بعد صلاة المغرب أتصل عليَ، وقال أهلاً صديقي أريدكَ بحديثٍ خاص بعد صلاة العشاء، فهل من الممكن أن ألتقي بكَ؟
-قلت نعم، خير إن شاء الله؟
- قال لاشفتك علمتك.
قلت بأذن الله سأصلي في المسجد القريب من بيتك لتركب سيارتي، ونذهب لنتعشا معاً وأسمع لحديثك..
تنهد.. وقال مالي نفس أتعشى!
عرفتُ أن الأمر خطير، وقلت كما تحب.
أخذته بسيارتي وسكلت طريق الدائري أخذنا نمشي وجاء هذا الحوار:
أنا: مابكَ ياصديقي!؟
هو: والحزن يلفه،، وش مابي!!!
أنا: تفضل وتحدث فكلي آذان مستمعة لك.
هو: ياخي ليتني ماتزوجت!!
أنا: أستغفر ربك وش السالفة!؟
هو: زوجتي جابت لي الضغط والسكر!
أنا: ليه وش سوت لك!؟
بعدها راح يسرد عيوب زوجته، أنها ترفع لسانها عليه، وتخرج من دون أستأذان، وتمضي وقت طويل خارج البيت، ولا تعطيه بعض حقوقه الزوجية، قلت له وهل هناك عيوب أخرى تؤرقكَ في شخصيتها أو بتعاملها، قال هي أنسانة رائعة وذكية ومثقفة وجميلة، لكن تلك العيوب لايمكن أن أتحملها فأنا لستُ طفلاً لديها ولم أتزوج لأسمع أهاناتها وصراخها وعدم أعطائي بعض حقوقي، قلت له هذا ماتعاني منه فقطَ؟ قال نعم بالضبط، ولو سلمت من ذلكَ لكانت حياتي من أجمل مايكون، قلت له على مهلكَ ياصديقي فلكل مشكلة حل إن شاء الله، أوقفت سيارتي بجانب كشك القهوة طلبت كوبين من الموكا، وأكملنا المسير.
أعطيته بعض الأفكار والآراء في كيفية الحوار مع زوجته ومحاولة الوصول معها إلى أجواء جميلة، تبين لي أنه كان أحد أسباب ردود فعل زوجته وغضبها في بعض الأحيان، وعدم أستمتعها معه نظراً لبعض سلوكياته، طلبت منه أن يغير التعامل معها من أسلوب رد العفل المباشر إلى الهدوء ثم الحوار واستخدام بعض الكلمات اللطيفة الراقية التي تجعل قلبها يلين، قلت له ياصديقي الأنثى عادة تحتاج فقط إلى كلمات رقيقة تخرج من الأعماق فتذوب بين يديكَ كقطعة ثلج في الظهيرة، وتصبح معكَ كالصلصال الذي بين يديك تتحكم به كيف تشاء.
مر شهرين، وكان قد أتصل بي ونفسيته رائعة جداً، وقال هل من الممكن أن نتقابل غداّ؟ قلت نعم سيكون يوماً سعيد ذلكَ الذي ألقاكَ فيه، قال لي سآتي إلى بيتك وأركبك معي بسيارتي، أجبته بأني في أنتظاره...
ركبت معه والأبتسامة قد ملئت شفتيه، كان يتحدث بأريحية وهدوء وحماس وابتسامة لا تفارقه عن مشروع نجح فيه، وحين انتهى قلت له لم تخبرني بما حدث بينكَ وبين زوجتك؟ نظر لي وعيوناه قد أغرورقت بالسعادة، آه ياصديقي إننا كالسمن على عسل ، أيامنا من أجمل ماتكون بعد أن تفاهمنا وأصبحنا زوجين يشعر كلانا بالانجذاب صوب الأخر، كانت لكلماتكَ السابقة لي ونصائحكَ وقوداً أستمد منه يومي فينعكس ذلكَ على أثر حديثي مع زوجتي، أصبحت لاتخرج كثيراً من البيت وإذا خرجت فهي تخرج مضطرة بعد الأستئذان مني، بل وتحث الخطى لتستعجل العودة إلى حظني، وأصبحت تعطيني حقوقي وزيادة، أسترسل الرجل بحديثة وكأنه يصف لي جنة ملئها الجمال وتدفقت عليها الأنهار العذبة من كل مكان، قلتُ له مبتسماً: ماشاء الله تبارك الله، وهل تريد الآن أكثر من ذلك؟ قال لا يكفي أني بعز وسعادة وهذه نعمة لا أريد سواها، فزوجتي من أجمل مايكون، وأشعر أني أسعد زوج في الدنيا، ذهبنا لمطعم عمو حمزة وتناولنا بعض من السمك والربيان، أنتهت تلك الليلة، ومضى لزوجته بينما أنا مضيت لأتصفح بعض مواقع الأنترنت التي أعشق أرتيادها.
