في أول أيامي بأمريكا لجأت إلى عائلة لأسكن لديهم كما يعرف بـ(home stay) ومن توفيق الله أن كانت العائلة مميزة جداً، ولديهم انفتاح كبير وتقبل للأخر بالإضافة إلى أنهم أصحاب سفر لعوالم متعددة منها العالم الإسلامي، ولديهم خلفية جيدة عن الإسلام وهم أصحاب أفق مفتوح وعقل حواري، أتحاور معهم وبالذات والدتهم حول مفاهيم وأفكار وعادات ومواقف متنوعة، منها في أمور العلاقة الزوجية.
ذات يوم وبينما كنتُ مضطجعاً على الأريكة وكانت الأم تشاهد التلفاز، فجأة نادى زوج المرأة زوجته بأن تصنع له كوباً من الشاي فقامت وفعلت وعادت لمكانها، أغلقت التلفاز وكالعادة فتحنا موضوعاً عن العلاقة بين الرجل والمرأة أو الزوج والزوجة في المجتمع الغربي، وقالت هذا الموقف الذي شاهدته من أمر زوجي لي بأن أصنع له كأساً من الشاي يكاد يندر أن تجده في بيت أمريكي آخر، فلو صوّت أحداً لزوجته بأن تصنع له كوباً من الشاي لآتاه الرفض سريعاً بأن يقوم بنفسه ويصنع ذلك فهي ليست خادمة له في منزله، وإلى حدٍ كبير فإن هذا مقبول أو معقول، إلا إذا استثنينا بعض المواقف كأن تتلذذ المرأة بخدمة زوجها ولا تعتبر ذلك خضوعا في شيء لاتريده أو هي راضية ولا تتضايق من ذلك.
ذات يوم كنتُ أتحدث مع ذات المرأة عن الأسباب التي تدعو كثير من الشباب الأمريكيين إلى الزواج من أجنبيات من ثقافات غير غربية وبالذات آسيوية، جاء جوابها مباشراً أن تلك النساء خاضعات للرجل وأن الرجل الأمريكي يفضل المرأة التي تسمع كلامه وتطيعه وتقوم بخدمته.
في يوم آخر قابلت أمريكي وقد ارتبط بتركية، وسألت عن حالهم فقال رأيت الجنة معها، قلتُ مالذي حدث، قال إنها مرتبة وتسمع لكلامي وتصنع لي الفطور وتهتم بملابسي، لقد أصبحت وكأني ملك.
في أحد الأيام أيضاً قابلت أحد أبناء معلمتي، ودار بيننا حديث حول العلاقة الزوجية ومايتعلق بها، وكان هذا الشباب قد انفصل من عشيقته، وهو يبحث عن عشيقة جديدة، قلت له أرض أمريكا ملئت من البنات فلماذا لاتختار أحداهن، أجاب بأنه لايفضل الأمريكيات فهن مستقلات بشكل كبير، وهو يفضل أجنبية تتيح له أن يدير البيت بنفسه لا بطريقة أنا وأنت متناظرين.
في أمريكا أكثر من نصف الزوجات تنتهي بطلاق، والسبب هو التصادم بين طبيعة الرجل الإدارية للبيت وبين رفض المرأة الإيمان بهذه الفكرة لأن علاقتهما كما يعتقدن تناظرية وآلية.
لم تكن القوامة للرجل حين جاء بها الإسلام تحيزاً للرجل على حساب الأنثى، إنما جاء بها الربُ عزّ وجلّ نظراً لقدرات الرجل وطبيعته التكوينية بالقوامة والإدارة، بينما المرأة في قدراتها المتعددة وخاصة التربوية وغالباً مايكون ذلك حول محيط البيت، فالعلاقة بينهما ليست تناظرية أو تفاضلية إنما تكاملية، وهي لا تعني تسلط الرجل إنما إدارته وهي وترتيبات بين الذكر والأنثى، فالجميع عليه واجبات والجميع له حقوق، وبالتالي جاء توزيع الأدوار بناء على الطبيعة التكوينية لكل منهما، ولا يعني كون الرجل قائماً بالإدارة أو القوامة أنه أفضل من المرأة.
لأن الطبيعة البشرية لكل الجنسين لاتتسق مع مبدأ التناظر أو المقابلة كما هو الحال في الغرب وكما تناظل من أجله المرأة الغربية فإن هذا أدى إلى أن يبحث الشاب الأمريكي عن أجنبية تحملن ثقافة الطبيعة التكوينية للمرأة، وحين يجدها ذلك الرجل فإنه يعيش حياة سعيدة ومستقر، أو أن كثير من العلاقات الزوجية بين الأمريكان أنفسهم تنتهي بالفشل لغياب مفهوم القوامة ومحاولة الاتجاه عكس الطبيعة الخلقية لكلا الطرفين.
إن المفهوم الحق هو ماجاء به الإسلام من توزيع الأدوار بين الزوجين، وهذا لايعني السماح للرجل بمارسة أدارته وقوامته إلى أسلوب تسلطي يجعل من المرأة خادمة له، فهذا الأسلوب والذي نجده أحياناً في مجتمعنا لاعلاقة له بالمفهوم الإسلامي للقوامة والإدارة للبيت، إننا بحاجة إلى أن نفهم معنى القوامة وماهي حقوق المرأة وما لها وماعليها، وماهي حقوقنا نحن الرجال ومالنا وماعلينا، إننا بحاجة إلى أن نكون إداريون لا متسلطون، فمصطح الإدارة ليس هو الذي يعبر عن الأوامر بالأسلوب السلبي، إنما هو القيادة والاستشارة والمشاركة في صنع القرار، إن الإداري الحقيقي هو الذي ينظر إلى المؤسسة مهما كان نوعها أو بنائها دون أن يلقي الأوامر إنه يعطي لمسات خفيفة جداً تسير بها حياة من تحته.