القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه :
( ألهاكم التكاثر ( 1 ) حتى زرتم المقابر ( 2 ) كلا سوف تعلمون ( 3 ) ثم كلا سوف تعلمون ( 4 ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( 5 ) لترون الجحيم ( 6 ) ثم لترونها عين اليقين ( 7 ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( 8 ) ) .
يقول تعالى ذكره : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم ، وعما ينجيكم من سخطه عليكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) قال : كانوا يقولون
: نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعد من بني فلان ، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ألهاكم التكاثر ) قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم كلام يدل على أن معناه التكاثر بالمال .
ذكر الخبر بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن [ ص: 580 ] مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) قال :
" ابن آدم ، ليس لك من مال إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " .
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، عن أبي بن كعب ، قال : كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن : " لو أن لابن آدم واديين من مال ، لتمنى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ثم يتوب الله على من تاب " حتى نزلت هذه السورة : ( ألهاكم التكاثر ) إلى آخرها . وقوله صلى الله عليه وسلم بعقب قراءته " ألهاكم " ليس لك من مالك إلا كذا وكذا ، ينبئ أن معنى ذلك عنده : ألهاكم التكاثر : المال .
وقوله : ( حتى زرتم المقابر ) يعني :
حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها ; وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر ؛ لأن الله تعالى ذكره ، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر ، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن حجاج ، عن المنهال ، عن زر ، عن علي ، قال : كنا نشك في عذاب القبر ، حتى نزلت هذه الآية : ( ألهاكم التكاثر ) . . . إلى : ( كلا سوف تعلمون ) في عذاب القبر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن زر ، عن علي ، قال : نزلت ( ألهاكم التكاثر ) في عذاب القبر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن الحجاج ، عن المنهال بن عمرو ، عن زر ، عن علي ، قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر ، حتى نزلت : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) .
وقوله : ( كلا سوف تعلمون ) يعني تعالى ذكره بقوله : كلا ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر .
وقوله : ( سوف تعلمون ) يقول جل ثناؤه : سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ، أيها الذين ألهاهم التكاثر ، غب فعلكم ، واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم . [ ص: 581 ]
وقوله : ( ثم كلا سوف تعلمون ) يقول :
ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال ، وكثرة العدد ، سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ، ما تلقون إذا أنتم زرتموها ، من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر . وكرر قوله : ( كلا سوف تعلمون ) مرتين ؛ لأن العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد كرروا الكلمة مرتين .
وروي عن الضحاك في ذلك ما حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك ( كلا سوف تعلمون ) قال : الكفار ( ثم كلا سوف تعلمون ) قال : المؤمنون . وكذلك كان يقرأها .
وقوله : ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) يقول تعالى ذكره :
ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا ، أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم من قبوركم ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا إشفاقا على أنفسكم من عقوبته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) كنا نحدث أن علم اليقين : أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت .
وقوله : ( لترون الجحيم ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ; فقرأته قراء الأمصار : ( لترون الجحيم ) بفتح التاء من ( لترون ) في الحرفين كليهما ، وقرأ ذلك الكسائي بضم التاء من الأولى ، وفتحها من الثانية .
والصواب عندنا في ذلك الفتح فيهما كليهما ؛ لإجماع الحجة عليه . وإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لترون أيها المشركون جهنم يوم القيامة ، ثم لترونها عيانا لا تغيبون عنها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ثم لترونها عين اليقين ) يعني : أهل الشرك .
وقوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) يقول
: ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عملتم فيه ، من أين وصلتم إليه ، وفيم أصبتموه ، وماذا عملتم به . [ ص: 582 ]
واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو؟ فقال بعضهم : هو الأمن والصحة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عباد بن يعقوب ، قال : ثنا محمد بن سليمان ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود ، في قوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : الأمن والصحة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا حفص ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال : ثنا محمد بن مروان ، عن ليث ، عن مجاهد ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : الأمن والصحة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم . قال : ثنا سفيان ، قال : بلغني في قوله : ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : الأمن والصحة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عبد الله ، قال : سمعت الشعبي يقول : النعيم المسئول عنه يوم القيامة : الأمن والصحة .
قال : ثنا مهران ، عن خالد الزيات ، عن ابن أبي ليلى ، عن عامر الشعبي ، عن ابن مسعود ، مثله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : الأمن والصحة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك :
ثم ليسئلن يومئذ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : النعيم :
صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، قال : يسأل الله العباد فيم استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) .
حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : أخبرنا عمر بن شاكر ، عن الحسن قال : كان يقول في قوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : السمع والبصر ، وصحة البدن . [ ص: 583 ]
وقال آخرون : هو العافية .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عباد بن يعقوب ، قال : ثنا نوح بن دراج ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : العافية .
وقال آخرون : بل عني بذلك : بعض ما يطعمه الإنسان ، أو يشربه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن بكير بن عتيق ، قال : رأيت سعيد بن جبير أتي بشربة عسل ، فشربها ، وقال : هذا النعيم الذي تسألون عنه .
حدثني علي بن سهل الرملي ، قال : ثنا الحسن بن بلال ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أتانا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأطعمناهم رطبا ، وسقيناهم ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " .
حدثنا جابر بن الكردي ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أتانا النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .
