الإخوة الفضلاء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد : أحببت أن أتحفكم بهذا الكتاب المبارك لمحمد رشيد العويد وفقه الله .
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
الحمد لله تعالى في الأولى والآخرة، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى الذي كان بحق أفضل الأزواج، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لقد ترددت كثيرا في كتابة هذه الرسائل إلى الزوجة التي قد تمتنع من زوجها،أو تبطئ عليه، خشية أن لا يرضى بعض الإخوة عن الكتابة في هذا الأمر، لما قد يرون فيه من منافاة للحياء .
لكني أقول مطمئنا بعون الله؛ إني لم أكتب ما فيه خروج على الدين والخلق والحياء. ولم يتعد عملي حثا للزوجة على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمرها أن تستجيب لزوجها إذا دعاها لحاجته. تماما كما نحث المسلمة على التزام ما أمرها به الله ورسوله في ارتداء اللباس الإسلامي السابغ الساتر؛ على سبيل المثال. إن كثيرات من الزوجات لا يكترثن بعصيانهن أزواجهن في هذا الشأن؛ ولا يرين في هذا العصيان حرجا؛ على الرغم من أنه مجلبة للعنة الله والملائكة ! واللعنة كما تعلمون هي الطرد من رحمة الله تعالى! أفلا يستحق هذا تنبيه الزوجات وتحذيرهن من ذاك العصيان !؟
حدثني صديق أنه اصطحب والدته وزوجته إلى درس في أحد المساجد، وكان موضوع الدرس عن الوعيد الشديد للزوجة التي تمتنع من زوجها، وما ينالها من غضب الله تعالى، ومن لعنة ملائكته عليها. ثم حدثت الزوجة زوجها أن والدته قالت لها وهما خارجتان من المسجد: يبدو أني كسبت إثما كثيرا. يا ويلي !
هذه الحادثة، مع طرافتها، تشير إلى جهل كثيرات من الزوجات المسلمات بفداحة امتناعهن من أزواجهن، على الرغم من تدينهن وكثرة صلاتهن وصيامهن .
وحدثني صديق آخر، أنه إذا دعا زوجته إلى فراشه.. انصرفت عنه إلى قراءة القرآن والقيام وهي تستنكر عليه أن تترك كتاب الله تعالى من أجل أن تلبي له شهوته !
لقد حاولت في هذه الرسائل أن أناقش الزوجة المسلمة، في ما تقدمه من أعذار وحجج؛ تبرر بها امتناعها من زوجها، مفنداً هذه الحجج وتلك الأعذار جميعها .. ما وفقني الله إلى ذلك وأعانني عليه .
اللهم اشرح صدورنا لطاعتك ، واتباع سنة نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وأصلحنا لأزواجنا ، وأصلح أزواجنا لنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
محمد رشيد العويد
1420هـ- 2000م
إنها تنقص وزنك
هل يمكن أن يكون مستقراً في ذهن الزوجة أن معاشرة زوجها لها سبب من أسباب زيادة وزنها ؟
ربما نتج هذا الظن بسبب ملاحظة زيادة وزن النساء بعد الزواج .
الأطباء ينفون هذا تماماً، ويؤكدون أن العكس منه هو الصحيح ؛ أي أن المعاشرة الزوجية تساعد على إنقاص الوزن بسبب ما تحرقه من سعرات حرارية. يقدر العلماء بأن الجسم يفقد ستة آلاف وحدة حرارية خلال دقيقة من المعاشرة الجنسية وذلك في المرحلة التي يبلغ فيها أحد الزوجين الرعشة. أما المرحلة التي تسبق الرعشة أو تتلوها فإن الجسم يفقد أربعة آلاف وحدة حرارية في الدقيقة. ويذكر العالمان الأميركيان هيليوشين وغرايدمان أن مجموع الطاقة الحرارية التي تبذل خلال المعاشرة الزوجية الواحدة تتراوح بين 50 إلى 75 ألف وحدة حرارية. وهذا يعادل ما يفقده من يمشي أو يجري مسافة تتراوح بين خمسة وسبعة أميال .
