القرآن ربيع القلب ونور الصدر وجلاء الحزن ومذهب الهم والغم, ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا).
بقدر ما نقترب منه (تلاوة وتدبراً وعملاً) ننال من بركاته وبقدر ما ننأى ونبعد عنه تحيط بنا الهموم والغموم فيضيق الصدر ويخيم علينا الحزن.
فقلي بربك يا أخي كيف حالك مع القرآن وماهو حظك منه؟.
هل لك ورد يومي تقرأه وتحافظ عليه؟
قال تعالى {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور* ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور}.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة, ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو) الحديث.
وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
وعند الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة, والحسنة بعشر أمثالها, لا أقول "ألم" حرف, بل ألف حرف, ولام حرف, وميم حرف).
وقد كان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه, فبعضهم يختم القرآن في كل شهرين ختمة وبعضهم في كل شهر مرة وبعضهم في كل عشر ليال مرة وبعضهم في كل ثمان, وأكثرهم في كل سبع ليال مرة وبعضهم في خمس وبعضهم في ثلاث وبعضهم في كل يوم مرة وبعضهم في النهار ختمة وفي الليل ختمة ثانية. [انظر التبيان في آداب حملة القرآن للنووي].
هل تحفظ القرآن أو بعض أجزائه؟
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا, فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ) رواه الترمذي وغيره.
وحافظ القرآن مقدّم على غيره في الإمامة لحديث (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).
والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في معركة أحد وهم يدفنون شهداءهم كانوا يضعون الاثنين في القبر الواحد وكانوا يقدمون أقرأهم لكتاب الله.
وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً وشباباً.
هل أنت تعمل بالقرآن فتطبق أحكامه و تتخلق بأخلاقه وتتأدب بآدابه؟
قال تعالى {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}, وقال سبحانه {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} قال ابن عباس رضي الله عنهما (تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة).
وقد مرَّ معنا قوله سبحانه {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم} فأتبع التلاوة بالعمل, ومثّل لذلك بإقامة وإيتاء الزكاة وهذا هو المطلوب من المسلم أن يعمل بالقرآن لا أن يقرأه ولا يعمل به كحال المنافقين.
ويبين لنا هذا المعنى أيضاً حديث أبي موسى الذي مرّ معنا فقد جاء في رواية البخاري (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به).
وقد وصفت أمنا الحبيبة عائشة رضي الله عنها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالت (كان خلقه القرآن).
هل أنت تتدبر آيات القرآن العظيم وتتفكر فيها؟
قال تعالى {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}.
وقال سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.
وقال سبحانه {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}.
وفي سنن ابن ماجه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها, والآية {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفرلهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
وماورد في هذا عن السلف كثير جداً فقد رأوا أن القرآن رسائل من ربهم يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار. [انظر التبيان في آداب حملة القرآن]
والتدبر هو المقصود والمطلوب لأن به يحصل النفع للقارئ.
هل أنت تتدواى بالقرآن؟
قال تعالى {وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين}.
وقال سبحانه {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}.
وقد جاء في الصحيحين أن أحد الصحابة رقى رجلاً لُدغ وكان سيداً في قومه بفاتحة الكتاب فشُفي بإذن الله.
قال ابن القيم رحمه الله: (تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه, فأغنته عن الدواء, وربما بلغت مالم يبلغه الدواء. هذا مع كون المحل غير قابل إما لكون الحي غير مسلمين أو أهل بخل ولؤم, فكيف إذا كان المحل قابلاً؟!.... وقد جربتُ أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أموراً عجيبة ولاسيما مدة المقام بمكة, فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني, وذلك في أثناء الطواف وغيره, فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط. جربت ذلك مراراً عديدة, وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً, فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك. ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين والله المستعان) [مدارج السالكين 1/ 63].
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أبو ناصر22
ليلة الجمعة
22/ 7/ 1432ه - 24/ 6/ 2011م