السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يقول لزوجه مناجياً :
ثمَّ رهبة تكاد تغمرني قبل أن أخوض في غمار المدافعة والمقارعة , ألا وهي أطياف ألم تجرعتها مراراً فلا تزال تراودني الكرة بعد الكرة , وأنا أقاومها إلى آخر قطرة من القوة التي أودعها الله بداخلي , ولا تتركني حتى أرتمي مطلّقاً لهذا الجهاز بما فيه , ذلك أنها تذكرني , بصروح تداعت بعد أن شيدتها , وسدود تحطمت بعد أن ردمتها , وعزائي قولٌ أردده إن لملمت شعثي , ونشطت إلى قوّتي :
وبرزت ليس سوى القميص عن الحشا شيء دفوع
ما سرت قط إلى القتال وكان من أملي الرجوع
شيم الأولى أنا منهم والأصل تتبعه الفروع
غضي الطرف وتجملي في الرد , وأحسني الظن , ولا تثربي فإني بشر , وإن تزينت بالكلام أو لحّنت القصائد بأصوات النحارير .
على شواطئ الكرم ترسو مراكب العز والنجدة , وإن كنت على يقين بأن التقوى خير زاد , ولكني لست بدعاً من قومٍ نشأت بينهم وتحملت ثقل النسبة إليهم , ولا غرو ففي الحديث " أنا ابن العواتك من سليم " وللحكيم أكثم " المناكح الكريمة مدرجة الشرف " , ومثله ما أنشده الرياشي يحدّث بنيه :
وأول إحساني إليكم تخيري لماجدة الأعراق بادٍ عفافها .
وعلى مثلك يغار النسيب الأريب , وتثور حميته حدباً وحباً , فأنت الزوج والسكن , وهكذا المرأة أياً كانت منزلتها منه هي بالمنزلة العلية والمقام الأسما ألا ترين إلى ليلى , لكلمتها " واذلاه " ثارت حميّة عمرو وأنشدها بعد أن انتصر لها في معلقته المشهورة :
على آثارنا بيضٍ حِسانٍ نحاذر أن تقسَّم أو تهونا
إذا لم نحمهن فلا بقينا لشيء بعدهن ولا حيينا
فأنعم وأكرم بك , أي نبيلة المحتد , وكريمة الطبع ومعين الشرف والسؤدد .
ما أوفقها من فرصة , و أثمنه من موقف , يوم أن يجد المرء بغيته , ثقي أنه لن يدخر جهداً في ردم السدود حولك حتى أحكم قبضتي , وأفوز بقلبك .
تعلمين أني لست كالملك الذي أمضى زمانه فجراً رخياً ناعماً , ولست كالشاعر الذي صار شعره لحن كل قلب , مدلّه بالجمال , مفتون بالفن , ولا بالفقير الذي غدت أيامه من العدم سود عوابس , ولا بالبخيل الذي صارت زوجته من قتره مسهدةً مذعورة .
لا عجب في أن تكوني من بنات حواء تجدين ما يجدن وتنشدين ما ينشد , وهل من بقية للفتاة إذا هي صدقت , إلا أن تعيش لبيتها وزوجها , الذي تنهل السعادة من نظراته وكلماته , لكي يستريح قلبها , وترى النور يضيء في عينيه فيشرق له قلبها , وترتسم على شفتيها بسمات بعرض حياتها معه , وتعيش بين يديه الرفيقة لتحس بحلاوة قبلاته وتسمع بأذنيها وسوسته الناعمة , وتجده عند حاجتها لتلقي بوجهها على صدره العريض ليغمرها بقلبه الكبير الخافق بالحب والحنان ....
وما دام حكمك علي أصبح ضربة لازب , فأرجو أن تعصبي ما أهمك من هذا الشأن برأسي , فربما تسلل هذا الطبع لواذاً إلى قلبي فكسروا سجفه , وأناخَ مطاياه بشغافه ,وأينعت ثماره على جوارحي , فخذي ما شئت من الحنان , وليكن بيدك أنت فقد أشرعت صدري , ولا تنتظري مني وقت حاجتك فقد تذهلني رسوم الأيام والليالي .
عاهديني على الوفاء وأيقني أني لن أشكو منك لأحد ما بقيت , كيف أتذمر منك وأنت سري الذي لن أبوح به لأحد سواك - إن عتبت عليك- , لا تتهاوني وعلى وجه السرعة في إرضائي بلهجتك الرقيقة العذبة , حتى إذا ما ارفضت تلكم التأوهات , أنست بقربك ورضيت عليك وأرضيتك , ما أكثر ما نتفق في أفكارنا , وطموحاتنا , وحتى أمانينا , ألا يكفي لتعجبك ذائقتي أني أنا من اخترتك , لما وقعت عيني عليك , نأتلف كثيراً , أفلا يكون ائتلافنا منطلقاً لاتفاقنا حول ما نختلف عليه ؟
لا تظني أن قلبي قد أقفر من الرحمة حتى أحرمك أو أظلمك ,ولكنه بحاجة منك لما يسعفه حتى لا يكون صلداً وأربأ به أن يكون كذلك .
وأعوذ بالله أن يأتي علي يوم أضيع فيه غريزة الحنان والرحمة لأجل غريزة حب الذات أو الانتقام , وأبشرك أن قلبي لا يزال حياً .
تذكري أن البعض من الناس هنا يذيعون المساوئ ويكتمون المحاسن -خوف العين- ليستمتعو بحياتهم , ويتفرجو على غيرهم وهم يدوكون في شأنهم , وقد غدت تلكم المشكلات ذكريات عفا عليها الزمن , وأذهلتهم عنها رسوم الأيام والأحداث .
إن المرء ليطوف ما يطوف في هذه الدنيا , ويستهم ما يستهم مع أهلها فيجد منهم عجباً , ما إن يروك حتى يضمروا لك السوء - إلا من رحم الله - وهمهم يتلمضون تلمض الأفاعي زرق العيون كأنها الحصى تحت الجحف , فكم ينكص المرء على عقبيه موتوراً يندب حاله , لتموت الدنيا في نفسه وتتلاشى شهواتها و يراها أحقر في عينه من الجيفه ,,, سبحان الله .
أسأل الله بمنّه وكرمه أن يخلع على أرواحنا سربالاً جديداً من الإيمان , نودع به ما أبلته الدنيا ومزقته الذنوب .
يا لله كم نحن مخدوعين بها حتى النخاعة , وإن كنا نعلم أنها سحابة صيف , أو خيال طيف , كما يقال :
أحلام نوم أو كظل زائل
إن اللبيب بمثلها لا يخدع
نسأل الله الا يجعلنا ممن كان أمره فرطاً قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته ففرط في السعادة الأبدية واستبدل بها أدنا ما يكون من لذة .
أريد أن أكتب أكثر لعلمي أن ما يصل في ثنايا الأسطر أكثر مما تفيده الجمل المكتوبة, ولكني لا أملك من الوقت ما يسعفني
أسأل الله لك ليلة رخية بمناجاة المولى
وطابت ليلتك بكل خير .