وقدرت قيمة النقص في الوزن خلال عام، إذا كانت الزوجة تقوم بمعاشرة زوجها كل ليلة، بين ستة وتسعة كيلوغرامات .
ولعل زوجة تسأل: إذن؛ فما سبب زيادة أوزان النساء بعد الزواج ؟
إن زيادة أوزان النساء ، بعض النساء ، بعد الزواج ترجع إلى :
1. الركون إلى الكسل وقلة الحركة.
2. النهم في التهام الطعام وبخاصة الحلويات والأطعمة الدسمة.
3. الحمل والولادة المتكرران.
4. تعاطي أقراص منع الحمل.
ولعل هذا التصور الجديد الصحيح يجعلك أقل نفوراً من المعاشرة، وأكثر رغبة فيها.
وهكذا، أختي الزوجة، إذا كان ذاك التصور الخاطئ قد استقر في ذهنك؛ فإن عليك الآن أن تصحيحه، وأن تستبدلي به تصوراً صحيحاً جديداً هو أن المعاشرة الزوجية تعادل المشي أو الجري مسافة تعادل ما بين خمسة وسبعة أميال، أي حوالي عشرة كيلومترات .
لماذا أراد أحمد أن يتزوج على هالة؟
سرى الخبر سريان النار في الهشيم:أحمد يريد أن يتزوج على زوجته هالة.وتتابعت الاحتجاجات
(ليس له حق..لم تقصر معه في شيء))-((... لن يجد أجمل منها.. كيف يتزوج عليها وهي الجوهرة الفاتنة؟!)) - ((إنها سيدة بيت ممتازة.. كلهم يثنون على حسن ترتيب منزلها ونظافته))- ((طاهية درجة أولى.. كل من ذاق طعامها تحدث به..))- ((أيتزوج على هالة ذات الحسب والنسب التي كان يتمناها كل شاب من أقاربها؟! ))- ((إنه والله يظلمها.. لم تغلط معه.. ما أعذب لسانها وأرق كلماتها))-((.. حتى أولادها أحسن أولاد.. ربتهم أحسن تربية.. )). قلت في نفسي: فعلاً ليس لك حق يا أحمد! إذا كانت هذه الصفات الحسنة قد اجتمعت في زوجتك حقاً.. فأنت في غنى عن الزواج بأخرى.
ربما بين كل مليون زوجة يجد المرء زوجة قد اجتمع فيها مثل ما اجتمع في زوجتك من خصال حسنة وأخلاق حميدة.. إنه عدم وفاء يا أحمد.
صرت أردد هذه الخواطر على لساني من شدة تفاعلي بها؛ حتى خشيت أن يحسب الناس الذين أسير بينهم في الشارع أنني أكلم نفسي.
لهذا عزمت على لقاء أحمد ومواجهته بهذه الخواطر.. فقد أكون ظالماً له إذا لم أسمع منه دفاعه عن نفسه.
حين صرت في بيته، فاتحته بما في نفسي من غير مقدمات، وسألته عن حقيقة نيته الزواج من أخرى؟ قال : ما زالت نية على أي حال .
قال : وماذا اجتمع فيها؟
قلت : أتتزوج أخرى.. وقد اجتمع في زوجتك ما لم يجتمع في مئات الآلاف غيرها؟
قلت : سمعت الكثير.
قال : مثلاً؟
قلت : اسمح لي ولا تؤاخذني: تقول النسوة إنها فائقة الجمال.
قال : وماذا يعني هذا.. إننا نشاهد عشرات الحسناوات كل يوم على شاشة التلفزيون.
قلت : ويقولون إنها سيدة بيت ممتازة.. وبيتكم من أرتب البيوت وأنظفها..
