تابع
ويحدث المرض الوراثي إذا كان هناك خلل في تركيب واحد أو أكثر من هذه المورثات, فإذا حدث الخلل بمورث واحد وليس بالاثنين معا, سمي المرض سائدا، أما إذا لم يحدث المرض إلا بوجود خلل بكلا المورثين يحددان الصفة المعنية, سمي المرض متنحيا, أي أنه لابد أن يرث الجنين مورثا معيبا من الأب ومثله تماما من الأم في الأمراض المتنحية, الأمر الذي يتزايد إذا كان الأب والأم من نفس العائلة.
ويشارك كل إنسان أخاه أو أخته في نصف عدد المورثات التي يحملها ويشارك أعمامه وأخواله في ربعها، ويشارك أبناء وبنات عمه أو خاله في ثمنها, وبناء على ذلك, إذا كان هناك مورث معيب في أحد الجدود, فالاحتمال كبير في أن يشارك الإنسان أبناء العم أو أبناء الخال في هذا المورث، وبالتالي فان احتمال أن يتكون جنين مصاب بمرض وراثي متنحي, يزيد عند زواج الأقارب عنه في زواج الأباعد.
لذا, لا ينصح كثير من علماء الوراثة بالزواج من الأقارب على اعتقاد أن زواج الأقارب ينقل الأمراض الوراثية من الآباء إلى الذرية أكثر مما هو في زواج الأباعد, ومن هنا نشأت قاعدتان من قواعد علم الوراثة الكثيرة تشيران مباشرة إلى معاني الأحاديث الشريفة الواردة في الأثر الإسلامي عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, مثل الحديث القائل : "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، و"اغتربوا لا تضووا", أي تزوجوا الأغراب حتى لا تضعف الذرية, تم استنباطهما من نتائج تجارب التزاوج بين الحيوانات, وكذلك من تجارب تلقيح النبات, وهما ضرورة تباعد مصدر المورثات في التزاوج، قوى النتاج, وثانيا، أن المرض الوراثي المتنحي يظهر في النتاج باحتمال واحد من أربعة في كل مناسبة, إذا حمل كل من الأب والأم نفس المورث المعيب، ويتزايد احتمال أن يحمل كل من الأب والأم نفس المورث المعيب، كلما زادت درجة القرابة بينهما.
تعتمد خطورة زواج الأقارب في نقل الأمراض الوراثية الناتجة من عاملين وراثيين متنحيين, على نسبة انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي في المجتمع، فكلما كانت هذه النسبة أقل في المجتمع، كان زواج الأقارب يسبب نسبة أعلى من تلك الأمراض الوراثية المحدودة والمعينة من زواج الأباعد.
ومن أهم الأمراض الوراثية التي تنتقل في زواج الأقارب, مرض الأنيميا المنجلية الذي ينتشر في إيطاليا وصقلية وكينيا, ومرض الفاقة البحرية الذي يتواجد في منطقة كبيرة من العالم تمتد من جنوب شرق آسيا وغربا حتى جنوب أوروبا وتشمل كل جنوب شرق أسيا والهند والباكستان وإيران وأفغانستان وشمال الجزيرة العربية وكل حوض البحر الأبيض المتوسط, ونقص التعظيم الغضروفي، ومرض الحويصلات المتعددة بالكلية, ومرض زيادة الحديد بالدم، ومرض عدم اكتمال التكون العظمي, والتليف ذو الحدبات، وتناذر ديوبين جونسون، وضمور عضلات الوجه والكتفين, وداء جيلبرت، وكورياهندنجكتون أو داء الرقص، وتناذر مارفان، إضافة إلى مرض التوتر العضلي الخلقي, وداء الأورام العصبية الليفية, ومرض تعدد الأورام البوليبية بالقولون, وداء الغرفيرين الحاد المتقطع, وأمراض الدم الوراثية, وهناك أمراض وراثية ليس لها علاقة بزواج الأقارب, مثل الأمراض الناتجة من اختلاف العامل الرايزيسي بين الزوجين, وخلل الكروموسومات الذي يسبب الطفل المغولي ومرض تيرنر ومرض كلاينفلتر وغيرها.
