أيكما أقوي هي أم أنت ؟?
كنت أحد المدعوين إلي حفل عقد قران أحد الأصدقاء ، والشيء الوحيد الذي ظل عالقاً بذهني من تلك الليلة ، جملة قالها المأذون الشرعي في نصيحته الأبوية للمعرس ..
يا فلان إن زوجتك قضت عمرها معززة مكرمة في بيت والدها ، فلتشعر بالأمن والعزة في كنفك .
أصعب ما في الزواج هو عملية التكيف والانسجام بين زوجين ينتميان إلي بيئتين مختلفتين ، ويتباينان في الأمزجة والطباع والأذواق ، وطريقة التفكير والأسلوب والتعبير ، وحتي ينجح الزواج ويؤتي ثماره ، لابد أن يتفهم كل واحدٍ منهما الآخر ، وأن يتنازل كل منهما عن بعض حظوظ نفسه من أجل نصفه الآخر ، وبهذا يحدث التناغم بين الزوجين حتي يصيرا شخصاً واحداً ، كما قال ابن الرومي :
كان فؤادي ليس يشفي غليله سوى أن يرى الزوجين تمتزجان
ومن الطبيعي أن يقع الخلاف ، والتوتر العنيف أحياناً ، لكن إذا كانت الأسرة سوية فإنها سرعان ما تلملم جراحاتها وتعود إلي قواعدها سالمة منتصرة علي وساوس النفس وهمزات الشياطين .
وحديثي هنا عن الأسر السوية ، أما بالنسبة للبيوت التي تمتد فيها الأيدي بالضرب وتنطلق الألسنة بأنواع الشتائم أمام الأبناء ، ويسمع الجيران من الأبوين أقذع الألفاظ ، فهذه أسر خارجة عن ( قانون الحياة ) .
وأختار في هذه العجالة ظاهرة واحدة تتكرر في الأسر المتزنة ، يسلكها أحد الزوجين عندما يدب الخلاف أو الخصام بينه وبين شريك حياته .
إنها ظاهرة الصمت المتبادل ، الصمت الذي يولده العناد ، وليس الذي هو من باب ( من صمت فقد نجا ) ولكن من باب ( من أطال الصمت وعائد فهو علي الحق وهو الأقوى ) ، وهو خطأ طبعاً ، ولاشك في أن هذا السلوك ، يقلب جو البيت إلي ( خرابة ) مهجورة أو قبر موحش .
وطول الزمن في القطيعة يزيد من توتر النفس ويعمق تنافر القلوب أقول : بغض النظر عن الطرف المخطئ ، فإن الذي يبدأ بمفاتحة الآخر هو الأقوى ، لأنه تنازل عن حظ نفسه ، وقدم المصلحة العامة علي المصلحة الذاتية .. إنه يريد الإصلاح وردم الفجوة بأسرع وقت وتتجلى قوة الشخصية فيمن يعترف من الزوجين بخطئه وتقصيره ، والقوة كلها تكمن في قبول الطرف الآخر وعفوه وترحيبه بمبادرة حبيبه .
فيا ترى ، من الأقوى ، هي أم أنت ؟!