يقصد بالعقم: عدم قدرة المرأة على الحمل بعد سنة من الزواج رغم وجود جماع جنسي منتظم. يحدث العقم بنسبة 10 – 15% بين المتزوجين وتقريباً 40 – 50% من الحالات تكون المرأة مسؤولة عن ذلك. يعتمد الإنجاب عند المرأة بشكل أساسي على سلامة الجهاز التناسلي ووجود إفراز هرموني مناسب لحصول الحمل، ونتيجة لذلك يُعزى العقم لمجموعة من العوامل تتداخل في الوظيفة التشريحية والإنتاج الهرموني للجهاز التناسلي وأهم هذه العوامل:
1 – اضطرابات رحمية:
(
أ) الرحم ذو المسكنين: في مثل هذه الحالات يتطور الرحم إلى حجرتين، حيث يكون الجدار السفلي للرحم كاملاً أو جزئياً. تلتقي الحجرتان في نهاية عنق الرحم لتشكّل قناة مهبلية وحيدة. على الرغم أن هذه التشوهات لا تمنع عملية التعشيش إلاّ أنها تعرقل عملية نمو الجنين إلى نهاية الحمل. تشخص هذه الاضطرابات باستخدام الأمواج فوق الصوتية أو تنظير الرحم ويقوم العلاج على التصحيح الجراحي لهذه الاضطرابات.
(ب) متلازمة عدم الحساسية لهرمون الأندروحين الذكري:
بغضّ النظر عن جنس الجنين، حتى يطوّر الجنين الصفات الذكرية لا بد للخلايا أن تستجيب لهرمون التسترون، في بعض الحالات النادرة يخلق الجنين مع مستقبلان غير قادرة على الإستجابة لهرمون الأندروجين الذكري والتسترون ونتيجة لهذا يخلق الجنين حاملاً لكل الصفات الأنثوية باستثناء غياب الدورة الطمثية وعدم وجود الرحم وفي مثل هذه الحالة يصبح الحمل أمراً مستحيلاً وهذا ما يُدعى بالعقم الحقيقي.
(جـ) صعوبات في عملية التعشيش: تحت تأثير هرموني البروجسترون والملوتن، تتمسك بطانة الرحم وتصبح غنية بالأوعية الدموية لإستقبال البيضة الملقحة. فإذا فشلت هذه التبدلات بالحدوث في بطانة الرحم فإن عملية التعشيش وبالتالي حصول الحمل تتعرقل وتُحبط. هذا النوع من المشاكل ممكن إصلاحه بإعطاء الهرمونات المناسبة.
2 – أخطاء أنبوب فالوب:
على الرغم من أن القكر الداخلي لأنبوب فالوب صغير جداً حيث لا يتجاوز قطر إبرة الخياطة إلاّ أنه كافياً لمرور البيضة. تنشأ الصعوبات على أية حال إذا كان هناك قصة إنتان نتيجة لأحد الأمراض الجنسية المنتقلة بالجنس أو لمرض حوضي التهابي مُزمن. إن عملية الالتهاب والشفاء تؤدي إلى التندب وبالتالي تضيق وإنسداد الأنبوب، أحياناً يحصل الانسداد في أنابيب فالوب نتيجة لوجود تشوهات خلقية تدعى الرفوف وفي كل الأحوال سواء كان الخلل إنتاني أو تشوه خلقي يتم إصلاح هذه التشوهات باستخدام جراحة الليزر وتنظير البطن.
3 – الإباضة:
وهي مجموعة من العوامل المرضية تثبط عملية الإباضة أو تعيق تحرر البيضة الناضجة مما ينقص إحتمال حصول الحمل.
(أْ) متلازمة المبيض متعدد الكيسات: تتمسك الطبقة الخارجية للمبيض في هذا الاضطراب مانعاً البيضة الناضجة من الانبثاق من طبقة المبيض وبدون تحرر هذه البيضة فإن عملية الحمل لا تحصل.
هناك مجموعة من الاجراءات قد طوّرت خلال السنوات الماضية تساعد في تعزيز وزيادة احتمال حدوث الإباضة عند المرأة المُصابة بهذا الاضطراب. نقص الوزن وخاصة عند النساء السمينات يساعد في تعديل وإحداث توازن في مستويات الهرمونات التناسلية. إعطاء الأدوية المحرضة لعملية الإباضة مثل الكلوميفين (Clomiphane) والديكساميتارون (Dexamethasrone) أو حتى القطع الإسفيني للمبيض جراحياً يزيد أيضاً من احتمال حصول الحمل.