قال : خادمة بثلاثين ديناراً شهرياً تجعل البيت من أنظف البيوت وأجملها. (ضقت برهة أتأمل في إجاباته)
قطع صمتي على الفور قائلاً : ماذا غير هذا ؟ قل.
قلت : وأنها طاهية ماهرة.. تطهو لك أطيب الطعام..
قال : قم معي لآخذك إلى مطاعم تقدم لك أكلات لم تذق مثلها في حياتك!
قلت :.. وتحدثوا عن عذوبة لسانها ورقة حديثها..
قال : سكرتيرتي في العمل أعذب لساناً منها وأرق حديثاً.
قلت : ولكن ..
قال : ماذا بقي عندك من صفات حسنة؟
ليتذكرن دائماً أن الغريزة الجنسية أقوى الغرائز عند الرجل، وهي دافعه الأول إلى الزواج، وإلى تكراره من أخرى إن لم تلبه الأولى كما أمر الإسلام وأكد.
قال : أغلب النساء يحسن تربية أولادهن.
قلت (وقد فطنت إلى ما أفحمه به) : ما دام الحال كما تقول.. فلماذا تريد الزواج من غيرها؟ ما دام في زوجتك كل هذه الصفات مجتمعة.. فأنت لا تفتقد فيها شيئاً حتى تبحث عنه عند غيرها!
قال بحدة ظاهرة على الفور : ومن قال إني لا أفتقد عندها شيئاً!
قلت بفرح من وصل إلى شيء ظل يبحث عنه زمناً : هذا ما أردت معرفته منك. قال: أو تريد معرفته ؟
قلت : بكل تأكيد.
قال : إنه الذي يدفعنا أساساً إلى الزواج .
قلت : غريزة الجنس؟
قال : وهل غيرها !
قلت : تعني أن زوجتك .. (وسكت إذ لم أجد عبارة مناسبة).
قال : أجل.. زوجتي باتت تكره المعاشرة.. ترفضها كثيراً.. تنصرف عنها إلى بيتها وأولادها.
قلت : أراك على حق.
قال : بالله عليك مَن مِن العزاب الشباب يتزوج من أجل أن يأكل طعاماً طيباً وأمه تطبخ له أطيب ما يحب ؟! ومن منهم يتزوج لأنه يبحث عمن يغسل له ثيابه أو يكويها وفي البلد عشرات المصابغ تفعل هذا؟ لنكن واقعيين وصرحاء..
إن الدافع الأول والأساس والهام لزواجهم هو إعفاف النفس بتلبية هذه الغريزة الجامحة... ألست معي في هذا وتوافقني عليه ؟
قلت: بلى.. بلى. أنا معك فيه وأوافقك عليه الموافقة التامة.
اختي الزوجة..
لعل هذا الحوار مع ذاك الزوج قد أوضح لك حقيقة معاناة كثير من الأزواج الذين تمتنع منهم زوجاتهم، ويهملن في الاستجابة إليهم، وينشغلن بالبيت والأطفال وغيرهم انشغالاً يزيد عن الحد، ويكون كثيراً على حساب تلبية حاجة أساسية وهامة لدى الزوج الذي يضيق، مع الأيام، بانصراف زوجته عنه، وإهمالها له، فيتكرر التفكير عنده بحل متاح أمامه.. وهو الزواج من أخرى.
إن تربية الأولاد والعناية بهم، وطبخ الطعام الطيب، وترتيب البيت والاهتمام به، جميعها أمور هامة لا بد منها، ولكن أهميتها تأتي بعد أهمية تلبية حاجة الزوج إلى إعفاف نفسه.
فلتنتبه الزوجات إلى هذا، وليضعنه في اعتبارهن، ولا ينشغلن عنه، إذا أحببن ألا يفكر أزواجهن في الزواج من ثانية.
قلت : ذكروا أنها ربت أولادكما فأحسنت التربية .
