بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وصلني هذا الموضوع ورايت فيه امور فعلا تحصل في ايامنا هذا
انه بعض الشيء طويل لكن فيه امور يجب الانتباه لها
رزقني واياكم وكل مؤمن ومؤمنه ازواج صالحين
فضيلة الشيخ الدكتور/ صالح بن عبد العزيز المنصور –رحمه الله- | 30/7/1429
(كلمات كتبها يراع الدكتور المنصور الغائب عن دنيانا بعد حياة قضاها في سبيل الله ـ نحسبه كذلك ـ داعياً إلى الله، تشعر في ثناياها بلهفة المحب الشفيق على أبناء أمته، وتلمس حرصاً على تخليص مجتمعنا الإسلامي من شوائب التقليد في واحدة من مناسباتنا الاجتماعية التي ترنو فيها الأبصار نحو "عولمة الأفراح" كما مناحي الحياة المختلفة التي أصبح التقليد فيها مطية كثير من المسلمين، حتى غدت تلكم المظاهر مما يستفز قلب كل غيور، ومنهم الشيخ الذي فقدناه مؤخراً، والذي خصنا ابنه عبد المجيد حفظه الله، وألهمه وسائر أسرته الصبر ووفقه لما يحبه ويرضاه، بهذا المقال الذي صدح فيه الوالد رحمه الله بما اعتمل في نفسه وتحرك به قلمه دفاعاً عن حرمة هذا الدين وأهله، ورغبة في إصلاح فساد أحوال مجتمعاتنا، وقد مثل المقال صيحة إنذار ـ ننشرها كما وردتنا ـ لمجتمعنا المسلم، لعل الله أن يوفق للأخذ بأحسنها، والله المستعان) [المحرر]
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، الذي يقول: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) وقال "صلى الله عليه وسلم": "إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها" صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الوليمة في الزواج سنة سنها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بقوله وفعله فقال "صلى الله عليه وسلم" لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج (أولم ولو بشاة) وفعل ذلكم رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك "رضي الله عنه" قال: ما أولم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة) هذه أكبر وليمة عملها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في زواجه مع حاجة أصحابه "صلى الله عليه وسلم" إلى الطعام واللحم، ولكن الرسول "صلى الله عليه وسلم" عمل هذا ليشرع لأمته التسهيل والتيسير، فهل سلك الناس اليوم طريق محمد "صلى الله عليه وسلم" في ولائم الزواج؟ إننا حين ننظر إلى واقعنا المؤلم نجد ما يؤلم القلب ويوقع الأسى والحسرة في النفوس، نجد ما نخاف العقوبة مع وجوده، بينما الكثير منا يظل مدة طويلة يجمع الصداق للزواج ويجمع تكاليف الوليمة، فإذا ما قرب الزواج أشغل باله وفكره في إعداد الوليمة، ويظل يفكر ليله ونهاره كيف تكون الوليمة؟ وكم يذبح من الأغنام؟ ومن يدعو إليها؟ وما المكان المناسب للوليمة؟ وهل تكون الوليمة موفقة أو لا؟ أسئلة وأفكار وهواجس تدور بخلد المتزوج تقلق راحته وتقض مضجعه، ويمر عليه زمن يعيش فيه على أعصابه حتى يفرغ منها، وهو لا يصدق بفراغه من هذه الوليمة، ويا ليت الأمر يقتصر على هذا ولكن الكثير من هذه الولائم ويا للأسف التي تقام يحصل فيها من الإسراف والتبذير ما الله به عليم، فتهدر قطعان عظيمة من الأغنام وبلادنا في أشد الحاجة إليها مما أدى إلى استيراد كثير من المواشي من خارج البلاد، وإنك لو فكرت في مؤونة هذه الولائم لوجدت الكثير منها نستورده من خارج البلاد، وكلنا يعلم عاقبة ذلكم السيئة، وياليت هذا الطعام الذي يقدم يأكله الفقراء والمحتاجون إليه، بل الكثير منه يأخذ طريقه إلى المزابل والصحراء، وا أسفاه نعمة الله نفعل بها هكذا؟!
