تحقيق :منى بورسلي


* أجرت مجلة المعلم (العدد 1074) لقاء مع عدد من الزوجات اللاتي صاحبن أزواجهن في رحلاتهم الدراسية, وسلطت الضوء على الصعوبات الكثيرة حيث الحياة المختلفة عن حياتهم التي تعودوا عليها وكذلك اللغة والعادات والتقاليد المختلفة...

* في البداية تحدثت سعاد أحمد، وهي زوجة مهندس كان قد ذهب للدراسة قبل أن يتزوج وفي وأثناء الدراسة أحس بالحاجة إلى من يشاركه غربته وتزوج وعاشا في أميركا مدة سنتين ورزقهما الله بطفل واحد، تتحدث الزميلة فتقول:

ـ كنت متحمسة جداً للذهاب لأميركا خاصة بعدما أصبح الطريق أكثر سلوكاً وأصبح الكثير من الناس يذهب لأميركا وبعد سماع القصص الشيقة عن هذا البلد البعيد، فما كان مني إلا أن حزمت أمتعتي وذهبت بكل سرور وثقة برفقة زوجي كعروس.

وبعد الاستقرار أردت وبتشجيع من زوجي أن أدرس اللغة الإنجليزية لتقوية لغتي ولكن صدمتي كانت قوية لأنني منقبة وقد كنت كالشبح بالنسبة لهم خاصة وإننا كنا في مدينة لا يوجد بها الكثير من المسلمين حيث إنني قد أكون الوحيدة التي دخلت هذه المنطقة بالنقاب، فالكل ينظر إلي باستغراب حتى إنني أحرج من الكلمات الملقاة علي وعندما أقترب من أية عائلة ومعها طفل يبدأ بالصراخ خوفاً مني.

كرهت الخروج من المنزل لأنني حساسة جداً وفي نفس الوقت متمسكة بنقابي ومقتنعة به، فكنت لا أخرج إلا للضرورة أي للدكتور أو لأحد التجمعات العربية، وقد كنت أنتظر اليوم الذي نذهب فيه نهائياً إلى بلدي وكنت أعد الأيام حتى إنني عندما حملت بابني رجعت الى وطني لكي ألد هناك وانتظرت زوجي إلى أن انتهى من دراسته ورجع، ولا أعتقد إنني أفكر بالرجوع مرة ثانية، فمعاناتي في الغربة أختصرها لكم بعدة كلمات فهي لم تكن معاناة مع حياة زوجية جديدة علي وإنما مع شعب جديد علي.

* أما فاطمة علي، فهي تتصف بالمرح والشخصية المتألقة فهي دائمة الابتسامة والنكتة تقول:

ـ إنني عشت خارج الوطن أكثر من أربع سنوات وكانت أحلى أيام حياتي حيث أن الحياة هناك جعلتني أعتمد على نسي أكثر حيث كنت كثيرة الاعتماد على أمي حتى بعدما تزوجت، وقد أحببت الحياة هناك لأنني كنت بعيدة عن الالتزامات العائلية، لا أحد ((يزعل مني إذا لم أزره ولا أحد يتشره علي)) وأنا أكره الزيارات العائلية .ومن المشاكل التي صادفتني هي إنني كنت طالبة في المعهد التطبيقي عندما ذهبت مع زوجي إلى أميركا وأخذت تأجيلاً من المعهد ولكن مشكلة المعهد إنه يعطيني تأجيلاً لمدة كورسين فقط على أن يتم إخطارهم كل كورس على حدة ثم بعد ذلك يجب أن أرجع لكي أدرس وإلا طردت من المعهد.. لم أكن أرغب في ترك زوجي حيث تعود أن أحضر له كل شيء وكان يعتمد علي في كثير من الأشياء، ولكني كنت مضطرة للذهاب بعد كل كورسين وأجلس في الكويت لكي أدرس كورساً ثم أرجع مرة أخرى لكي يتم تأجيل الدراسة وهكذا لمدة أربع سنوات كانت غير مستقرة بالنسبة لي والسبب يعود إلى قوانين المعهد الكريم.

* أما هدى خالد، فهي قد عاشت في أميركا لمدة ست أشهر فقط رغم أن زوجها عاش سنوات في أميركا بعد الزواج، تقول:

ـ تزوجنا قبل أن يذهب زوجي للبعثة الدراسية، ورزقنا بثلاثة أطفال وعندما ذهبنا لأميركا كانت هذه المرة الأولى بالنسبة لي ولزوجي فقد كانت البيئة جديدة علينا وقد كانت اللغة مشكلة كبيرة بالنسبة لي خاصة وإنني أم لثلاثة أطفال ويجب أن أحتك بالحضانة والمدرسة وقد كنت أحرج من عدم معرفتي التكلم وقد كان اشتياقي لأهلي لا يوصف حيث إنه أعاق استمراري مع زوجي في غربته.. وكان السبب الآخر لعدم استمراري هو طلب زوجي صراحة أن أعود أنا والأطفال الى الوطن لأننا بصراحة لم نساعده في غربته بل أعقناه لأن أطفالي كانوا مشاغبين ودائماً يلعبون في أوراق أبيهم ويزعجون جيراننا وقد سببنا له الكثير من الإحراج مما جعلنا لا نستمر معه ونذهب للكويت وقد زرناه مرتين خلال رحلته وهو كان يأتي لنا في كل عطلة.