إن تسمك محفظة المبيض قد تمنع أحياناً البيضة من البزوغ والتحرر عندما تنضج وعادة تترافق السمنة بشكل شائع مع هذا الاضطراب. من هنا تأتي أهمية إنقاص الوزن وخاصة عند السمينات وزائدات الوزن حيث يساعد في صيانة وحفاظ الوظيفة الإنجابية من خلال تعديل كمية النسيج الشحمي وزيادة حساسيته لفعل هرمون الذكورة حيث يتحول في النهاية إلى مركبات الاستروجين.
(ب) الإياس المبكر: بشكل طبيعي، تتعرض المرأة في العقد 5 – 6 من عمرها لفترات من اللإباضية وتعاني من شذوذات في الدورة الطمثية عندما تبدأ الوظيفة الهرمونية للمبيض بالتناقص. أحياناً تبدأ وظيفة المبيض الهرمونية بالزوال باكراً في الحياة وهي حالة تدعى: سن الإياس المبكر. تُظهر عينة الدم ارتفاعاً في مستويات الهرمون الممرض لنمو الجريب والهرمون الملوتن المحرض للإباضة عندما يكون الإياس المبكر السبب في اللإباضة لا بد من إستشارة الطبيب المختص لمعرفة مدى فعالية وجدوى المعالجة الهرمونية في هذا الاضطراب.
(جـ) الانقطاع عن تناول حبوب منع الحمل: من الشائع عند النساء اللواتي يتناولن حبوب منع الحمل حصول تثبيط مستمر لعملية الإباضة بعد التوقف عن استخدام هذه الحبوب. إذا لم يصل الحمل خلال الشهور الستة الأولى من توقف استخدام حبوب منع الحمل فلا داعي للجزع والخوف ويصبح الاستعضاء ضرورياً إذا فشل الحمل في الحدوث خلال 6 – 12 شهراً من توقف استخدام منع الحمل.
(د) اضطرابات الغدة الدرقية: في كلي الحالتين، فرط أو قصور نشاط الدرق يمكن أن يُعرقل انتظام الدورة الطمثية وعملية الإباضة وقد يكون السبب في العُقم. تعود الوظيفة الإنجابية إلى حالتها الطبيعية عند تصحيح هذا الخلل الهرموني.
(هـ) التمارين الزائدة: يحدث عند النساء خاصة اللواتي يتمرنّ بشكل زائد أو يخضعن لتدريبات شاقة مثل سباقات المسافات الطويلة، اضطراب في عملية الإباضة حيث يتشوش زمن الدفق الهرموني المسؤول عن نضج البيضة وتحريرها في المبيض ويزداد فقدان النسيج الشحمي الضروري لعملية تحول الهرمون الذكري التسسترون لمركبات الأستروجين. إن تخفيف شدة وحجم التمارين الرياضية وإنقاص تواترها بالإضافة إلى كسب معتدل في الوزن إذا كان هناك نقص يساعد أحياناً في استرداد الوظيفة الإنجابية.
(و) نقص الوزن السريع: يحصل عند النساء اللواتي يتناولن مأخوذاً حرارياً منخفضاً إضطراباً في التوازن الهرموني الضروري لإحداث الدورة المبيضية بشكل دوري ومنتظم تعتبر هذه الحالة مؤقتة وتعود الوظيفة الإنجابية إلى الطبيعي خلال أشهر بعد تحسين الوارد الحروري وعودة الوزن إلى السواء. إن الآلية المسؤولة عن حدوث العقم في مثل هذه الحالات غير معروفة بدقة ولكن قد يكون لها علاقة بالهرمونات الدرقية أو التناسلية.
4 – الإسقاطات العفوية:
تحدث الإسقاطات العفوية أثناء الحمل لأسباب متنوعة ولعل أهمها أخطاء الصبغيات الوراثية والتي تتعارض مع استمرار حياة الجنين هذه الأخطاء التطورية تتظاهر باكراً بإسقاطات عفوية في الثلث الأول من الحمل. معظم النساء لديهن قصة إسقاطات سابقة مرة أو مرتين خلال فترة نشاطهن الجنسي. أحياناً تحدث الإسقاطات ليس فقط بسبب التشوهات التطورية للجنين بل نتيجة لشذوذات ببنيوية واضطرابات هرمونية لدى الأم.
إن الشذوذات البنيوية لدى المرأة يمكن إصلاحها جراحياً وأهمها:
· التشوهات الخلقية للرحم مثل الرحم ذو القرنين أو الرحم ذو المسكنين.
· قصور فوهة عنق الرحم حيث تكون ضعيفة وغير قادرة على الإغلاق بشكل كامل وتحمّل كتلة الجنين المزدادة باستمرار.
· الانتباذ البطاني الرحمي: تتوضع بطانة الرحم في أماكن غير طبيعية مثل أنبوب فالوب حيث تؤدي إلى انسداده وأحياناً حصول الحمل الأنبوبي.