هل يذهب بكرامتك؟
- الجنس غريزة مثل غريزة الجوع وغريزة الخوف.
- طاعة الله لا تذهب بالكرامة.. بل تجلبها.
- الزوج مأمور بإعفاف زوجته كما هي مأمورة بتلبيته.
من الأعذار التي تطلقها الزوجة مبررة بها امتناعها من زوجها: الكرامة. إنها ترى استجابتها المتكررة لزوجها كلما دعاها إلى المعاشرة تذهب بكرامتها، وتنال من إنسانيتها .
والرد على هذا في ما يلي:
أ- الجنس غريزة مثل سائر الغرائز. مثل غريزة الجوع وغريزة الخوف وغريزة العطش. وتلبية أي غريزة منها، عن طريق شرعي، لا ينافى الكرامة ولا يذهب بها، ولا يتعارض مع الإنسانية ولا يلغيها .
فحين يدعوك زوجك إلى إعداد الطعام له ثلاث مرات في اليوم، فإنه يلبي غريزة الجوع فيه. وأنت لا تجدين في إعدادك هذا الطعام، أكثر من مرة في اليوم، ذهاباً بكرامتك أو إلغاء لإنسانيتك .
وكذلك الحال حين يطلب منك كأس ماء، أو عصير، ليروي به عطشه، ويطفئ ظمأه .
الجنس إذن،
اختي الزوجة، غريزة من الغرائز، بل هي من أقوى الغرائز، وتلبيتها عن طريق شرعي، لا ينفي الكرامة ولا يلغي الإنسانية .
ب- لو وجدنا إنساناً يسجد لإنسان آخر لحكمنا على الفور بأن الإنسان الساجد مهدور الكرامة .
لكن، لو كان هذا السجود طاعة لله رب العالمين؛ فإن كرامة هذا الساجد، ولو كانت لإنسان آخر، محفوظة مصانة
وليست مهدورة .
لقد سجد الملائكة لآدم عليه السلام، وسجد القوم ليوسف عليه السلام:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً } (يوسف: 100). ويريد رؤياه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له حين كان صغيراً { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } (يوسف: 4) .
وعلى الرغم من أن السجود ما عاد في شريعتنا إلا لله رب العالمين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنه لو كان لأحد أن يسجد لغير الله لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها. ولم يكن للزوجة- لو أمرت بهذا السجود- أن تجد فيه ذهاباً لكرامتها.. لأنها تطيع به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أردت بهذا أن أبين أن تلبية الزوجة لطلب زوجها معاشرتها لا يذهب بكرامتها وإنسانيتها ما دامت تطيع الله ورسوله بهذه التلبية.
إنه مستقر في إيمانها أن طاعتها زوجها في هذا الشأن (مثل طاعتها له في غيره من الشؤون) إنما هو أيضا طاعة لربها سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. هذا الإيمان يصرف عنها وسوسة إبليس لها؟ بأن تلبيتها زوجها؟ إذا دعاها إلى معاشرته، تذهب بكرامتها، وتلغي إنسانيتها .
ج - كما يأمر الإسلام الزوجة طاعة زوجها إذا دعاها إلى فراشه، فإنه يأمر الزوج أن يعف زوجته؛ حتى إنها تستطيع أن ترفع أمرها إلى القاضي، وتطلب منه أن يطلقها من زوجها إذا كان عنيناً (عاجزاً أو ضعيفاً جنسياً) .
فالإسلام لا يحرص على إرواء شهوة الزوج وحده، بل على إرواء شهوة الزوجة أيضاً؛ ففي عفافهما معاً حفظ للمجتمع من الزنا والفساد بمختلف أشكاله وألوانه. ومن هنا فإن دعوى الذهاب بالكرامة، كرامة الزوجة، دعوى غير منطقية، وغير مقبولة، لأنه من حق الزوجة أن تستمتع بزوجها في مقابل حقه أن يستمتع بها .