والأدهى والأمر هذه الموضة التي بدأت تغزونا فسلكها كثير من الناس في ولائم الزواج، تلكم هي إقامة الولائم في الفنادق حيث تكلف الوليمة أموالاً خيالية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإنني أعتقد أن الإسراف في الولائم وتكاليف الزواج مرض اجتماعي خطير يهدد اقتصاد الأمة الإسلامية بل يهدد أخلاقها بتعطيل كثير من الشباب والفتيات عن الزواج بسبب ذلكم الإسراف.
فمتى نسلك طريق محمد "صلى الله عليه وسلم" بالتسهيل والتيسير؟ إن أكبر وليمة أقامها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لزواجه وليمته على زينب، أولم بشاة، وأولم على بقية نسائه بأقل من ذلكم، روى البخاري وغيره عن صفية بنت شيبة أنها قالت رضي الله عنها: (أولم النبي "صلى الله عليه وسلم" على بعض نسائه بمدين من شعير)، وروى الخمسة إلا النسائي عن أنس أن النبي "صلى الله عليه وسلم" أولم على صفية بتمر وسويق، وروى الإمام أحمد ومسلم عن أنس في قصة صفية (أن النبي "صلى الله عليه وسلم" جعل وليمتها التمر والأقط والسمن)، إن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حينما يولم بهذا ليبين لأمته سنته في الوليمة، وأنها ليست مقصورة على اللحم.
وإن الوليمة سنة في حق الزوج خاصة، دون الزوجة، فلم يكن أولياء الزوجات في عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يصنعون وليمة لبناتهم في أعراسهن، بل إن هذا في حق الأزواج خاصة، وإن زواجاً يحصل فيه إسراف وتبذير ولهو وباطل لحري بالفشل والخيبة، وإن زواجاً يحصل فيه التيسير والتسهيل لزواج مبارك موفق إن شاء الله تعالى كما قال رسول الله :"صلى الله عليه وسلم" (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة) فسهلوا ويسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، أولموا بالشاة والشاتين، أو بغير ذلكم، تجمعون عليها أقاربكم الذين لا يَعذرون ولا يُعذرون بتركهم، وادعوا فقرائكم، ودعوا الناس لا تجبروهم، ولا تحرجوهم بدعوتكم إياهم، ووفروا اقتصاد بلادكم.
هذا وإن الإسراف في الوليمة هو أحد منكرات الأفراح والأعراس، وإنه ويا للأسف يحصل فيها، وفي القصور منكرات عظيمة ينبغي أن نشير إلى شيء منها:
وأول ذلك: الإسراف في بطاقة الدعوة، فكثير من الناس يرتكب شططاً في إعداد بطاقة الدعوات، وأصبحت البطاقة مظهراً من مظاهر التفاخر والمباهاة، وقد تبلغ بطاقة الدعوة مبلغاً عظيماً من المال، ويكون مصيرها أن ترمى في النفايات، وربما تداس في الأقدام وفيها اسم الله سبحانه وتعالى، أليس الجدير بالمسلم المؤمن الذي يتقي الله ويراقبه ويرجو أن يحفظ الله عليه هذه النعمة، وأن يبارك له في زواجه أن يختار بطاقة مناسبة اقتصادية؛ لأن المقصود من البطاقة -كما هو معلوم- أن تدعو من تريد إلى حضور المناسبة، وليس المقصود منها أن تبرز قيمتك عنده وتفتخر بهذه البطاقة حينما تقدمها لمن تدعوه، والرسول "صلى الله عليه وسلم" يقول: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة).
والواقع اليوم في كثير من البلاد تكون هذه البطاقات على حساب صداق هذا المسكين (الزوج)، وعلى نفقته الذي ربما يكون سبباً في فشل الزواج بينهما.
ومن المنكرات: الإسراف في اللباس، والتفنن في التفصيل حسب ما تراه المرأة في وسائل الإعلام الوافدة بواسطة الأطباق الفضائية أو الصحف والمجلات الماجنة من موديلات التفسخ والعري من ملابس قصيرة أو شفافة، أو تبرز شيئاً من حجم جسمها كالصدر والظهر والساقين، وربما يكون مشقوقاً يبدو منه كل شيء، وهذا منكر عظيم كبير، جاء في الحديث عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه قال: (صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم.
