أغلب الناس ستحدثون كما تمليه عليهم شخصياتهم وتكوينهم وطبائعهم، فأسلوب الحديث والتواصل للفرد مستمد من طبيعته الشخصية وما استلهمه وتشربه من بيئته الاجتماعية أثناء رحلته العمرية منذ الولادة مروراً بالنشأة حتى الهرم.
ولأن كثير من المشاكل تنشئ نتيجة سوء فهم الرسالة من قبل المتلقي، أو خطأ تحليلي من قبله، لذلك جزء كبير من المشاكل قد لاتحدث لو تم فهم القصد المقال من قبل الطرف الثاني، وأكثر الناس يتحدثون بطبيعته وانفعالاتهم الفطرية التي قد تعلو نبرتها ولكنها غير مقصودة في إذاء الطرف الآخر، خصوصاً إذا انتفت الحواجز بينهم وحلت (الميانة) الزوجين أو الأخوة أو الأصدقاء المقربين مثالاً.
لدي أخت في العشرين من عمرها، يفسر كثير من أخواني تصرفاتها أنها قلة أدب أو قلة احترام، لأنه حينما ترد ترفع صوتها فيرد أخي بدوره أخفضي صوتك أو احترميني فتعود وتقول أنا لم أقلل من احترامك، هو فهم أنها لاتحترمه وهي لم تقصد التقليل منه، إنما تحدثت بطبيعتها، ولذلك لو ترك المجال فإن أخي سوف يسيء إليها وهو ستفسر أساءته بعدم الاحترام، وهي بدورها سترد بشكل أعنف وهكذا تكبر المشاكل والانفعالات ويسود بينهما الجفاء، والسبب هو أصلاً سوء فهم رد الفعل الطبيعي والتكويني لهذه الأخت، وكثير من المشاكل منشأها أنفعال الطرف الأخر الشديد والذي يعطيه الطرف المقابل حجماً أكبر منه، والأمر كذلك في العلاقات البشرية كلها.
وفي العلاقات الزوجية يحدث أن تكون المرأة ذات شخصية قوية وقيادية، وهي تتصرف بشكل تلقائي وعفوي، ويفهم منه الطرف الأخر _أي الزوج_ أنه تقليلٌ منه وعدم احترام وتسلط إلخ.....، وبالتالي يقوم برد الفعل محاولاً تأديب هذه الزوجة وإيقافها عند حدها، وتكبر حجم المشاكل والتحليلات الخاطئة من قبل الزوج أو حتى من قبل الزوجة إذا ماوضعنا الرجل في الطرف الأخر، وتزداد حجم كرة الثلج حتى تثقل عليهم، ولو رجعنا إلى السبب لوجدنا أن منشأه سوء فهم لتصرف أو قصد الطرف الأخر.
إننا بحاجة إلى التروي والتفهم والتوازن في تفسير رسالة المرسل إلينا، كما أننا في الوقت ذاته يجب أن نضبط ردود الفعل التي نشأنا عليها لكي لاتكون رسالتنا خاطئة ومفهوم على غير وجهها الصحيح، إن التجارب أثبتت لنا جميعاً أننا كثيراً مانفهم بعض الأمور على وجهها الخاطئ ثم ندرك أن فهمنا لمقاصد الآخرين كانت خاطئة، وهذا لايعني أن يكون المرء خِباً أو ساذجاً، إنما أن يبحث للآخرين أعذاراً ومخارجاً، ولا يستعجل بالتحليل أو التفسير ليريح نفسه ويريح الآخرين، بل إن تفسير الأمر على غير وجهه حتى ولو كان غالب الظن هو القصد من قبل الطرف الأخر في بعض الأحيان حكمة وذكاء.