صفحة (( 2 ))
وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الضرب الشديد الذي يترك أثراً في الجسم فقال: "ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"(8) ومعنى هذا أن الضرب يعتبر شديد اللهجة وليس المراد منه
إرواء الغليل.
وهي مرحلة لا يأتيها الرجل إلا بعد تكرار الغلط الذي لا يمكن الصبر عليه.
وقد شرع الخالق الحكيم الضرب وسيلة للتقويم لصنف من الناس إذ من المعلوم أن طبائع البشر ليست واحدة بل هم معادن (9)
فبعضهم تؤذيه الإشارة أو يقض مضجعه الإعراض عن الكلام معه وعن التبسم المعتاد, والنساء من البشر وعن هذا النوع
الحساس من النساء نص الفقهاء على أن للمرأة أن تطلب الطلاق أو الفراق لمضارة زوجها بالإعراض عن كلامها وإشاحة
وجهه عنها فليكن الزوج مع هذا النوع من النسوة الكريمات الحساسات كريماً حساساً.
ويكفي الزوج إذا خاف تعالى زوجته عليه وعلى معيشته وخشي نشوزها أن يشعرها بغضبه عليها بما بشعر به عادة
كالإعراض عن التجاوب معها في الكلام.
ويتنوع العلاج معها بحسب معدنها وبيئتها وتربيتها ابتداءً من العتاب المؤثر الذي يرضي نفسها وأنوثتها لعلها ترضى
وتهدأ وتستقيم إلى الالتجاء إلى علاج آخر وهو الهجر في المضجع فإن لم يثمر معها هذا العلاج أو ذاك لا ييأس ولا
يفكر الزوج في طلاقها بل يعطيها جرعة أقوى وهي الضرب المناسب لنفسيتها, وليكن خفيفاً أو ثقيلاً قليلاً بحيث لا
يوقعه في مشكلة أقوى ومعضلة أشد.
وهذا هو الشي المعقول والمقبول إذ النساء لسن على طبيعة واحدة كما أسلفنا, ولذلك كان العلاج متغيراً ليناسب كل حالة.
وقد يعترض بعض النساء من ذوات الإحساس الرقيق والخلق الرفيع والشعور المرهف على الضرب.
نقول لهؤلاء ونطمئنهن إلى أن الضرب ليس لأمثالهن, فهن أرقى وأفضل وإنما هو لغيرهن من ذوات الإحساس البليد إذ
قد تكون هناك نساء شواذ لا يردعهن إلا مثل هذا ولا يصلح لعلاجهن إلا الضرب.
ومن حكمة الخالق سبحانه أنه جعل الدواء متغيراً ليناسب كل حالة, وليسكن الفتنة ويقضي على تمرد الزوجة.
والضرب وإن كان مباحاً شرعاً غير أن العلماء اتفقوا على أن الأفضل تركه لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولن يضرب
خياركم"(10)
كل هذا من أجل دوام العشرة الزوجية وعلاج الأمراض الناشئة فيها, فإذا صح العلاج ونفع الدواء فلا يجوز للزوج أن
يتصرف تصرفاً سيئاً يضر كليهما.
قال تعالى: )فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً( (11)
فتذكروا أيها الأزواج قدرة الله عليكم في الدنيا وحسابه الدقيق في الآخرة إن أسأتم التصرف. قال تعالى: )من يعمل
سوءاً يجز به, ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً(. وقوله جل وعلا )إن الله لا يظلم مثقال ذرة(.
وقد جاء في الحكم والأمثال: (الضرب علاج مر قد يستغنى عنه الكريم الحر).
وبالرغم من كل هذا فإن الإسلام يأمر الأزواج بحسن المعاملة وإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
فالوعظ والإرشاد والهجر في المضجع والضرب غير المبرح هو منهج القرآن الذي تلخصه الآية الكريمة التالية: قال تعالى:
(والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان
علياً كبيراً) (12)
ومعنى الآية: واللاتي تخافون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعة الأزواج فعظوهن واهجروهن في المراقد, واضربوهن ضرباً غير شائن.
والأمور الثلاثة من الوعظ والهجر في المضجع والضرب مرتبة ينبغي أن يدرج فيها.
(فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً)أي وأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا منهن كأن لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. (13)
(إن الله كان علياً كبيراً)تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.
ولعل أخبث ما يتخذه أعداء الإسلام ذريعة للطعن والتشهير بالإسلام زعمهم أن الإسلام أهان المرأة حين سمح للرجل أن يضربها ويقولون:
كيف يسمح الله بضرب النساء وكيف يحوي كتابه هذا النص (فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوه )؟.
