قسوة الآباء والازواج إلى متى ؟
قسوة الآباء والازواج إلى متى ؟
أكتب إليك وكلي أمل ان أجد عندك ما يهدى نفسي وخاطري ، ويريح قلبي من الشقاء الذي فرض علي ، إنني فتاة فتحت عينها على الدنيا لتجد حولها ابا لا تعرف الرحمة طريقها الى قلبه ، عنده من الغلظة والقسوة ما لا يمكن تحمله ، وهو طبع موروث ، لا يقبل ان يعصى أو يخالف ولا حتى ان يناقش ، آمر مطاع ، وحاكم مستبد ، ولك ان تتصور ذلك الكم الهائل من الاهانة والشتائم والضرب لمجرد ان احدانا تريد ان تناقشه في أمر من الأمور ، لا اكذبك ان قلت انني أكره ابي كرها عظيما ، ولم تكن هنا مصيبتي فحسب لأنني كنت احلم بذلك اليوم الذي يأتي به ابن الحلال فيخلصني وتكون لي مساحة من الرأي وحرية في العيش والاختيار وان اخرج من هذا الجحيم كما خرجت أختي من قبل وهي في غاية الانسجام مع زوجها بحمد الله ، ولكني ولسوء حظي لم يكن ما تمنيت ، اختار لي أبي شخصا من أقاربنا يكبرني بثلاث عشرة سنة وهو ممن تنسجم طباعه مع طباع ابي بل لا اتجاوز ان قلت هو صورة مصغرة عنه وبينهما تشاكل كبير ، فانتقلت الى بيته وليس لي ن الأمر شيء ، وكانت صدمتي بانني خرجت من تحت الدلف لاقع تحت الميزاب ، وكأن تلك السلطة المجبولة بالقسوة مفروضة علي ليس لي فكاك عنها ولا مهرب منها لا استطيع ان اسامح ابي ولا ان اتقبل زوجي وقد انقطعت صلتي بأبي لأنه هو سبب شقائي فهل سمعت ان أبا يعامل بناته كذلك ، ولا اجد طعما للسعادة والهناء لا انكر ان في زوجي من الصفات الحميدة ما ليس عند ابي فهو كريم محب ومتدين في، ولكنه قاس في التعامل جلف لا يقبل الحوار والنقاش وكأنه ضابط وانا مجندة عنده ، مستبد برأيه يعاملني معاملة المدرس والطالبة وويل لي ان لم أفعل ما أوجبه علي ويمنعني ويقيدني عن ابسط حقوقي كما كان ابي يفعل تماما وكما يفعل الكثيرون من ابناء المجتمع القروي ، فهل كتب على ان اعيش بالشقاء طيلة حياتي وما سألت أحدا إلا دعاني إلى الصبر حتى مللت الصبر فانا لا اريد ان تدعوني الي الصبر بقدر ما اريد ان تجد لي حلا يريح خاطري .والسؤال متى انال حريتي وإلى متى ؟
السائلة الكريمة :
ان التسلط على الآخرين يحول الناس إلى فراعين دون أن يشعروا ليقولوا لمن حولهم ما قاله فرعون لقومه ما أريكم إلا ما أرى .
السلطة التي بيد الآباء والأزواج كثير ما تستخدم بغير ما وضعت من أجله ، فليست السلطة الممنوحة له الا لقيادة المركبة لا أكثر نحو الوجهة الصحيحة لا في أي اتجاه شاء وحسبما يحلوا له ! فهي انما وضعت بيدهم بمنزلة جهاز المنبه الذي يحذر من وقوع الكارثة ويحمى منها ، ولكن اذا استقامت الامور واعتدلت لا داعي عندها لان يقرع جرس الانذار . ثم بعد ان يقرع هذا الجرس يكون الاصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة أولا ثم بالتلويح بالقسوة ثم بالقسوة المعتدلة التي تناسب الحال وتستقيم معها الأمور دون ظلم واحجاف ، فهي بمنزلة الدواء الذي يؤخذ لبعض الوقت بمقدار معين ، ويفقد قيمته ان أخذه كله دفعة واحدة أو أخذه لكل الوقت ويكون له آثار لا تحمد ، والانسان العاقل يدرك باللين أضعاف ما يدركه بالقسوة والغلظة .
ويعتقد البعض ان السلطة الممنوحة لهم باب إلى التسلط والتحكم والآمرية والتفرد بحق وبغيره وأن لهم حقوق وليس عليهم واجبات ، وليس الأمر كذلك ، ثم هو يكره قسوة غيره عليه فكيف يبرر قسوته على غيره ، أما آن لهم ان يعلموا أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة محشورا في زمرة الظالمين ولم يكن له سلطة في حياته إلا على زوجته أو أولاده ، وهذا يكفي ليكون من جملتهم ، ثم ألم يحن الوقت ان نتعلم ان كل فعل له ردة فعل مساوية له بالمقدار مماثلة له في التلقي . وجميل منا ان ندرك الرجولة ليست بان اجبرهم على الطاعة بالغلظة والقسوة بل ان ادفعهم اليها وهم أرغب ما يكونون فيها .
