رعاية الوالدين عند كبرهما - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 30-04-2013, 07:45 AM
  #1
ابن عمر محمد
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 335
ابن عمر محمد غير متصل  
رعاية الوالدين عند كبرهما



رعاية الوالدين عند كبرهما


الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحبه أجمعين.


أمَّا بعدُ:
فمن حِكمة الله - سبحانه - أن خلَق الإنسان فسوَّاه، وجعَله يمرُّ بمراحل تتفاوت فيها قُدراته وإمكاناته، ولكلِّ مرحلة من عُمره خصائصها وميزاتها التي تُميزها عن غيرها من المراحل؛ يقول - سبحانه - مذكِّراً بهذه المراحل: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].


وفي كلِّ طور من هذه الأطوار التي يمرُّ بها الإنسان، سخَّر الله له مَن يَكلؤه ويَعتني به، بدافع الفطرة والرحمة صغيرًا، وبدافع المودة والاحتساب كبيرًا، فمنذ وضَعته أمُّه وهي تَحوطه برعايتها وتُغدق عليه من حنانها، بذَلت مُهجتها، وفرَّغت وقتها، واستعْذَبت انشغالها بوليدها، وأبوه قد شمَّر عن ساعد الجد في تأمين معيشة أسرته التي يَعولها، قد وفَّر الغذاء البدني والرُّوحي لوليده، وجعَله يشعر بالأمان والاستقرار النفسي، إلى أن شبَّ وليدهما عن الطوق، واعتمَد على نفسه في شؤون حياته، واستغنى عن غيره، وبدَأ يشقُّ طريق عيشه، ويكوِّن له أسرة صغيرة، يحوطها ويرعاها، ويؤمِّن لها العيش الكريم.


أمَّا الوالدان، فبعد أن أدَّيا واجبَهما وأنفَقا زهرة عُمرهما في رعاية أولادهما، إذا بالسنوات تَزدلف بهما، وتمضي تِباعًا على عجلٍ، فيعلو الشيبُ مفارقهما، ويدبُّ الضَّعف إلى بدنيهما، ويُصبحان في حال يحتاجان فيها إلى مَن حولهما، ولا سيَّما أبناؤهما وبناتهما؛ ليردُّوا إليهما الجميل، أو بعضَ الجميل الذي بذلاه في سبيلهم، وليتقرَّبوا إلى الله تعالى بخدمة والديهم اللذين طالَما تَعِبا ليستريحوا، واهتمَّا واغتمَّا ليَنعموا، وبذلا الكثير ليَنعموا بالعيشة الهنيَّة، فما موقف الأولاد من بنين وبنات من والديهم وهما في هذه الحال؟


لقد انقسَم الأولاد إلى قسمين حيال هذه القضية، وبينهما قسم ثالث يتجاذَبه الطرفان؛ أمَّا القسم الأول من الأولاد، فهو مَن هشَّ لوالديه وبشَّ، وسارَع إلى خدمتهما بما يستطيع، مُفرِّغًا وقته وجهدَه لوالديه، مستشعرًا التقرُّب إلى الله تعالى في خدمتهما، وهو يعلم أنَّ الله تعالى خاطبه بقوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].


ويُدرك أن نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أوصى بذي الشيبة المسلم خيرًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ من إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم)).