غاب صاحبي فجأة وكنتُ أتساءل أين هوَ، ولماذا أنقطع فجأة!! وأين أتصالته التي لا تتوقف عن هاتفي، ولماذا لا يرد حينما كنتُ أبادر بالأتصال عليه، تركته على حاله، وهذا طبع لا أعلم أهو مناسب أم لا، حين يذهب الآخرون فإني لا أصر على المطاردة خلفهم، يكفي أني حاولت التواصل معه لكن لا مجيب.
مرت أربع شهور، وكنتٌ قد دُعيتُ لجلسة في أحدى الأستراحات لأحد الأصدقاء الأعزاء، بينما كنتُ جالسٌ في تلك الأستراحة، فجأة دخل علي صديقي الغائب، جاء إليّ مقبلاً ولمني في الأحضان، نظرت إليه نظر المعاتب، بل كانت نظرة المظلوم، قلت ياصديقي أينَ أنتَ وأين تلك الأتصالات التي تصبح وتمسي دائماً على جوالي وتلك الرسائل التي لاتتوقف، قال لي لا تستعجل بالحكم، فقد فقدت جوالي بعد يومين من آخر لقاء لي بكَ، وكانت فيه جميع أرقام كل من أعرف، وبعدها بأسبوع جاءتني دورة أجبارية خارج السعودية، وكنتُ دائماً أبحث عن وسيلة علها تربطني بك، قلتُ خيراً إن شاء الله، فمادام أن ذلك هو السبب فلا تثريبَ عليك.
أخذتنا الأحاديث في كل صوب، تناولنا شيئاً من السياسة والرياضة والتربية والثقافة، وفي أثناء حديثنا تحدث صاحب الأستراحة أنه يبحث عن زوجه، فجأة قفز صديقي الغائب الحاضر كالعجوز التي صكت وجهها فقال: تبي رأيي !!؟ أبعد عن الزواج!!!! بوهلة نظرة إليه ورديت بصري صوب محجري وأخذتني الأفكار كعاصفة هوجاء ومر علي شريط الذكريات معه كبرق بين عيناي، كنتُ أتساءل يالله مالذي يجرى لهذا الرجل! ألم يقل لي قبل أربعة أشهر أنه يعيش في جنة زوجية، قطع حبال تلك الأفكار السريعة صوته وقال مبرراً لصديقنا صاحب الأستراحة، إن الزواج تعب وشقى الزوجة ماتبيك تطلع، وطلباتها كثيرة، وهمها أني أكون قريب منها، ولا طلعت للسوق معها تقول أنت ماغير تناظر البنات، ولو تأخرت عن البيت تقول وين رايح وإيش مسوي، وأردف يقول لصاحب الأستراحة ياخي مالك مال الزواج عيش حريتك وخلك من وجع الراس، كنتُ صامتاً حينها بل كنتُ أحاول الأنشغال من خلال العبث بجوالي.
أنتهت تلك الجلسة ودعنا بعضنا، وبينما كنتُ أركب سيارتي جاءني صديقي وراح يكرر الأعتذار عن غيابه وعدم تواصله وأن السبل جميعها تقطعت، أجبته ياصديقي أنتهى ماسلف والأهم أنكَ بصحة وعافية، قلت له بالمناسبة الآن الساعة الحادية عشرة مساء، مارأيك أن تركب معي أريد أن أستلم ثيابي من الخياط قبل أن تصل الثانية عشر ليلاً حيث يغلق المحل، ركبَ الصديق معي وأثناء طريقنا، قلت له ياصديقي مابالكَ تذم الزواج!؟ وتقول أن زوجتكَ أصبحت وكأنها نكدية، ألم تكن تقول لي قبل شهور قليلة أنكَ تشعر أنكَ معها كأجمل زوجين في هذه الدنيا!؟ هل قصرت بحقكَ أو رجعت لعاداتها القديمة وصارت تخرج من دون أستأذن وترفع صوتها عليك ولا تعطيكَ حقكَ الشرعي!؟ قال لا بالعكس لم تقصر أبداً، ولكني حين أتأخر بالرجوع للبيت تعاتبني كثيراً وأنا لا أحب من يكثر النقاش معي، وحين أمشي في السوق وعيني في صوب آخر من السوق تتهمني بأني أنظر إلى النساء، وأنها أيضاً تحب كثرة الحديث معي في كل صغيرة وكبيرة وأنا رجل لا أحب أن أتحدث كثيراً، أجبته بأن من حقها كزوجة ألا تتأخر عليها، فمن محبتها لكَ كان عتابها، أما السوق فأنا أعرفكَ ياصاحبي جيداً حين تمر أمامكَ المرأة لا تكاد تكف نظركَ عنها، ربما ياصديقي لا تلاحظ نفسكَ ولكن أي أنسان يستطيع ملاحظة ذلك، فما بالكَ بزوجتك، أما الحديث معها فساعة وساعة وحاول أن تحاورها وتنصت لها وتبادلها الحديث، في الوقت نفسه حين تكون مشغولاً منهمكاً في عمل أو قراءة أخبرها بأنكَ تريد أجواء هادئة، بالتأكيد ستستجيب، صمتَ صديقي لدقيقة وكأن شيئاً من تأنيب الضمير يعاتبه، قال معك حق وسأحاول أن أعمل بما نصحتني به.
