فضل العلم بأسماء الله وصفاته’’’’
إن العلم بأسماء الله وصفاته علم مبارك، كثير العوائد، غزير الفوائد, متنوع الثمار والآثار، ويتجلى لنا فضل هذا العلم, وعظيم نفعه من خلال أمور عديدة، أهمها ما يلي
أولًا: أن هذا العلم أشرف العلوم وأفضلها, وأعلاها مكانةً, وأرفعها منزلةً, وشرف العلم من شرف المعلوم، ولا أشرف وأفضل من العلم بالله وأسمائه وصفاته الواردة في كتابه العزيز وسنة رسوله الكريم-صلى الله عليه وسلم-, ولذا فإن الاشتغال به والعناية بفهمه, اشتغالٌ بأشرف مطلوب وأجلِّ مقصود.
ثانيًا: أن معرفة الله والعلم به تدعو إلى محبته, وتعظيمه, وإجلاله, وخشيته, وخوفه, ورجاءه, وإخلاص العمل له, وكلما قويت هذه المعرفة في العبد, عظم إقباله على الله, واستسلامه لشرعه, ولزومه لأمره, وبُعْدِه عن نواهيه.
ثالثًا: أن الله-سبحانه وتعالى- يحب أسمائه وصفاته, ويحب ظهور آثارها في خلقه, وهذا من لوازم كماله, فهو-جل وعلا- وِتْرٌ يحب الوتر, جميل يحب الجمال, عليم يحب العلماء, جواد يحب الأجواد, قوي, والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف, حييٌّ يحب أهل الحياء, توَّاب يحب التوابين, شكور يحب الشاكرين, صادق يحب الصادقين, محسن يحب المحسنين, رحيم يحب الرحماء, وإنما يَرحم من عباده الرحماء.
سِتِّير يحب من يستر على عباده, عفُو يحب من يعفو عنهم, بَرٌّ يحب البر وأهله, عدْل يحب العدل, ويجازي عباده بحسب وجود هذه الصفات وجودًا وعدمًا, وهذا باب واسع يدلُّ على شرف هذا العلم وفضله.
رابعًا: أن الله خلق الخلق وأوجدهم من العدم, وسخَّر لهم ما في السموات وما في الأرض ليعرفوه وليعبدوه, كما قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق : 12>,
وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*ِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات:56-58>،
فاشتغال العبد بمعرفة أسماء الله وصفاته، اشتغال بما خلق له العبد، وتَرْكِه وتضييعه إهمال لما خلق له, ولا ينبغي لعبد فَضْل الله عليه عظيم, ونعمه عليه متوالية, أن يكون جاهلًا بربه, معرضًا عن معرفته سبحانه.
خامسًا: أن أحد أركان الإيمان الستة, بل أفضلها, وأجلها: الإيمان بالله, وليس الإيمان مجرد قول العبد: آمنت بالله من غير معرفته بربه؛ بل حقيقة الإيمان: أن يعرف ربه الذي يؤمن به, ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته, حتى يبلغ درجه اليقين, وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه, فكلما ازداد معرفة بأسمائه وصفاته, ازداد معرفه بربه, وازداد إيمانه, وكلما نقُص نقَص.
فمن عرف الله, عرف ما سواه, ومن جهل به, فهو لما سواه أجهل،
قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر : 19>، فمن نسى الله, أنساه ذاته ونفسه ومصالحه وأسباب فلاحه في معاشه ومعاده.
سادسًا: أن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها, حتى إن العارف به حقيقة المعرفة, يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله, وعلى ما يشْرَعه من الأحكام؛ لأنه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته, فأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة, ولذلك لا يشْرَع من الأحكام إلا على حسب ما اقتضاه حمده, وحكمته, وفضله, وعدله، فأخباره كلها حق وصدق, وأوامره ونواهيه كلها عدل وحكمه, ولهذا فإن العبد إذا تدبَّر كتاب الله وما تعرَّف به سبحانه إلى عباده على ألسنة رسله من أسمائه وصفاته وأفعاله, وما نزَّه نفسه عنه مما لا ينبغي له ولا يليق به سبحانه،
وتدبَّر أيامه وأفعاله في أولياءه وأعداءه, التي قصَّها على عباده, وأشهدهم إياها؛ ليستدلوا بها على أنه إلههم الحق المبين, الذي لا تنبغي العبادة إلا له, ويستدلوا بها على أنه على كل شي قدير, وأنه بكل شي عليم, وأنه شديد العقاب, وأنه غفور رحيم, وأنه العزيز الحكيم, وأنه الفعال لما يريد, وأنه الذي وسع كل شي رحمة وعلمًا, وأن أفعاله كلها دائرة بين الحكمة والرحمة, والعدل والمصلحة, لا يخرج شي منها عن ذلك.
فإذا تدبر العبد ذلك, أورثه –ولا ريب– زيادة في اليقين, وقوة في الإيمان, وتمامًا في التوكل, وحُسن الإقبال على الله-عز وجل-.سابعًا: أن معرفة الله, ومعرفة أسمائه وصفاته تجارة رابحة, ومن أرباحها:
* سكون النفس.
* وطمأنينة القلب.
* وانشراح الصدر.
* وسكنى الفردوس يوم القيامة.
* والنظر إلى وجه الله الكريم.
* والفوز برضاه, والنجاة من سخطه وعذابه.
والقلب إذا اطمأن بالله وحده, ربًا وإلهًا ومعبودًا ومليكًا, وأن مرجعه إليه، حَسُنَ إقباله عليه, وجدَّ واجتهد في نيل محابِّه, والرغباء إليه, والعمل بما يرضيه.ثامنًا: أن العلم بأسماء الله وصفاته هو العاصم من الزلل, والمقيل من العثرات، والفاتح لباب الأمل, والمعين على الصبر, والواقي من الخمول والكسل, والمرغِّب في الطاعات والقُرَب، والمرهِّب من المعاصي والذنوب, والسُلوان في المصائب والآلام, والحرز الحامي من الشيطان, والجالب للمحبة والتواد, والدافع إلى السخاء والبذل والإحسان, إلى غير ذلك من الثمار والآثار. [COLOR="DarkSlateBlue"]فهذه جمله من الأسباب العظيمة، الدالة على فضل العلم بأسماء الله وصفاته, وشدة حاجة العباد إليه، بل ليس هناك حاجة أعظم من حاجة العباد إلى معرفتهم بربهم, و خالقهم, ومليكهم, ومدبر شؤونهم, ومقدر أرزاقهم, الذي لا غنى لهم عنه طرفة عين, ولا صلاح لهم و لا زكاء إلا بمعرفته وعبادته والإيمان به وحده سبحانه .
ولهذا فإن حظ العبد من الصلاح، واستحقاقه من المدح والثناء، إنما يكون بحسب معرفته بربه سبحانه، وعمله بما يرضيه، ويقرِّب إليه من سديد الأقوال وخالص الأعمال