فما بالك إذا كان ذو الشيبة أحدَ والديه؟ إنه يتلمَّس حاجة والديه، ويَبدؤهما بالسؤال عما يريدان ويَشتهيان، ويُسارع في خدمتهما، فهنيئًا لِمَن أكرَمه الله تعالى، فبَرَّ والديه، وقام بحقِّهما. وأمَّا القسم الآخر من الأولاد، فهو مَن ضرَب بالواجب عُرض الحائط، فلم يُبالِ بأمر والديه وقد كَبِرا في السنِّ، وضَعُفت قواهما، وأصبَحا مخدومين بعد أن كانا هما الخادمين، فلا يَزورهما إلاَّ لِمامًا، إن طلبَا منه شيئًا، تثاقَل، وإن اشتَكَيَا إليه أمرًا، تمهَّل، يبحث عن المعاذير التي تحول دون تلبية رغبتهما، يَستكثر ما يَبذله لهما من وقتٍ أو مال، يرى أنَّ خدمة زوجه وبَنيه في الدرجة الأولى، وللوالدين ما يَفضل من الاهتمام والوقت، وبعض الأبناء - هدَاهم الله - يستخفُّ بكبير السن، ويعتقد أن دورَه في الحياة قد انتهى، ويرى أنْ لا فائدة في إشراك والده الشيخ في اتخاذ رأي أو طلب مَشورة؛ لأنه لَم يَعُد له الدور السابق؛ مما يجعل كبيرَ السنِّ عُرضة للإصابة بضيق الصدر والشعور بالعقوق، بل ويُعرِّضه للأمراض النفسية والعضويَّة، وحجة مَن يفعل هذا الصنيع أنَّ التعامل مع كبار السن صعبٌ، وأنهم يحتاجون إلى زمن طويل للتفاهم معهم، ولذا آثَروا البُعد عن النقاش معهم، بل تجد بعض الناس إذا جلسوا في مجلس لتبادُل الأحاديث، وكان معهم كبيرُ سنٍّ، خَفتوا من أصواتهم؛ لئلاَّ يسألهم عن هذا الموضوع أو ذاك، فيشغلوا أنفسهم بالجواب الذي يحتاج إلى تَكرار ليفهمَ المراد.


فيا لله، كم دمعة ذرَفها والد أو والدة على ما يُلاقيان من الجحود والاستكبار من أولادهما! كم زفرة حرَّى انطلقَت من أبٍ مكلوم وأمٍّ رؤومٍ، يَشتكيان الهجر والقطيعة من أقرب الناس إليهما!


ويا لله، كم من أبٍ وأمٍّ تمنَّيَا أنْ لَم يُرزقا بأولاد، شَقِيَا معهم أوَّل عُمرهما، وها هما يَشقيان بهم في آخره! كم حسرة دُفِنت مع والد في قبره، وكم غُصَّة ضاقَ بها جوفُ أمٍّ لَم تحتمل ما ترى! كم من والد ذاقَ مرارة العقوق وأحسَّ بمشاعر هذا الأب الذي فُجِع بعقوق ابنه، فخاطبه بهذه الأبيات المُبكية، قائلاً:

غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا == تَغُلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ

إذَا لَيْلَةٌ ضَاقَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ == لِسُقْمِكَ إلاَّ سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ

كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي == طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنِيَ تَهْمِلُ

تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا == لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ

فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي == إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ

جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً == كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ

فَلَيْتَكَ إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي == فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ

أيها الإخوة المستمعون،
اعلَموا أن برَّ الوالدين من خير ما تقرَّب به المتقرِّبون، وهو من أجَل العبادات والقُربات؛ سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قيل: ثم أي؟ قال: ((برُّ الوالدين))، قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))؛ متفق عليه.


فانظروا كيف سبَق برُّ الوالدين الجهاد في سبيل الله على أهميَّته ومكانته في الدين، ومَن أدرَك والديه أو أحدهما، فلم يَدخل بهما الجنة، فهو ممن تشمله دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رَغِم أنفُ، ثم رَغِم أنف، ثم رَغِم أنف مَن أدرَك أبويه عند الكِبَر أحدَهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنة))؛ مسلم.


ولو لَم يَرِد في بيان عِظَم حقِّ الوالدين إلاَّ قول الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، لكان كافيًا.


ويَحسُن التنبيه إلى أمور قد يَغفل عنها البعض في التعامل مع كبار السنِّ، وخاصة الوالدين، فمنها: أن المُسنَّ يحتاج إلى الشعور بالحنان والرعاية والعطف، فلا نَبخل عليه بذلك.


وثانيها: الحذر من الإلحاح على المسن ومطالبتِه بأن يَقتنع بما نُخبره به؛ حيث إنه لا يتحمَّل الإلحاح، ولكن يُمكن طرْحُ الأمر معه شيئًا فشيئًا ليُمكن إقناعه؛ حيث إن طبيعة هذه المرحلة من العُمر تَفرض بُطئًا في الاستجابة.


وثالثها: أنَّ قصور السمع والبصر لدى المُسن يَجعله يبتعد شيئًا فشيئًا عن أحداث الواقع، وذلك يوجب علينا التحدُّث معه ومع مَن حوله بصوت مسموع، مع محاولة جَذْب المُسن للواقع، بإخباره عما يدور حوله، وطَلبِ رأيه، ومداعبته ما أمكَن؛ ليكون قريبًا من مجتمعه، مُدركًا لِما حوله.


