إذا كان زوجك جاد .... أو زوجتك جادة ...... فانظروا إلى تلك المناقشة
إذا كان زوجك جاد .... أو زوجتك جادة ...... فانظروا إلى تلك المناقشة
أبرز صفة عُرف بها صديقي أبو أحمد هي ( الجد ) ، وأظهر خلق لازمه هو العمل الدؤوب .
ولهذا فقد كان من الأوائل دائماً في جميع مراحله الدراسية .
قليل اللعب واللهو ، بل لعل اللعب واللهو لا يعرفانه ولا يعرفهما .
ورافقه جده في حياته الدراسية .. مع حياته العملية ، بعد التخرج في الجامعة ، ولهذا سرعان ما ارتقى في المناصب ، حتى صار مدير الشركة التي بدأ العمل فيها ، ونال ثقة أصحابها الذين أعطوه كثيراً من الصلاحيات التي زادته حباً لعمله وإخلاصاً فيه ، إلى درجة كان فيها يستمر في العمل حتى بعد ساعات انتهاء الدوام الرسمي ، بل كان يأخذ كثيراً من الأوراق والملفات إلى بيته .
ولم ينس أصحاب الشركة جهده هذا .. فكانوا يجزلون له المكافآت ، وتتوالى في مرتبه الزيادات ..
قالت لي زوجتي يوماً ، وكانت صديقة حميمة لزوجته ، إن أم أحمد تشتكي انشغال زوجها الدائم عنها ، وانصرافه شبه التام إلى عمله ، وإيثاره له على كل أحد ، وكل شيء ،
وإنها لترجو أن أكلّم زوجها بما ينبهه إلى تقصيره تجاه أهله وبيته ، دون أن يعلم مني أنها هي التي اشتكت منه هذا .
في اتصالي به ، للاتفاق معه على زيارته في بيته ، حدثني عن مشاغله الكثيرة ، وفراغه القليل ، ولم يظفر منه بموعد لزيارته في بيته ، ولم أجد بُدّاً عن القبول بزيارته في مكتبه في الشركة .. ولكن في غير ساعات الدوام الرسمي .. حتى لا أكون مثل أولئك الذين يزورون الناس في أماكن عملهم .. ويأخذون من أوقاتهم ، في قضايا لا صلة لها بالعمل .
زرته في الموعد ، وجلست معه أتحدث إليه ويتحدث إليَّ ، في العمل ، وفي غير العمل ……..
ثم قلت له : ألا تتضايق زوجتك من طول غيابك عن البيت .. وكثرة انشغالك عنها ؟
قال : ولماذا تتضايق .. ؟
قلت : حاجات البيت كثيرة .. فمن يلبيها ؟
قال : أمام بيتنا بقالة فيها كل شيء .. ليس على زوجتي إلا أن تتصل بالهاتف وتطلب ما تحتاجه منها .. ليكون عندها بعد دقائق .. وأنا أحاسب صاحب البقالة كل شهر .. ولا أسألها عن شيء اشتريته ولم اشترته ؟!
قلت : هل هذا كل شيء ؟
قال : لعلك تقصد الأولاد ؟ سيارة بسائقها رهن إشارتهم في أسفل البيت .. يأخذهم إلى حيث يريدون .. ويوصلهم إلى أبعد ما يتوقعون .
قلت : ما أردت هذا .. !
قال : أي شيء إذن ؟
قلت : أنت حدثتني عن الجانب المادي وأنا ..
قاطعني : وأنت تسأل عن الجانب غير المادي ..
أحمد منتسب إلى ناد رياضي يمارس فيه هوايته في لعبة كرة القدم .. وعبد الرحمن يشبع هوايته في القراءة وعنده مكتبة أشجعه على إغنائها بالكتب دائماً ..
وفاطمة منتسبة إلى جمعية ( … ) الدينية .. وهي تملأ وقت فراغها فيها .. كما أنها تتلقى التوجيه الديني اللازم .
