جوانب كثيرة تطغى وتهد في جبل الأسرة، حتى تتآكل فتصبح آيلة للسقوط أو تعيش هشة بشكل خارجي دون معنىً عميق، وضح ذلك جلياً في كثير من المظاهر والتغيرات التي تحدث في الحياة الزوجية ومظاهرها كثيرة، إلا أنني سأركز على معول أساسي يضرب بقوة على جدار تلك الأسرة، دون أن نشعر بقوة طرقاته، وهو مايتمثل في دخول الأجهزة الحديثة والذكية، بل الأمر كان قبل ذلك منذ دخول الكمبيوتر، أذكر أن صديقاً لي قبل أكثر من أثنا عشرة سنة حكي لي عن تذمر عمته من سطوة الكمبيوتر على حياتهم من خلال انشغال زوجها به، حتى دعت الكمبيوتر بأنه ظرتها.
المشكلة التي تحدثها التقنية دون أن نشعر أحياناً أنها تأخذ جزء كبير من حياتنا وعلاقتنا الزوجية الطبيعية قد يصل في كثير من الأحيان إلى 95%، هذه التقنية المتمثلة في أجهزة الجوالات وبرامجها تجعلنا كزوجين نتواصل مع العالم الخارجي أكثر من تواصلنا الحالي، فالتواصل مع الأصدقاء وغيرهم يطغى على التواصل بين الزوجين أنفسهم، ولكَ أن تحسب الوقت الذي تمضيه مع زوجتك أو مع زوجك في مقابل الوقت الذي تمضيه بالحديث مع الأخرين في برامج التواصل أو قراءة البرودكستات أو في قراءة الأعلام الجديد المتثل غالبا في تويتر أو الفيس بوك، هذا يحدث في ظل وجود الزوجين بجانب بعضهما، ولو أفترضنا أن معدل جلوس الزوجين مع بعضهما يمثل ساعتين في اليوم فإن ثلاث أرباع هذا الوقت ينصرف في الجوال ومتابعة مافيه، وكأننا مسؤولين عن الأخرين
هذا التأثير عميق جداً وخطير في سحب البساط من المفاهيم العظيمة للأسرة والمتثلة بالسكن والقرب والأحساس، بالمقابل يجعل الأنسان حساساً مشغول الذهن وهذا يلقي أثره على التصرفات وردود الأفعال، لأن الذهن مشغول بأمور أخرى وحين تتزاحم الأعمال فإن الأتقان يقل ويصبح العمل آلياً خالياً من الروح، فالمرء يرد بحديثه أو يعمل عمله بشكل سريع لكي يعود إلى جهازه، والأثر الأخطر أن كلا الطرفين لايشعران بأهمية وقيمة الطرف الأخر لأنه مستغنٍ عنه وليس بحاجته، فهناك من يملي وقته ويشبع حاجته ورضاه، وهذا يجعل الأهتمام وردود الأفعال والشعور بالأنتماء ضعيف للغاية، وهنا مكمن الخطورة، فالأجهزة لا تأخذ منا عقولنا أو وقتنا فقط، بل حتى أروحنا!
لنعود جميعاً بالذاكرة قبل 20 سنة، كيف كان يقضي الزوجان وقتهما، أجتماع الأسرة طويل في كل الأوقات، الجميع منشد للجميع ليس هناك عوامل خارجية تسرقنا، ربما مكالمة واحدة على الأكثر باليوم مدتها لاتتجاوز العشرين دقيقة من صديق أو قريب من خلال التيلفون العادي، وعادة يكون ذلك التواصل قيَماً ومفيداً.
أجزم أننا لو سافرنا لجزيرة خالية من أجهزة التواصل بكافة أنواعها، لتحسنت العلاقة الزوجية الصحية بين المتزوجين، ولأصبح الشعور والأحساس والأنتماء أقوى وأعظيم، وتأسس بذلك حياة أسرية متينة تتكئ على قواعد الحب والحاجة والأنتماء، لأن الزوجين لايربطهما شيء خارجي يحل محلهما، وحين يلتفت الزوجين يمنة ويسرة ولا يجدان مايشغلهما سواهما يكون هناك التقارب فكرياً وجسادياً ويصبح هناك تواصل وأنتماء وحب أعمق.
أعتقد أن مشكلة الأجهزة الحديثة خطيرة للغاية لا تقل عن خطورة المخدرات أو غيرها من المخاطر، تجعل حياتنا مهجنة باهتة بعيدة تنزع روحها منها، فنصبح مجرد جيل أسفنجي كما يصف عادة حبيبنا الغالي مشكلتي زوجتي هذا الجيل بذلك الوصف.