تناول الفطور .. يخفف من زيادة الوزن
أحد وسائل الوقاية من السكري واضطرابات الكولسترول وأمراض شرايين القلب
ربما يستغرب الكثيرون من أن النظرة الطبية اليوم إلي عادة تناول وجبة الإفطار بذاتها، هو أنها ليست صحية بمجرد أنها عادة غذائية اجتماعية تعود البشر عليها لبدء النشاط في أول اليوم متزودين بكمية عالية من الطاقة. الا إن الأمر أدق من هذا كثيراً، فرابطة القلب الأميركية وغيرها من الهيئات الطبية العالمية تنظر إلى تناول الإفطار على أنه أحد وسائل الوقاية من الأمراض. لإيضاح الأمر بعبارة أخرى، فإن الحديث لا يدور هنا عن أن المحتويات الصحية من الأغذية في وجبة الإفطار هي التي تحدد الفائدة الصحية له، بل ان مجرد التناول للأطعمة في أول النهار وعدم تأخير إدخال الطعام إلى المعدة هو المقصود بالفائدة الصحية. وهو ما يطرح سؤالا تلقائياً: كيف أن زيادة تناول الطعام تُسهم في خفض الوزن مثلاً أو تقليل الإصابة بمرض السكري؟
ويعتبر موضوع تقسيم عدد الوجبات الغذائية اليومية ومواعيد تناولها أمرا غاية في الأهمية والدقة أسوة بالاهتمام الطبي في أن تكون مكونات الوجبات من الأطعمة والمشروبات المختلفة هي مواد صحية وغير ضارة، وفي أن تكون كمية الطاقة فيها مناسبة وفق ضوابط تختلف حسب حاجة كل إنسان، وفي أن تكون محتوية بنسبة مدروسة على العناصر الغذائية من سكريات وبروتينات ودهون ومعادن وفيتامينات وأملاح وسوائل ضمن اطار تلبية حاجة الجسم اليومية.
* الإفطار والشرايين
* تتسبب كل من السمنة ومرض السكري في نشوء أمراض الشرايين، سواء تلك التي في القلب أو في الدماغ أو في الأطراف. وهذان العاملان المهمان مرتبطان من ناحية أصل منشئهما بإتباع سلوكيات نمط الحياة، وذلك بحسب إتباع السلوك الصحي أو عكس ذلك. والبحث اليوم هو حول ما يُخفف من احتمالات ظهور هذين العاملين المرضيين. وتعتبر مسائل زيادة الوزن وتداعياته من ارتفاع احتمالات ظهور مرض السكري وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول أحد الجوانب التي تبحث الدراسات الطبية في أفضل الوسائل لمنعها.
ولعل من أوائل الدراسات التي نظرت بطريقة مختلفة إلى تناول وجبة الإفطار تلك الدراسة التي تم تقديمها في مؤتمر رابطة القلب الأميركية عام 2003، وتبين فيها من متابعة حوالي 3 ألاف شخص أن من يتناولون وجبة الإفطار هم أقل عرضة وبدرجة كبيرة للإصابة بالسمنة وبمرض السكري.
وبرغم الأبحاث والنظريات المتوالية بعد هذه الدراسة حتى اليوم إلا أن الآلية الفعلية، التي عبرها يتمكن الإفطار بذاته من الحيلولة دون السمنة ودون مرض السكري، لا تزال مجهولة. وعلى سبيل المثال فإن إحدى الدراسات تقول إن تناول الإفطار يمنع من الشعور بالجوع أثناء النهار، وبالتالي يقلل من رغبة الإنسان في تناول المزيد من الطعام، الأمر الذي يقلل من احتمالات السمنة.
النظرية الأخرى تنظر إلى الآلية بشكل أدق، إذْ تربط الأمر بما يُمكن تسميته حالة أو متلازمة مقاومة الجسم لتأثير الأنسولين الإيجابي عليه، أو ما يُطلق عليه اصطلاحاً متلازمة الأيض metabolic syndrome. وفي هذه الحالة تتشابك عناصر عدة من زيادة الوزن أو السمنة مع ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة سكر الدم خاصة في الصباح، وارتفاع نسبة هرمون الأنسولين في الدم حينها، وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية في الدم، وانخفاض نسبة الكولسترول الثقيل المفيد للقلبHDL .
والسبب وراء جملة هذه الاضطرابات هو زيادة كمية خلايا الشحم في الأنسجة الشحمية، وهي خلايا خاصة لها تركيب مميز، والعدد (وليس الحجم) يصعب نقصانه إذا زاد، وآلية خاصة ومعقدة في التعامل مع هرمون الأنسولين. وحينما تزداد كمية الشحم في الجسم، فإن هذه الخلايا بكثرتها تجبر البنكرياس على إفراز كميات عالية من الأنسولين كي تستطيع كميته العالية أن تحرك شيئاً من استجابة الخلايا الشحمية الكسولة جداً. من هنا يظهر أثران سلبيان، الأول إرهاق مزمن ومتواصل للبنكرياس مما يرفع احتمالات ظهور مرض السكري، والأمر الثاني الأثر السلبي لهرمون الأنسولين في الجسم كما في الشرايين، التي تزداد وتيرة عملية تصلبها المرضي بمجرد وجود كميات عالية من الأنسولين في الجسم أياً كان مصدره، البنكرياس أو حقن العلاج بالأنسولين، وبالتالي ظهور مرض تصلب الشرايين LDL .