وهناك أيضا أمراض وراثية مثل مرض النزف الدموي (الهيموفيليا)، ومرض عمى الألوان, هي أمراض وراثية تحدث في الذرية ومرتبطة بالجنس، بمعنى أن الأم سواء كانت قريبة للزوج أو غير قريبة تحمل عامل المرض، ولكنها لا تعاني منه وتنقله إلى أولادها الذكور، فيظهر عليهم المرض, أما البنات فيحملن المرض ولا يظهر عليهن, ويمكن الوقاية من هذه الأمراض بالتخير الوراثي, أي الاستشارة الوراثية قبل الزواج, إضافة إلى مجموعة أخرى من الأمراض التي تظهر نتيجة تجمع مجموعة من العوامل الوراثية، ويطلق عليها اسم الأمراض متعددة الأسباب, مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وقرحة المعدة وتصلب الشرايين.
ويشكل زواج الأقارب نسبة كبيرة من الزيجات في البلاد العربية والإسلامية, فقد قدرت الدراسات المحلية والإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام،1997 أن معدل انتشار هذه الظاهرة في فلسطين هو 49 في المائة, وتكاد تكون هي النسبة الأعلى بين الدول العربية والإسلامية المجاورة, إلا أن هذه النسب تكاد تختفي في دول أخرى مثل أوروبا حيث لا تزيد النسبة فيها على 1-2 في المائة, وفي بعض الولايات الأمريكية لا يسمح بزواج أولاد العم والعمة أو الخال والخالة .
وكشفت المسوحات الطبية في فلسطين أيضا, أن نسبة الزواج المبكر لأقل من 18 عاماً، هي الأعلى بين الأزواج الأقارب, وأن نسبة الزواج من أقارب الدرجة الأولى وصلت إلى 60.2 في المائة من إجمالي زواج الأقارب, ونسبة الحمل الإجمالية بين الأمهات المتزوجات لأقارب أعلى منها بين غير الأقارب.
ويصعب معرفة وحصر الأمراض الوراثية المنتشرة في الوطن العربي نتيجة شح المعلومات الدقيقة والموثقة عن هذه الأمراض, كما أن نسبة انتشارها تختلف من دولة إلى أخرى, إلا أنها تقسّم بشكل عام إلى أمراض الدم الوراثية كفقر الدم المنجلي وفقر دم البحر المتوسط وأنيميا الفول, وأمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي وأمراض ضمور العضلات باختلاف أنواعها وضمور المخ والمخيخ, وأمراض التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الاستقلابية أو الأيضية, التي تنتج بسبب نقص أنزيمات معينة, وأمراض الغدد الصماء، خاصة أمراض الغدة الكظرية والغدة الدرقية, حيث تنتقل معظم هذه الأمراض بالوراثة المتنحية التي يلعب زواج الأقارب دورا كبيرا في زيادة أعدادها.
وعلى الصعيد ذاته, بينت دراسة ميدانية لحالات الزواج بالكويت سنة،1983 أن نسبة زواج الأقارب بصفة عامة زادت عن 40 في المائة, وتشكل الزيجات بين أبناء وبنات الأعمام أو الأخوال في السنوات الأخيرة أكثر 25 في المائة من جميع الزيجات في المجتمع.
وأظهرت المسوحات أن نسبة حدوث الولادات المبكرة وظهور بعض الأمراض الوراثية كانت أعلى في زيجات الأقارب عنها في زيجات الأباعد, وكان متوسط وزن المولود في زيجات الأقارب أقل منه في زيجات الأباعد.
وبلغت عدد حالات الضعف العقلي فيما يعرف بالطفل المنغولي, الذي ينتج عن خلل في انقسام الصبغيات، 14 حالة بين 3989 زيجة بين الأقارب، مقابل ست حالات بين 7463 زيجة بين الأباعد, مما يدل على أن هذه الحالة تتأثر بمورث متنحي، وعلى ذلك يزيد حدوثها بين زيجات الأقارب.