و عندما يكون الآباء مفرطين بالقسوة فان الأبناء ينشؤون على أحد خيارين ، إما أن يكونوا نموذجا آخرا عنهم فيأخذون قسوتهم كما هي أو أن يتحللوا منها فينتقلون من منتهى القسوة إلى منتهى التراخي .
ويظن بعض الآباء ان القسوة تولد الطاعة والالتزام وتخلق القوة في مواجهة الأيام ، وليس كذلك اذ ان الطاعة الناشئة عن القسوة سرعان ما تزول بزوال السلطة القائمة على الرقاب والدليل انكِ انقطعت عنه بمجرد ان كان لك بيتك المستقل وربما تنقطعين عن زوجك بمجرد ان يتاح لك البديل المناسب ، والتربية بالقسوة لا تعني بالضرورة القوة فبعض الناس الذين عانوا من القسوة في حياتهم كانوا بمنتهى اللين مع المجتمع ومع ابناءهم لكي لا يذيقوا أبناءهم مرارة آباءهم وكانوا بمنتهى الضعف أمام ما يتعرضون له ، وكثيرا ما تولد القسوة عقدا نفسية واضطرابا سلوكيا فضرر القسوة وأثارها كضرر اللين تماما ، فهم يهربون من أمطار اللين ليقعوا في إعصار القسوة .
وليس من الحكمة بحال ان يدفع الآباء ابناءهم إلى قطيعتهم وعدم البر بهم ثم يلومونهم على العقوق ، فقد أمرنا ان نعين أولادنا على البر، أو يدفع الازواج زوجاتهم بغلظتهم وقسوتهم إلى الخيانة والغدر والخروج عن سلطة الطاعة دفعا ثم يلومونهم على الغدر والخيانة ، فالأب العاقل هو الذي يعين ابنه على بره وطاعته ويقدم له ما يحب ان يقدمه له ابنه ان كبر ومضت به الأيام ، والزوج العاقل هو الذي يسعى ليكتسب محبة زوجته ووفاءها . وانا لا ابرر العقوق بحال كما لا ابرر لهن الخيانة أيضا مهما كانت الاسباب ، ولكن كثرة الضغط يولد الانفجار .
وانت يا ابنتي : لم يسعدني كلامك عن ابيك بهذه الطريقة من الكراهية والحقد ، فحتى و إن كان ابوك وزوجك غير حقيقين بالفضيلة كما تعتقدين كوني أنت حقيقة بها وأهلا لها واياك والكراهية لأنها تنال منك لا ممن تكرهين وتقض مضجعك وتشوب نفسك وتلوث قلبك ، وما دخلت الكراهية في شخص الا اخرجت من مكارم الأخلاق ما يقابلها ويماثلها ، واياك والعقوق فهو نذير شؤم وخراب في الدنيا والآخرة وانت مطالبة بالبر حتى ولو كان أبوك أعتى الظالمين فلست أنت من يحاسبه ولكن حسابه على الله ، وانت تعاملين الله في أبيك لا تعاملين أباك فقط ، والا فما الفارق بينكما فانت تلومينهم على فعل وتفعلين ما هو مماثل له بل ربما أقبح منه وهو العقوق ، فتكونين ملامة لا لائمة .
ثم تقولين ان زوجك فيه من الصفات الحميدة كالكرم والحب والدين وهي مؤشر خير لأنها صفات كفيلة ان تؤثر على طباعه فالطباع لا كما هو سائد يمكن أن تتغير لأنها نمط من أنماط التفكير ، والانماط تتغير بل وربما تنقلب تماما من النقيض إلى النقيض ، فبقليل من الحكمة والعلم منك مع الدعاء وحسن العشرة والطاعة تدركين ما تريدين وتملكين قلبه ولبه والانسان فيه الخير والشر مستويان حتى يأتي ما يرجح أحدهما على الآخر وقد وجد زوجك ما يرجح جانب القسوة عند غيرك فليجد منك ما يرجح جانب اللين .
ثم انظري فيمن حولك من النساء ممن هن دونك ومصاب أكثر منك تهن عليك مصيبتك ولا تنظري لمن فوقك فتزدري نعمة الله ، وعندها يسهل عندك الأمر وترين نفسك في نعمة عظيمة ، وانظري إلى العيب على انه مزية يسهل عليك التعامل معه ويخفف وطأته في نفسك ، واحذري من القياس على الآخرين فلكل سلبيته وايجابياته وما ترينه لا يعبر دائما عن الواقع ، ولن أغض الطرف عن دعوتك إلى الصبر فهو مفتاح الفرج والدنيا دار ابتلاء وما ضرك لو صبرت فنلت من الأجر وذهب عنك من الوزر فتكونين أسعد الناس ويكون قولك إلى متى ؟ جوابه إلى ان يدركوا ما قلت آنفا أو
إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .
الكاتب : مصعب الأحمد بن أحمد