أ فليس هذا اعتداء على كرامة المرأة وإنسانيتها..!؟
نقول في الجواب: إن هذا الأمر علاج, والعلاج إنما يحتاج إليه عند الضرورة فإذا سارت المرأة خلف الشيطان وانقادت له
وأساءت عشرة زوجها ولجت في غيها وضلالها (وركبت رأسها) غير مقدرة للعواقب ولا بالنتائج. فماذا يصنع الرجل في
مثل هذه الحالة؟ أيهجرها أم يطلقها أم يترك لها الحبل على الغارب تفعل ما تشاء..!؟
لقد أرشد القرآن الكريم الزوج إلى اتخاذ الطرق الحكيمة في معالجة هذا النشوز والعصيان فأمر بالصبر عليها وتحملها
ما أمكن ووعده الله بالأجر والثوب العظيمين يوم القيامة فإذا نفذ صبره فبالوعظ والإرشاد فإذا لم يفلح فبالهجر في
المضجع فإذا لم تجد كل هذه الوسائل فلا بد من استعمال أقوى الأدوية فعالية وأشدها أثراً.
ولا شك عند كل ذي عقل أن الضرب الخفيف أقل ضرراً من إيقاع الطلاق لأن الطلاق هدم لكيان الأسرة وتمزيق لشملها
فيدفع الضرر الأشد بالضرر الأخف ( وعند ذكر العمى يستحسن العور) كما جاء في الأمثال.
ومع هذا فإن الضرب ليس إهانة للمرأة كما يتصورون وإنما هو طريق من طرق العلاج ينفع في بعض الحالات مع تلك
النفوس الشاذة المتمردة التي لا تفهم الحسنى ولا ينفع معها الجميل. والعبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة وإن من
الناس من لا يقيم عوجه إلا التأديب ولا يصلح عوده إلا العقوبة البدنية.
ومن أجل هؤلاء وضعت العقوبات وشرعت التعزيزات وفتحت السجون, والعجب من بعض مقلدة الأجانب في آدابهم
وتفكيرهم كيف يستكبرون مشروعية ضرب المرأة الناشز ولا يستكبرون نشوزها وترفعها عليه فتجعله – وهو رئيس
البيت- مرؤوساً بل محتقراً وتبلغ الوقاحة ببعض الزوجات أن يضربن أزواجهن وتصر الواحدة منهن على نشوزها ولا
تبالي بإعراضه وهجره وتضرب بكل ذلك عرض الحائط. فماذا يقول هؤلاء في مثل هذه الحال..!؟
وليعلم هؤلاء أن الضرب لا يلجأ إليه إلا عند فساد البيئة وغلبة الرذائل فإذا رأى الرجل البصير أن رجوع المرأة عن
نشوزها يتوقف عليه فعل.
أما إذا صلحت البيئة وشاع في جنبات المجتمع الفضائل وصار النساء يعقلن النصيحة ويستجبن للوعظ أو يزدجرن بالهجر
استغني عن الضرب.
فلكل حال حكم يناسبها في الشرع.
ونحن مأمورون –على كل حال- بالرفق بالنساء وقد قال صلى الله عليه وسلم "ولن يضرب خياركم". فالضرب علاج
لبعض الحالات الشاذة.
فمن النساء من تؤثر فيها الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ومنهن من تكون عاطفية تتأثر بالهجر ومنهن من لا تأتي إلا
بالعصا.
فإذا لم تنصع الزوجة لزوجها بالرغم من المراحل المتقدمة واستمرت على عنادها جاءت المرحلة الثالثة وهي التحكيم.
ثالثاً التحكيم:
إذا اشتد الخلاف بين الزوجين ولم يستطيعا أن يصلحا ما بينهما بنفسيهما ويحققا الوفاق وبسائلهما الخاصة أوجب
الإسلام أن يعرضا أمرهما على مجلس عائلي يتكون من حكمين حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة ليبحثا أسباب
الخلاف ويعملا جهدهما على القضاء على مثيراته و بواعثه ويوفقا بين رغبات الزوجين حتى يحل الصفاء والوئام محل
النفور والخصام.
وليس من الضروري أن يحدث الشقاق بالفعل للقيام بهذا التحكيم بل عند مجرد الخوف من حدوثه أي عند بوادر تنذر به ولا
يمكن للزوجين القضاء عليه بوسائلهما الخاصة.
وفي هذا يقول الله تعالى: <وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله
بينهما>(14)
وهذا بيان علاج ما إذا كان النفور من الزوجين معاً.
______
(8)كما في السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري. انظر تفسير ابن كثير: 492:1
(9)جاء في الحديث (الناس كمعادن الذهب والفضة) انظر المقاصد الحسنة للسخاوي.
(10)رواه البيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنه. وانظر آيات الأحكام للصابوني.
(11)سورة النساء: الآية 34.
(12)سورة النساء: الآية 34.
(13)انظر تفسير القاضي البيضاوي وابن كثير.
(14)سورة النساء: الآية 35.