استعراض الجوانب المختلفة للآثار الصحية والنفسية والاقتصادية لما يسمى بالأغذية الطبيعية، فإن المرء لا يسعه إلا التأكيد على بعض الحقائق التالية: أن الأضرار الصحية الناجمة من الاستخدام المتزايد واللامسؤول للمواد الكيميائية بالمجالين الزراعي والصناعي إضافة إلى التلوث البيئي المتفاقم بالغة الخطورة ولا يمكن تجاهلها أو التقليل من أهميتها.أن ما يعاني منه الإنسان من ويلات بهذا العصر بسبب سوء استخدام المواد الكيميائية بالإضافة إلى التلوث البيئي ليس مبرراً لانتقاد الحضارة الحديثة واعتبارها نقمة على الإنسان كما يروق للبعض فهم ذلك فالتقدم الحضاري والتكنولوجي سلاح ذو حدين، فإمكانية الاستفادة منه أو إساءة استخدامه مرهون بالإنسان نفسه. أن التلوث البيئي بمختلف أنواعه لا يقتصر على منطقة دون أخرى أو بلد دون غيرها وإنما هو سريع الانتشار ولا يعترف بالحدود الجغرافية. أن صرخات المستهلك وقلقه الشديد من الأخطار الكيميائية ليست وليدة الصدفة ، بل ذلك مبني على حقائق علمية ودراسات ميدانية ومعملية عديدة لا يتطرق إليها أدنى شك. أن الأسلوب الذي يدعو إليه البعض وانجذب إليه العديد من المستهلكين وهو العودة إلى الطبيعة في مجال إنتاج الغذاء وتصنيعه يعتبر أمراً منطقياً وجذاباً من الناحية النظرية رغم صعوبة تحقيقه من الناحية الواقعية بالإضافة إلى كونه يحمل في طياته العديد من المخاطر الصحية والاقتصادية بالإضافة إلى المعاناة النفسية التي يواجهها المستهلك الذي قد يتبنى هذا الاتجاه. لقد تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن تبني مفهوم الأغذية الطبيعية على نطاق المستوى العالمي يمكن اعتباره نوعًا من الانتحار من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية. لأنه يعني ببساطة العودة إلى الوراء مئات السنين وحرمان هذا البلد أو ذاك من الاستفادة من التقدم الحضاري بمجالي الزراعة والصناعات الغذائية. إذا افترضنا إمكانية تحقيق ذلك، فإنه يتعارض تماماً مع مفهوم الأمن الغذائي الذي تبنته معظم دول العالم وتسعى جاهدة لتحقيقه والذي تعتبره ووفق المعايير الاقتصادية المختلفة مسألة هامة وملحة جداً نظراً للانفجار السكاني الهائل. أن عدم إمكانية العودة إلى الأغذية الطبيعية كأسلوب جذاب للتقليل من مخاطر المواد الكيميائية، لا يعني بأي حال من الأحوال غض النظر عن الأخطار المهددة لصحة الإنسان والناجمة عن التلوث البيئي المتفاقم. أن الحد من تلك المخاطر المشار إليها يتطلب جهوداً جادة ومتواصلة تشترك فيها جميع الأطراف المرتبطة بإنتاج الغذاء وتصنيعه، بما في ذلك المستهلك المتضرر الأساسي وبالتالي المستفيد النهائي من مثل هذه الجهود إن نجحت. أن العديد من تلك الجهود لن تكون فعالة إذا لم تواكبها برامج توعية وتثقيف مكثفة بالإضافة إلى وجود تشريعات وقوانين صارمة تضعها هيئات رقابية متحققة وتتابع تنفيذها باستمرار.أن نجاح تلك الجهود على المستويين الإنتاجي والاستهلاكي والتشريعي منوط بتوفير مختبرات حديثة ومتكاملة لتساعد كافة الأطراف المعنية خاصة الهيئات الرقابية على رصد ومتابعة نوع وحجم التلوث الكيميائي أو البيولوجي وتحديد مدى خطورته ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهه. وهذا لا يعني الاستسلام للأمر الواقع وعدم المطالبة المستمرة كمستهلكين على الأقل بضرورة وضع حد لهذا الوضع الخطير والبحث عن أنجح الوسائل للحصول على غذاء جيد، صحي وسليم بكل ما تحمل هذه العبارة من معان.
وقفة
أيتها البيئة: ياسمين تلك الزهرة تكونت من فن الحب ومازجت الماء العذب, ولامست أضواء القمر والنجوم, وخالطت أشعة الشمس,واغتسلت بمائة فجر منذ غرسها, ففاح عبقها لهذا العالم, فالخوف أن يلوثك جهل الجاهلين0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــ
جريدة البلاد الجمعة 2/4/1425هـ
الكاتب د0فهد تركستاني