* تكلمت بعد ذلك خلود سليمان فقالت:

ـ إن الشاب في الغربة وخاصة في بداية حياته يعيش حياة صعبة جداً حيث المغريات كثيرة وسهل الحصول عليها، صحيح أن المجتمع الأميركي محافظ أكثر من المجتمع الأوروبي.
وهنا أنا أتكلم عن تجربة حية لزوجي حيث إنه عاش مدة سنتين في أميركا قبل أن يتزوج وقد اعترف لي انه صادق شباباً قبل السفر وقد كانوا من عوائل محترمة ومعروفة وقد كانوا شباباً ذوي سلوك سليم والكل يشهد بذلك، ذهبوا معاً وسكنوا في نفس المدينة وبعد الاندماج في المجتمع هناك بدأوا يسلكون سلوكاً مختلفاً عما تعودوه حيث بدأت حياتهم الجديدة بالتحدث مع زميلات في الكلية ثم بالمقابلات والسهرات وقد وصل بالبعض إلى الشرب وغيرها من المفاسد.

عاش زوجي معهم وشاركهم بكل ما فعلوه، يقول: كنت سعيداً بكل هذه الملذات المتاحة رغم تأنيب الضمير وعدم شعوري بالرضا عما أفعله وقد أهملت دراستي وبدأ طموحي يفتر وبعد زيارة للكويت شعرت بالرغبة في غسل ذنوبي وذهبت للعمرة وقررت أن أسلك سلوكاً حسناً.

فقد أحس زوجي بمرارة ما فعله وعظيم الجرم الذي أحدثه في نفسه فقرر أن يتزوج لكي يعتدل وفعلاً تزوجنا واختلف سلوكه كلية حيث لا يفوته فرض في المسجد ويشترك في أنشطة مسجد المدينة وكانت درجاته دائماً تبشر بالخير.

فزوجي تزوجني خوفاً على نفسه من الانحراف، وقد بان ي واضحاً أن المتزوج أكثر استقراراً من غير المتزوج، وغير معرض للانحراف.. وعموماً إنني أطلب من الله أن يهدي الجميع.

* أما زميلتنا ليلى حمد فقد كانت تلزم الصمت دائماً وتفضل الامتناع عن التحدث، الكل يشهد لها برجاحة العقل والثبات، سألناها عن تجربتها في حياة الغربة، ولأنها كانت الوحيدة التي لم تتحدث في هذه المناقشة فقد وافقتنا وقالت:

ـ إنني ملتزمة ومتدينة والحمد لله وكنت أحافظ على بيتي وأسرتي من أية دواخل قد تحطم ما بنيته.. وعندما قرر زوجي أن يذهب لكي يكمل دراساته العليا كنت متخوفة جداً من الذهاب لا خوفاً من الغربة ولكن خوفاً على أسرتي من الانحراف ونسيان الدين وخوفاً على أبنائي من الاختلاط بالأطفال الآخرين.

ولكني بصراحة أقولها إن التصاقنا بالدين كان أكثر في أميركا وقد كان صافياً لا شوائب ولا اتجاهات تحدده وقد حضرنا الكثير من المؤتمرات التي أقيمت هناك، وقد كان لي نشاطي في إقامة الدروس للجالية العربية حيث كانوا يحبون أن يستمعوا إلى كل شيء متعلق بالدين ويحرصون على الحضور بانتظام. هذا على الرغم من عدم وجود أية خبرة عندي في إلقاء الدروس ولكني تعلمت هناك.

وعندما حضرنا إلى بلدنا بعد انتهاء زوجي من دراسته تفاجأنا بالوضع الموجود وبرغبتنا بعدم العودة في البداية حتى إن ابنتي قالت لي: هنا يوجد الكثير من الأغاني والرقص في التلفزيون أكثر من أميركا رغم إن أميركا ليست بلاداً مسلمة..!

لم أعرف كيف أرد عليها، فأنا كنت أرد على أي أحراف أجده في أميركا بأنهم غير مسلمين ولا يعرفون الحرام من الحلال ولكن ماذا أجيبها ونحن في ديار المسلمين..؟ فعلاً الحياة مختلفة..!

كانت الزميلة آخر من تحدث في هذه الجلسة وقد اضطررنا أن نغلق باب النقاش لأن الوقت قد أدركنا وكان يجب أن نذهب كل إلى حيث عمله، وقد كانت هذه الجلسة ممتعة حيث أخذنا آراء ووجهات نظر مختلفة.

ولا أعرف ما رأيك، عزيزي القارئ! في هذا الموضوع وبالآراء المتعددة التي تحتويه..


تحياتي
Lonely Man