قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية
[1/439-440] ط / دار ابن الجوزي:
الآية الثانية: قوله:
[لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرآيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله]
{الحشر:21}.
الجبل من أقسى ما يكون ، والحجارة التي منها تتكون الجبال هي
مضرب المئل في القساوة ؛ قال الله تعالى: [ثم قست قلوبكم من بعد
فهي كالحجارة أو أشد قسوة] {البقرة: 74}، ولو نزل هذا القرآن
على جبل ؛ لرأيت هذا الجبل خاشعاً متصدعاً من خشية الله.
[خاشعاً]؛ أي: ذليلاً.
ومن شدة خشيته لله يكون [متصدعاً] يتفلق ويتفتق.
وهو ينزل على قلوبنا ، وقلوبنا –إلا أن يشاء الله – تضمر وتقسو
لا تتفتح ولا تتقبل.
فالذين آمنوا إذا نزلت عليهم الآيات ؛ زادتهم إيماناً، والذين في
قلوبهم مرض ؛ تزيدهم رجساً إلى رجسهم؛ والعياذ بالله !
ومعنى ذلك : أن قلوبهم تتصلب وتقسو أكثر وتزداد رجساً إلى
رجسها ، نعوذ بالله من ذلك! وهذا القرآن لو أنزل على جبل ؛
لتصدع الجبل وخشع ؛ لعظمة ما أنزل عليه من كلام الله.
وفي هذا دليل على أن للجبل إحساساً؛ لأنه يخشع ويتصدع ،
والأمر كذلك ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم في أحد:
" هذا أحد جبل يحبنا ونحبه " .
وبهذا الحديث نعرف الرد على المثبتين للمجاز في القرآن ،
والذي يرفعون دائماً علمهم مستدلين بهذه الآية:
((فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض)) {الكهف:77}؛ يقول: كيف يريد الجدار ؟!
فنقول : يا سبحان الله ! العليم الخبير يقول: ((يريد أن ينقض))،
وأنت تقول : لا يريد ! أهذا معقول؟
فليس من حقك بعد هذا أن تقول : كيف يريد؟!
وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا: هل نحن أوتينا علم كل شيء؟
فنجيب بالقول بأننا ما أوتينا من العلم إلا قليلاً فقول من يعلم الغيب
والشهادة : ((يريد أن ينقض)) : لا يسوغ لنا أن نعترض عليه ،
فنقول : لا إرادة للجدار ! ولا يريد أن ينقض !
وهذا من مفاسد المجاز ؛ لأنه يلزم منه نفي ما أثبته القرآن.
أليس الله تعالى يقول: ((تسبح له السموات السبع والأرض ومن
فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم))
{الإسراء:44}؛ هل تسبح بلا إرادة ؟!
يقول: ((تسبح له)) : اللام للتخصيص ؛ إذا ؛ هي مخلصة ، وهل يتصور
إخلاص بلا إرادة؟! إذا؛ هي تريد وكل شيء يريد لأن الله يقول:
((وإن من شيء إلا يسبح)) ، واظنه لا يخفى علينا جميعاً أن هذا من
صيغ العموم ؛ فـ(إن) : نافية بمعنى (ما) ، و ((من شيء)) : نكرة في
سياق النفي ، ((إلا يسبح بحمده))، فيعم كل شيء.
فيا أخي المسلم ! إذا رأيت قلبك لا يتأثر بالقرآن ؛ فاتهم نفسك ؛ لأن
الله أخبر أن هذا القرآن لو أنزل على جبل لتصدع، وقلبك يتلى
عليه القرآن ، ولا يتأثر.
اسأل الله أن يعينني وإياكم. أ.هـ