حدثني الحسن بن علي الصدائي ، قال : ثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : بينما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان ؛ إذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما أجلسكما هاهنا ؟ " قالا : الجوع . قال : " والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره " فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار ، فاستقبلتهم المرأة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " أين فلان ؟ " فقالت : ذهب يستعذب لنا ماء ، فجاء صاحبهم يحمل قربته ، فقال : مرحبا ، ما زار العباد شيء أفضل من شيء زارني اليوم ، فعلق قربته بكرب نخلة ، وانطلق فجاءهم بعذق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا كنت اجتنيت ؟ " فقال : أحببت أن [ ص: 584 ] تكونوا الذين تختارون على أعينكم ، ثم أخذ الشفرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياك والحلوب " فذبح لهم يومئذ ، فأكلوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتسألن عن هذا يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا ، فهذا من النعيم " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن أبي بكير ، قال ثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : " انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري " ، فانطلق بهم إلى ظل حديقته ، فبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة ، فجاء بقنو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهلا تنقيت لنا من رطبه ؟ " فقال : أردت أن تخيروا من رطبه وبسره ، فأكلوا وشربوا من الماء
; فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم ، الذي أنتم فيه مسئولون عنه يوم القيامة ، هذا الظل البارد ، والرطب البارد ، عليه الماء البارد " .
حدثني صالح بن مسمار المروزي ، قال : ثنا آدم بن أبي إياس ، قال : ثنا شيبان ، قال : ثنا عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلا أنه قال في حديثه : " ظل بارد ، ورطب بارد ، وماء بارد " .
حدثنا علي بن عيسى البزاز ، قال : ثنا سعيد بن سليمان ، عن حشرج بن نباتة ، قال : ثنا أبو بصيرة عن أبي عسيب ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط : " أطعمنا بسرا " فجاء بعذق فوضعه ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم دعا بماء بارد فشرب ، فقال : " لتسألن عن هذا يوم القيامة " فأخذ عمر العذق ، فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ، ثم قال : يا رسول الله ، إنا لمسئولون عن هذا ؟ قال : " نعم ، إلا من كسرة يسد بها جوعة ، أو حجر يدخل فيه من الحر والقر " .
حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : ثنا بقية ، عن حشرج بن نباتة ، قال : حدثني أبو بصيرة ، عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : مر بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاني وخرجت ومعه أبو بكر وعمر [ ص: 585 ] رضي الله عنهما ، فدخل حائطا لبعض الأنصار ، فأتي ببسر عذق منه ، فوضع بين يديه ، فأكل هو وأصحابه ، ثم دعا بماء بارد ، فشرب ، ثم قال : " لتسألن عن هذا يوم القيامة " فقال عمر : عن هذا يوم القيامة ؟ فقال : " نعم ، إلا من ثلاثة : خرقة كف بها عورته ، أو كسرة سد بها جوعتة ، أو جحر يدخل فيه من الحر والقر " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي بصيرة ، قال : أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وناس من أصحابه أكلة من خبز شعير لم ينخل بلحم سمين ، ثم شربوا من جدول ، فقال : " هذا كله من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة " .
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا محمد بن عمرو ، عن صفوان بن سليم ، عن محمد بن محمود بن لبيد ، قال : " لما نزلت ( ألهاكم التكاثر ) فقرأها حتى بلغ : ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) قالوا : يا رسول الله ، عن أي النعيم نسأل ، وإنما هو الأسودان : الماء ، والتمر ، وسيوفنا على عواتقنا ، والعدو حاضر ! قال : " إن ذلك سيكون " .
حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسين بن علي الصدائي ، قالا ثنا شبابة بن سوار ، قال : ثني عبد الله بن العلاء أبو رزين الشامي ، قال : ثنا الضحاك بن عرزم ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ، وترو من الماء البارد " ؟ .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ليث ، عن مجاهد ، قال : قال أبو معمر عبد الله بن سخبرة : ما أصبح أحد بالكوفة إلا ناعما ، إن أهونهم عيشا الذي يأكل خبز البر ، ويشرب ماء الفرات ، ويستظل من الظل ، وذلك من النعيم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد الرحمن بن الحارث التميمي ، عن ثابت البناني ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " النعيم : المسئول عنه يوم القيامة : كسرة تقويه ، وماء يرويه ، وثوب يواريه " .
قال : ثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن بشر بن عبد الله بن بشار ، قال : سمعت بعض أهل يمن يقول : سمعت أبا أمامة يقول : النعيم المسئول عنه يوم القيامة : خبز البر ، والماء العذب .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن بكير بن عتيق العامري ، قال : أتي سعيد [ ص: 586 ] بن جبير بشربة عسل ، فقال : أما إن هذا النعيم الذي نسأل عنه يوم القيامة ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن بكير بن عتيق ، عن سعيد بن جبير ، أنه أتي بشربة عسل ، فقال : هذا من النعيم الذي تسألون عنه .
وقال آخرون : ذلك كل ما التذه الإنسان في الدنيا من شيء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : عن كل شيء من لذة الدنيا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) إن الله عز وجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : إن الله تعالى ذكره سائل كل ذي نعمة فيما أنعم عليه .
وكان الحسن وقتادة يقولان : ثلاث لا يسأل عنهن ابن آدم ، وما خلاهن فيه المسألة والحساب إلا ما شاء الله : كسوة يواري بها سوءته ، وكسرة يشد بها صلبه ، وبيت يظله .
والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم ، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع ، بل عم بالخبر في ذلك عن الجميع ، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم ، لا عن بعض دون بعض .
آخر تفسير سورة ألهاكم
من تفسير الطبري