قلت : وزوجتك ؟
قال : زوجتي لا هواية لها .. اللهم إلا تربية الأولاد ..
قلت : إذا كان أحمد يذهب إلى ناديه الرياضي ..
وعبد الرحمن يجلس في مكتبته يقرأ ..
وفاطمة تذهب إلى جمعيتها ..
وأنت تعمل في الشركة بعد الظهر أيضاً ..
فكيف تقضي أم أحمد وقتها في البيت وحدها .. ؟
قال : تشاهد التلفزيون .. تقرأ .. تزور جاراتها .. تزور صديقاتها .. الخيارات أمامها كثيرة .. !
قلت : أهذا كل شيء
قال : ماذا تريدني أن أفعل
قلت : متى سابقت زوجتك آخر مرة .. ؟
( نظر إليَّ والدهشة والاستغراب يملآن وجهه لهذا السؤال المفاجئ له )
قال : متى سابقت زوجتي آخر مرة ؟
( صمت لحظات وكان كمن يبحث عن جواب )
قال : أبعد هذا العمر يا أخي ؟
قلت : تعني أنك سابقتها حين كنت أصغر ؟
قال : أصدقك القول ……. لم أسابقها قط .. !
قلت : ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها .. وسنه قد تجاوزت الخمسين .. هل تجاوزت سنك الخمسين يا أبا أحمد ؟
قال : أنت تعرف يا أخي كثرة انشغالي ومسؤولياتي
قلت : لن تكون أكثر انشغالاً ومسؤوليات من نبي الله صلى الله عليه وسلم ..
وهو يحمل رسالة اللـه الخاتمة إلى العالمين .. ولم يمنعه هذا أو يشغله عن مسابقة زوجه مرتين .
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت مع النبي في سفر ، وهي جارية ..
قالت : لم أحمل اللحم ولم أبدن ( أي لم تكن سمينة ) فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا ثم قال : تعالي أسابقك !
فسابقته ، فسبقته على رجليَّ .. فلما كان بعد . وفي رواية فسكت عني ، حتى إذا حملت اللحم ( أي سمنت ) وبدنت ونسيت ، خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه : تقدموا فتقدموا ، ثم قال ( تعالي أسابقك ) ونسيت الذي كان ، وقد حملت اللحم .
فقلت : كيف أسابقك يا رسول الله .. وأنا على هذه الحال ، فقال لتفعلن . فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك
وقال : هذه بتلك السبقة ) .
رواه أبو داود والنسائي وأحمد في المسند .
قال : صلى الله عليه وسلم .. ما أعظم خلقه ، كم نحن بعيدون عنه .
قلت : ولماذا لا نقترب منه وهو أسوتنا . ألم يقل لنا رب العزة جل شأنه " ولكم في رسول الله أسوة حسنة " ؟
قال : بلى .. ولكن أين أسابق زوجتي اليوم ؟ في الشارع ؟ أمام الناس ؟ أم في السفر ، كما فعل الرسول ..
قلت :
والسفر اليوم ما عاد مثل سفر الأمس البعيد ؟!
ألم تخرج مع زوجك وأولادك إلى خيمة نصبتها في البر .. بعيداً عن أعين الناس .. ؟ ألم تكن الفرصة مواتية لإجراء مثل هذه المسابقة ؟ ثم أريد أن
قال : مثل ماذا ؟
قلت : مثل مسابقة ثقافية تطرح فيها عليها أسئلة ، أو غيرها ..
فالغاية ليست نوع المسابقة .. إنما الغاية هي التواصل مع زوجتك .. في غير قضايا الحياة الجادة ومسؤولياتها .. لتضفي جواً من المرح والمودة على علاقتك بها ..
قال : يبدو أنني كنت غافلاً عن هذا كله .
قلت : كم تحادث زوجتك كل يوم ؟
قال : ( بعد تفكير قصير ) ربما ربع ساعة .. نصف ساعة أحياناً .. أنت تعلم مسؤوليات الشركة .