علاقة الإفطار بهذه السلسلة المتداخلة، وبعبارة بسيطة، هي أن لدى متناولي الإفطار تقل احتمالات ظهور حالة مقاومة الجسم للأنسولين بنسبة تصل إلى 50%.
* الإفطار والوزن
* المنطق النظري والعملي السليم يقول أن وزن الجسم يزيد حينما يأكل الإنسان كمية من الغذاء التي لا يستطيع الجسم أن يتخلص من طاقته الكبيرة، فتتراكم بالتالي في الجسم على هيئة شحوم غالباً، ويزيد الوزن تلقائياً، هذا صحيح جداً. عليه يعتقد البعض أن إلغاء وجبة الإفطار هو أحد الخطوات الذكية في تجنب تناول كمية من طاقة الطعام، وبالتالي هو أمر يُسهم في تخفيف الوزن، وهذا خطأ تماماً. لماذا؟ لأننا ببساطة لم نتبع الأسلوب المنطقي في فهم المقدمات وبناء النتائج عليها. فالفلاسفة لم يُخطئوا حينما قالوا المقدمات السليمة تُؤدي إلى نتائج سليمة، لكن فهمنا لمنطق طاقة الغذاء وعلاقته بالوزن ليس هو أمرا مرتبطا بمجرد الكمية، بل بكمية الغذاء وحصص توزيع تناوله. وعلى سبيل المثال فإن أفضل الطرق في تناول مرضى السكري للغذاء اليومي هي تقسيمه إلى خمس أو ست حصص غذائية، أو كما يفعل اليابانيون.
وفي بحث نشر في مجلة أبحاث السمنة عام 2002، تبين أن حوالي 80% من الأشخاص الذين تمكنوا من فقد أكثر من 15 كيلو غراما من وزنهم وحافظوا على ذلك لمدة سنة هم لم يتخلوا أبداً عن تناول وجبة الإفطار، بينما تمكن فقط 4% ممن لا يتناولون الإفطار من تحقيق نفس التقدم الإيجابي حيال وزن جسمهم. ولذا فإن كثيراً من الخبراء في السمنة يعتقدون أن تناول الإفطار أحد خطوات خفض الوزن.
وفي طريقة مخالفة للنظر إلى الأمر، نشرت المجلة الأميركية لعلم الأوبئة عام 2003 دراسة للباحثين من مساتشوسس تقول إن هناك رابطاً قوياً بين ترك الإفطار وارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة.
* الإفطار والكولسترول
* الدكتور حميد فرشجي وزملاؤه من جامعة نوتنغهام في بريطانيا نظروا للأمر من جهة أخرى. ففي بحث لهم العام الماضي نشر في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية تتبعوا أثر ترك النساء ، ليس البدينات بل النحيلات، لتناول وجبة الإفطار على نسبة الكولسترول في الدم. وتبين لهم أن ذلك بالإضافة إلى أنه يزيد من مقاومة الجسم لمفعول الأنسولين حتى لدى النحيلات فإنه أيضاً يرفع من نسبة الكولسترول الخفيف الضار في الجسم، كما أنه يجبرهن على تناول كميات إضافية من الطعام في أثناء النهار ويرفع من شهيتهن لذلك. بينما من تناولن وجبة الإفطار حرقن كمية أكبر من طاقة الغذاء واحتجن تناول كميات أقل منه. وأوضح الدكتور فرشجي أن المهم هو تناول وجبة الإفطار في الصباح وليس أواسط النهار.
* مكونات الإفطار
* إن الإفطار الصحي يشمل تناول العناصر الغذائية الأساسية من سكريات وبروتينات ودهون، بالإضافة إلى التركيز على تناول الفواكه وعصيرها، والحبوب الكاملة (غير المنزوعة القشرة الخارجية) كالشوفان، والبقول كالفول أو الحمص بأي هيئة تم إعدادها، والحليب أو اللبن الزبادي أو اللبن، والبيض كاملاً، والعسل وغيرها هي مكونات صحية لإفطار يومي. المهم هو التنوع والشمول مع الحرص على الأغذية الطبيعية مع عدم الإكثار من الشحوم أو الزبدة. وتركز رابطة القلب الأميركية على وجه الخصوص نصيحتها بتناول الفواكه والحبوب الكاملة سواء في الخبز أو غيرها من طرق الإعداد.