بعد شهر بالتمام خرجت مع صديقي في أحدى المنتزهات، وبينما كنا نحتسي الشاي، قال لي تصدق أني أدعي لك كل يوم! قلت مبتسماً جزاك الله خير بس وش دافع هذا الدعاء، قال بعد تلك الليلة التي نصحتني بها أصبحت لا أتأخر على زوجتي وكنت أرى السعادة تشع من عينيها حين آتي كل يوم مبكراً، كنتٌ أشعر بذلك الأمان يسري بجسدها وهي تحتظني وكأنها تقولي لي أرجوك لا تتأخر أبداً وكن كما أنت هكذا، بالنسبة لي حمدت الله وشكرته على أن كنتُ سبباً في خلق سعادة أحدهم، وحين أنتهى نغزته في خاصرته وقلت له: هاه والبنات اللي بالسوق إلى اللحين قاعد تغزغز عليهم بعيونك، قال لا والله حتى أني أصبحت لا أذهب للسوق مع زوجتي، وكنت أقول لها ياحبيبتي أخشى أن تقع عيني على عيون أحداهن فيؤذيكَ ذلك، يالله لو تدرك مدى حجم سعادة زوجي وفرحها حين لمست ذلك التغيير في داخلي، كأنها أسعد النساء، قلتُ وماذا عن حديثها، أخذ بيدي وقال تصدق أني تفاهمت معها بهالموضوع؟ قلت كيف قل لي!؟ قال قلت لها سأجعل العصر كله لكِ نتحدث فيه بكل مانشاء ونحن نتناول القهوة والشاي، بينما المغرب أريد أن أتصفح الأنترنت أو أقرأ بعض الكتب فياليتكِ ياحبيتي ألا تحدثيني وقتها أو تقاطعينني لأني حين أقرأ لا أحب أن يقاطعني أحد، وأتفقنا على ذلك ورضينا به، بل أصبحت حياتنا مرتبة على نحو متميز.
أصبحت أقابل صديقي كل أسبوع وكانا قد سافرنا إلى مكة المكرمة معاً، كانت أياماً جميلة تلك التي قضيتها معه، كان إنساناً رائعاً هادئاً متفهماً مطيعا، وفي أحد الأيام أتصلت عليه وقلت أن صديقنا صاحب الأستراحة سيتزوج بعد أسبوع وقد أكد علي بأن أتصل عليكَ وأخبرك بموعد زواجه كي تحضره وسأكون أنا من بين الحضور إن شاء الله، وبالمناسبة ما رأيكَ أن نذهب معاً، قال لي وهو كذلك، سأراكَ يوم الخميس القادم وسنصلي وقت العشاء بالمسجد القريب من بيتهم.
