قصير وأملك طويل".
قال الذهبي معلقاً على كلام الفضيل:
"إي والله صدق. وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل للحرام وترى أنك متورّع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله".
وقال ابن بسكوال في أخبار إبراهيم الحربي:
"نقلت من كتاب ابن عتاب، كان إبراهيم الحربي رجلاً صالحاً من أهل العلم. بلغه أن قوماً من الذين كانوا يجالسونه يفضّلونه على أحمد ابن حنبل. فوقفهم على ذلك، فأقرّوا به، فقال: ظلمتموني بتفضيلكم لي على رجل لا أشبهه، ولا ألحق به في حال من أحواله. فأقسم بالله لا أسمعكم شيئاً من العلم أبداً، فلا تأتوني بعد يومكم".
سبحان الله! رفض أن يسمعهم العلم لأنهم فضلوه على أحمد ابن حنبل! فأين نحن من أخلاق هؤلاء -رضي الله عنهم وأرضاهم-؟
قال الشافعي:
"وددت لو أن الناس تعلموا العلم ولم ينسبوا لي منه شيئاً".
وقال أيضاً: "ما ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه".
وقال:
"أحب الصالحين ولست منهم === لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته المعاصي === وإن كنا سواءا في البضاعة."
وقال السفتياني: "إذا ذُكر الصالحون كنت منهم بمعزل".
وقال الثوري: "ضاعت الأمة حين احتيج إليّ".
فيا سبحان الله!
إذا لم يكن الشافعي والسفتياني والثوري من الصالحين، ولا تحتاجهم الأمة، فعلينا وعلى الأمة السلام. فمن تحتاج الأمة إذا؟ ولكنه التواضع، تربية النفس، الصدق مع الله جل وعلا.
فآفة العبد رضاه عن نفسه، ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها. ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور.
وما أُصيب الإنسان بمرض أشد من الغفلة الذي ربما تحوّل إلى جمود وقسوة، ثم إلى لجاج وعناد، ثم إلى كفر وجحود. نسأل الله العفو والعافية.
قال ابن القيم رحمه الله: "ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية من ذلك ـأي من الافتقار واتهام النفسـ أمراً لم أشاهده من غيره".
وكان يقول كثيراً -أي شيخ الإسلام ابن تيمية-: "ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا فيّ شيء". وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
أنا المكبي وابن المكبي === وهكذا كان أبي وجدي
وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاماً جديداً".
وبُعث -كما يقول ابن القيم- وبُعث إلىّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه منها يقول:
أنا الفقير إلى رب البرياتِ === أنا المُسَيْكين في مجموع حالاتِ
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي === والخير إن يأتني من عنده يأتِ
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة === ولا عن النفس لي دفع المضرّاتِ
والفقرلي وصف ذات لازم أبداً === ما الغنى أبدا وصف له ذاتي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم === وكلهم عنده عبد له آتِ
أيها المسلمون!
هذا هو حالهم، وهذه هي حالنا. ولعلك تتساءل عن الطريق وكيف العلاج؟ فأكرر ما بدأت به الكلام:
*إن أول العلاج هو أن نبدأ باصلاح أنفسنا وتتبع عيوبها.
فانظر لنفسك. انظر لنفسك واحرص على صلاحها تكسب حب الله ورضاه فيحبك الناس بحب الله لك.
*ثانياً: راقب الله وخف من الله واحرص على رضا الله ولو غضب عليك أهل الأرض قاطباً.
*ثالثاً: حاسب نفسك دائماً واستشعر ذنبك. استشعر الذنب وأكثر من التوبة والإستغفار.
*رابعاً: إن أضر شيء على الإنسان طول الأمل فينسى أنه قد يأتيه الموت في أية لحظة. وكل ما هو آتٍ قريب، فكن مستعد لساعة وداعك من الدنيا وخروجك منها. قال بعض السلف: "من طال أمله، ساء عمله". فتصوّر حالك وأنت تعاني من سكرات الموت، وتصوّر حالك وأنت في ظلمة القبر، وتصور حالك وأنت على الصراط.
لا تغفل، فهذه المغيّبات حقيقة. فتصوّرها دائماً، وتذكّرها في كل لحظة.
*خامساً: تواضع عند سماع النصيحة. فإن الشيطان يدعوك إلى ردها، وإلى سوء الظن بالناصح، وإن كان أقل منك علماً وعملاً،، وإن كنت أعلى منه منصباً ونسباً. وما مثلي ومثلكم إلا كقول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره === هلا لنفسك كان ذا التعليمُ
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها === فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى === بالرأي منك وينفع التعليم
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلمّ بنا شعثنا، وتردّ بها إلفتنا، وتُصلح بها ديننا، وتحفظ بها أولادنا وأزواجنا.
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أعطيت، وإذا دُعيت به أجبت، وإذا استُرحمت رحمت.
اللهم يا حي يا قيوم، اكشف عنا هذه الغمّة، وأذهب عنا هذه الغفلة، وأصلح قلوبنا يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان، وأذل الشرك والمشركين ودمّر اليهود والنصارى والمنافقين.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا.
اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، والباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم من أراد للإسلام والمسلمين والصالحين والمصلحين بسوء، اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره.
اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم اكفناهم بما شئت، يا قوي يا عزيز.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
إن الله يأمر بالعدل وإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون.
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
1 الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 52، خلاصة الدرجة: [صحيح].
---------------------------------------
لحفظها بصيغة MP3 انقر الرابط بالزر الأيمن للفأرة واختر "حفظ الهدف باسم" أو "Save Target As"
الملف الصوتي