ويا ليت هذا اللباس يكون مقصوراً على الزوج أو في بيتها، وإنما تفعله لتعلن هذا المنكر أمام النساء، وأمام كل من يراها -والعياذ بالله- فتفتن نفسها وتفتن غيرها، وهذا مصداق قول النبي "صلى الله عليه وسلم" (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) رواه البخاري ومسلم.
وإن هذه الموديلات التي غزتنا وسرت في أمتنا وفي بلادنا سريان النار في الهشيم، تنتشر وتسرع في انتشارها فأكلت الأخضر واليابس إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، بدأت في الأطفال الصغيرات، ثم بعد ذلك في الكبيرات، فأصبح من يحضر ذلك من النساء يخبرننا عن شيء يندى له الجبين، وتتفطر له مرارة كل غيور على دينه حينما يرى هذه المرأة التي كان أهلها ذروة في الطهر وفي الصلاح والاستقامة والشيمة والحمية والغيرة، يرى ابنتهم، أو يرى موليتهم تتفنن في عرض نفسها كأنها في سوق معرض الأزياء –والعياذ بالله- وكل ما تراه على هذه الشاشات الماجنة المدمرة تريد أن تطبقه أمام النساء، ألا فلتعلم هذه المرأة المسكينة أنها حينما تفعل ذلك إنها تفتن نفسها وتفتن غيرها، وتكون وسيلة دعاية إعلان لهذا الخزي، ولهذا التفسخ، ولهذا الشر العظيم المستطير، ثم ربما يبتليها الله سبحانه وتعالى بعين شيطانية، وكثيراً ما تصاب المرأة حينما تأتي من فرح من الأفراح، تصاب بجنون، أو بمرض نفسي، تصبح قعيدة بيتها أو معقدة في حياتها حتى تموت، وهذا كله من جراء ما فعلت، وحينما تلبس مثل هذه الملابس الفاسخة قد تراها امرأة محرومة من هذا الجمال، أو محرومة من هذه الصفات، أو ربما تعجب بها امرأة ثم يصادف هذه النظرة شيطان حاضر واقف أمام امرأة غير مدعومة ولا محصنة بشيء من آيات الله، ولا بالأوراد، ولا بطاعة الله سبحانه وتعالى، بل هي منغمسة في الرذائل، وفي الفسق، فبذلك يصادف باباً مفتوحاً من أبواب هذه المرأة فيدخل الشيطان ويتربع عليها، ثم بعد ذلك هيهات أن يخرج منها الشيطان، وأن يخرج منها هذا المرض، وأن يخرج منها هذا البلاء إلا أن يشاء الله، فاتقوا الله يا عباد الله، ولتتق كل امرأة الله سبحانه وتعالى، وتحرص على الطهر والستر والعفاف.
ومن المنكرات أيضاُ: نفقات إعداد هذه الفساتين نفقات هائلة، ويبلغ بعض الفساتين عشرة آلاف، بل أكثر من ذلك، بل قل يبلغ ألفاً أو ألفين، ثم لا تلبسه إلا مرة واحدة في هذه المناسبة، فيا ليتها حينما تفصل فستاناً يعيش معها هذا الفستان ما دام صالحاً للبس، وفي كل مناسبة تغسله وتنظفه ثم ترفعه، ثم تعيده مرة أخرى، ولكن هيهات هيهات أن تلبسه، بل مصيره إلى النفايات-والعياذ بالله-
فتصور حال ذلك الرجل الذي عنده دخل بسيط، ومناسبات زوجته كثيرة، بنت عمها، وأختها، وقريبتها، وربما يكون عنده عدت بنات أيضاً، ويحتاج إلى أن يفصل لهن مثل هذا التفصيل بهذه المبالغ الكثيرة، ما الذي يبقى من دخله؟!، مهما كان عنده من مرتب، ومهما كان عنده من مال، إذا كان ينفق في كل مناسبة بما لا يقل عن عشرة آلاف أو أكثر، ما الذي يبقى له؟ إن الإغراق في هذه الكماليات سبب خراب البيوت، ودمار حياتها الاقتصادية؟ والمستفيد من ذلك كله الشيطان، وأعداء الإسلام.