ورابعها: أن نُدرك أن المُسن يستمتع بالحديث عن الماضي الذي عاش أحداثه، وشَهِد صَوَلاته وجَوَلاته، فعلينا ألاَّ نَحرمه من ذلك، بل نُظهر التفاعل معه والإعجاب بما يقوله.


وخامسها: أن نَحرص على إشغال المُسن بما يَنفعه عند ربِّه، بإسماعه القرآن الكريم في الأوقات المناسبة، والقراءة عليه في الكتب الملائمة لمستواه العلمي، وترغيبه في ذِكر الله تعالى قدر الاستطاعة، وإشعاره بضرورة الاحتساب، والصبر على ما يُعانيه من أمراض أو عوارض، فلهذه من الفائدة ما لا يَخفى، ومع ذلك كله لا بدَّ أن يشعرَ الوالدان بقُرب أولادهما منهما، ومحبَّتهم للجلوس معهما والأُنس بهما، وتَسابُقهم في خدمتهما، فلنَكن على علمٍ بهذا، ولنَحرص على برِّ آبائنا وأُمَّهاتنا؛ ففي ذلك الأجرُ من الله تعالى والأثرُ الطيِّب في الدنيا.


فمَن وصَل رحمَه وبرَّ والديه، بارَك الله له في المال والولد، وأبقى له الذِّكر الحسن، ومَن أراد أن يَبرَّه أولاده، فليَبرَّ والديه، ومَن عقَّ والديه، فلينتظر العقوق من أبنائه، ولا يأْمَنَنَّ العقوبة العاجلة من الله تعالى؛ فالجزاء من جنس العمل.


نسأل الله تعالى بمنِّه وكرَمه، أن يجعلنا من البارِّين لوالديهم الفائزين بالأجر والبر، وأن يرزقَنا برَّ أولادنا؛ إنه على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله ربِّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.






شبكة الألوكة

رد مع اقتباس
قديم 30-04-2013, 03:02 PM
  #2
روح الطير
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: May 2005
المشاركات: 12,052
روح الطير غير متصل  
رد : رعاية الوالدين عند كبرهما

ليت امي و ابوي فيه ..
اخدمهم من عيوني .. و اشيلهم فوق راسي ..
رد مع اقتباس
قديم 30-04-2013, 08:33 PM
  #3
فجر الاعياد
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 1,809
فجر الاعياد غير متصل  
رد : رعاية الوالدين عند كبرهما

جزاك الله
الله يعيننا على البر وعلى جميع الطاعات
__________________
مُساعدتك للآخرين وإن نسوا ؛ خيرٌ لا ينساهُ .. الله ♥ !
رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 03:49 AM
  #4
فدى أمي
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية فدى أمي
تاريخ التسجيل: Feb 2012
المشاركات: 1,143
فدى أمي غير متصل  
رد : رعاية الوالدين عند كبرهما



ربي إرحمهما كما ربياني صغيرا

أسأل الله أن يرزقهم الجنة في الآخرة
والصحة وراحة البال في الدنيا..وأن يعيننا على برهم هو ولي ذلك والقادر عليه

جزاك الله خيراً
__________________
و ما إنعكاس روحي في طيفك
إلا ظلاً يفر من صاحبه
رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 10:23 AM
  #5
ندى_1406
عضو المنتدى الفخري
تاريخ التسجيل: Jul 2004
المشاركات: 5,618
ندى_1406 غير متصل  
رد : رعاية الوالدين عند كبرهما

جزاك الله خير اسأل الله ان يكرمني بر والدي ورضاهم
رد مع اقتباس
قديم 11-05-2013, 05:09 AM
  #6
طموحي متميز
عضو نشيط جدا
 الصورة الرمزية طموحي متميز
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 454
طموحي متميز غير متصل  
رد : رعاية الوالدين عند كبرهما

ربي ارحمهما كم ربياني صغيرا
__________________
علـق القَلب بـ الخالق وأجعل الحُب اﻷ‌عظم له
أما البشر فـَ غداً ربما تبغض من أحببت وتحب من أبغضت
فﻶ‌ تبالغ بـ مشاعرك وﻵ‌ تعلق قلبك بهم | ♥"
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:30 PM.


images