حظرنا الزواج سلمنا على صاحبنا، دعونا له بالسعادة والبركة في حياته الزوجية، ذهبنا إلى العشاء، وبعد أن أنتهينا من الأكل أخذنا أحدى زوايا قاعة الأفراح مع أحد أصدقائه الذي لا أعرفه، عرفني به وكعادتنا تحدثنا عن بعض الأوضاع الأقتصادية التي يعاني منها البلد وعن مشاكل البطالة التي قد تنخر في جسد المجتمع بل والدولة، كل منا يبحث عن أسبابها، صديقي يوعزها إلى سوء التخطيط، بينما الآخر إلى أنتشار الفساد، بينما كنتُ مستمعاً ولم أشارك لأني كنتٌ ولا أزال مؤمناً أن الشق أكبر من الرقعة أو أن القربة منشقة من عند كل جهة، أنتقلنا إلى المستوى الشخصي وكنا نتحدث عن أفضل وأسوأ قرار أتخذه كلاً منا بحياتنا، قلتً مالدي وذكر صاحب صديقي مالديه، وحين جاء الدور على صاحبي قال إن أفضل قرار له كان مساهمته في مشروع مالي در عليه أرباح كثيرة، قال له صديقه وماذا عن أسوأ قرار، قال أسوأ قرار أتخذته هو تلك الساعة التي قررت فيها أن أتزوج، نزل علي حديثه كالصاعقة إذ كيف بصديقي الذي يردد في الأيام الماضية أنه يملك زوجة رائعة فلا يكاد ينقصها شيء، صمتُ وقلت لا بد أن ماوراء الأكمة ماوراءها، أخذت الحديث وأنحرفت بمساره بعيداً عن موضوع الزواج، وتحدثنا عن مواضيع مختلفة.
ودعنا صاحب صديقي، وحين قام من مقامه أقتربت من صديقي ومسكت بيده وقلت له مابكَ يارجل تسب الزواج وتعتبره أسوأ قرار في حياتكَ؟ هل أنتَ تمزح أم جاد في حديثك، أخذ يميل بشفته السلفى ببطئ وكأنه يحمله فوقها أطنان من الحديد، قال ياخي كل يوم وأنا متهاوش مع زوجتي، قلت له أسألك بالله قلي أين السبب!؟ قال مليت من الحياة معها مافيه جديد، كل صغيرة وكبيرة أتهاوش معها، لو نقصت بس شوي من السكر في الشاي نطيت فيها، ولو زاد وزنها نصف كيلو لهزأتها، وحين أصحو من النوم وأراها نائمة أصرخ بها وأقول لها قومي يكفي نوم، وحين تكنس الأرض وأرى شيئاً يسيراً لم تنظفه أقول لها يابنت الناس أنتي ماتعرفين تنظفين! وحين لا تسرح شعرها بالطريقة التي أريدها أنتقد تسريحتها وأسخر منها، بينما أنا أستمع إليه وريقي قد نشف من حججه الواهية، أخذت قارورة الماء التي أمامي وشربة رشفة منها، وقلت هل كانت على تصرفاتها السابقة تلك التي حكيتها لي في بداية مشوارك بالزواج، رد علي بسرعة لا لا لا بالعكس هي تحاول أرضائي بكل ماتملك، قلتُ إذاً ياصديقي المشكلة فيكَ وليست فيها، إنكَ بالطريقة تلك تظلمها ظلماً كبيراً، إنكَ لا ترى جمالياتها وروعتها لأنكَ ألفتَ ذلك، ألم تذكر يا أخي حين كنتَ تقول لي أنكَ تعيش معها في جنة!؟، ألا تذكر حين قلت لي أنك تشعر أنكَ معها أفضل أسعد زوجٍ بالدنيا!؟ ياصديقي هي لم تتغير، ولم تتجه إلى الأسوأ بل تقوم كل يوم برضاك، وتحاول بكل جهدها أن تبذل مابوسعها لتسعدك، وبعد أن أعتدتَ على ذلك، أصبحت تضجر من كل حركة صغيرة حتى ولو كانت من غير قصد، هل لأنكَ أعتدت على خدماتها وماتقوم به وعلى عطائها، أصبحت َ بحكم الأعتياد لا ترى تلك الجماليات التي كنتَ تقول عنها وترددها دائماً لي وتحمد ربكَ أن وهبكَ إياها، ألا ترى أن أكثر البشر حين يرون من يقبل عليهم ويحبهم يتلذذون باستعباده!؟ هل يتمتع الأنسان بتعذيب من يحبه بل ويبحث عن كل حبة ليصنعَ منها قُبلة!؟ بل تصنع من تلك الصغائر ذنوباً عظيمة حتى تصور لكَ أن زوجتكَ أسوأ النساء وأن حظكَ لو كان مع أنثى أخرى لكان جميلاً، أليس ذلكَ ظلماً صارخاً ياصديقي!؟
هذه القصة ليست حقيقية إنما من وحي الخيال، وأحداثها كثيراً ماتقع عند كثيراً، أبطالها ذكور وضحاياها نساء ، أحياناً يظلم الرجل من تحت يده، ويضيق بها ذرعاً، ولا يدرك أنه يظلمها بل ويظلم نفسه من قبلها، وذلك هو الظلم الذي لايراه. وقد يراه بعد أن يفيق.