· الورم الليفي في عضلة الرحم: يُمكن للورم الليفي أن يعرقل عملية التعشيش.
· الالتصاقات والتندبات في بطانة وعضلة الرحم نتيجة لإلتهابات حضية سابقة أحياناً تُعرقل عملية التعشيش وتحدّ من نمو الجنين.
أما الاضطرابات الهرمونية وخاصة خلل الطور اللوتئني فإنها تحرم من جاهزية الرحم، وتجعله أقل استعداداً لإستقبال البيضة الملقحة ولدعم تطور الجنين خاصة في المراحل الأولى من نموه. أحياناً يفيد إعطاء البروجسترون في تصحيح هذا الخلل.
5 – الانتباذ البطاني الرحمي:
يعتبر الانتباذ البطاني الرحمي مرضاً نسائياً، تتوضع فيه بطانة الرحم في أماكن غير طبيعية في الحوض والجزء السفلي من البطن. تُشاهَد هذه الأنسجة في المبيض خلف الرحم، داخل الجوف الحوضي، جدران الأمعاء، ونادراً في أماكن أخرى من الجسم. على الرغم أنه يبتلي النساء في أي وقت بدءاً من البلوغ حتى سن اليأس إلاّ أنه أكثر تواتراً في فترة النشاط الجنسي للمرأة.
* الأعراض: يعتبر الألم الحوضي أكثر الأعراض شيوعاً حيث يشتد أثناء الدورة الطمثية وخاصة في الأيام الأخيرة منها. بالإضافة إلى الألم الحوضي قد يتظاهر الانتباذ البطاني الرحمي بأحد الأمراض التالية:
* ألم أثناء الجماع الجنسي.
* تبقع دموي قبل موعد الدورة.
* دم في البول.
* ألم ظهري.
* وجع بطني مترافقاً مع تقلصات معوية مؤلمة.
* عقم.
* أحياناً دم في البراز.
عند بعض النساء، يتطور المرض فجأة ولكن لدى الأغلبية يترقى المرض خلال عدّة سنوات.
* التشخيص: يقوم التشخيص اعتماداً على الأعراض والقصة السريرية إضافة إلى نتائج الفحص الفيزيائي. أحياناً يتطلب تشخيص هذا المرض فترةً من الزمن ويستدعى تكرار الفحوصات وخاصة التشخيصية منها مثل تنظير جوف البطن.
* السير السريري: يترقى المرض وتصبح الأعراض أكثر شدة إذا لم تعالج ولدى بعض النساء يكون الألم مُبرحاً لدرجة أنه يعطّل عن القيام بالفعاليات اليومية تختفي أعراض المرض بعد سن اليأس عندما ينخفض مستوى إنتاج الأستروجين.
* العلاج: على الرغم من أن الايبوبروفين Ibuprofen والمركبات الأخرى من مضادات الالتهاب غير الستروئيدية تخفف من شدة الألم لدى معظم النساء ولكن أحياناً يتطلب استخدام مسكنات ألمية أقوى فعالية من المسكنات العادية. المعالجة بالحرارة أو البرودة وتطبيق بعض التمارين الهوائية وتجنب تناول القهوة قد يكون مفيداً. بعض الأدوية مثل مانعات الحمل والهرمونات المنبه لموجهات العنق قد تحقق بعض الفائدة.
قد يلجأ الطبيب الجراح المختص لإستخدام الليزر الجراحي أو المعالجة بالتخثير الكهربائي أثناء تنطير البطن لإزالة المناطق المُصابة بالانتباذ البطاني الرحمي جراحياً. وقد يلجأ الجراح إلى تطبيق العمل الجراحي التقليدي إذا كنت لا تُخططين لمشروع حمل في المستقبل قد يقترح طبيبك إزالة الرحم وملحقاته أما إذا كنت ترغبين في الإنجاب فمن المستحسن حصول الحمل باكراً لأنه يخفّف من حدّة المرض بينما تأخير الحمل قد يؤدي إلى عُقم.
* الإنذار: على الرغم أن الانتباذ البطاني الرحمي قابل للشفاء في بعض الأحيان إلاّ أن نجاح المعالجة، وخاصة عند النساء اللواتي أعراض المرض لديهن شديدة, نكون ذو حظ قليل.
إن خطر فشل المعالجة تزداد عند النساء اللواتي لم يحملن من قبل أو لا يرغبن بالحمل أو اللواتي تأخرن في الإنجاب. ويحدث العقم إذا توضع النسيج البطاني الرحمي في أنبوب فالوب حيث يؤدي إلى تضيقه وانسداده في النهاية.