وفي مصر, أظهرت دراسة ميدانية أجريت عام 1983 أن زواج الأقارب يشكل 38,96 في المائة من حالات الزواج، فيما أثبتت الدراسات السعودية أن 73 في المائة من حالات استسقاء الدماغ واعتلالات الجهاز العصبي في الأطفال حديثي الولادة, ترجع إلى الزواج بين الأقارب وتعدد الحمل.
وأوضح الخبراء في كلية الطب بجامعة الملك سعود بالرياض, أن الاستسقاء الدماغي يعد أحد اكثر اعتلالات الجهاز العصبي لحديثي الولادة, كون حجم السائل المفرز من داخل تجاويف المخ والمسؤول عن تغذيته, يكون أكثر من الكمية الممتصة, مما يتسبب في ارتفاع الضغط داخل المخ, ينتج عنه إما إصابة المولود بالتخلف العقلي, أو عدم القدرة على الحركة, أو الوفاة.
وقد تبين بعد تشخيص 26 حالة, أن 1.6 من كل ألف مولود مصاب بالمرض, شكلت نسبة زواج الأقارب فيها نحو 73 في المائة, وتراوحت أعمار الأمهات ما بين 18 و40 عاماً, حملت 81 في المائة منهن أكثر من مرتين, وكانت الحالة الاجتماعية عند 45 في المائة منهن متدنية, و35 في المائة عالية, و12 في المائة يمثلون عائلات راقية, مما يشير إلى أن زواج الأقارب وتعدد الحمل, من أهم أسباب الحالات المصابة.
وأوضحت الدراسات المتعلقة بالموضوع أن هناك آلاف الأمراض قد تنتج عن زواج الأقارب, ولا تزال هناك عادات شرقية وتقاليد تطالب بزواج الأقارب, وتنتج عنه أمراض عديدة أهمها أمراض الدم الوراثية التي تشكل في بعض الدول العربية كالسعودية مثلاً، مشكلة صحية واجتماعية وإرهاقاً للموارد المخصصة للقطاع الصحي، إضافة إلى معاناة المصابين بهذه الأمراض, حيث أن جينة الانيميا المنجلية موجودة لدى 20 - 30 في المائة من سكان المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية, مما يؤدي إلى وجود مرضى يعانون من فقر الدم المنجلي بنسبة 1.5- 2 في المائة من السكان.
وتنبأ الباحثون أن نسبة الإصابة بهذا المرض بعد 25 سنة قد تصل إلى 50 في المائة, وبعد 50 سنة إلى 85 في المائة, حسب الدراسات والأبحاث العلمية الخاصة بموضوع فقر الدم المنجلي, وتشير التقديرات في منطقة الإحساء, إلى أن هناك طفلاً مصاباً كل 16 ساعة، و16 طفلاً حاملاً للمرض كل يوم، وهذا يعني أن 548 طفلاً يصاب سنوياً, تقدر تكلفة علاجهم سنوياً بعشرة ملايين ريال سعودي, إضافة إلى المصابين بفقر الدم المنجلي الموجودين حالياً والذي يقارب عددهم 25 ألف مصاب في المنطقة.
وأفادت الإحصاءات العالمية والمحلية أن أعلى معدلات الإصابة بأنيميا البحر الأبيض المتوسط المعروفة بالثلاسيميا الوراثية تقع في الدول الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط, ويزداد احتمال وفرص ظهورها بين الأطفال من أزواج أقارب والحاملين لجينات هذا المرض, وأن أعلى نسبة للحالات المرضية المرتبطة بالحمل مثل فقر الدم وتسمم الحمل والنزيف, وزيادة العمليات القيصرية, كانت بين الأمهات المتزوجات من أقاربهن.
التعديل الأخير تم بواسطة مبسوط مادمك معي موجود ; 29-12-2003 الساعة 08:44 AM