مما لا شك فيه أنا المتأمل في كل زواج ناجح , يتبادر إلى ذهنه أول وهلة أن
رأس ماله مكلف, يتطلب من كلا الطرفين جهودا مضنية لا يتمكن من الظفر بها غير فئة قليلة جدا, ممن يملكون التميز في
الصفات والسلوك, لكن الأصل في المسألة غير ذلك وعكس ما نتصور.
فرأس مال الزواج الناجح يمكن تلخيصه في كلمة واحدة قد نطبقها دون أن نعي للفعل معنى ألا وهو
المودة.
مفهوم المودة شرعا
فسر مفهوم المودة بالحب والإحترام معا, من غير انفصال أو اقتصار على أحدهما دون الآخر , وهو شرط أساسي لبناء
صرح حياة زوجية ناجحة بمعنى الكلمة, يحب ويحترم كل من الزوجين بعضهما البعض, ساعين معا إلى تحقيق السكن
الذي هو رهين بتوفر المودة والرحمة, ويتمثل ذلك في قوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم:21)
ولعل معلم الخلق قدوتنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان له السبق في تحقيق ما تقدم ذكره قال عليه السلام:
[ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] حديث صحيح. والسيرة مليئة بالعبر حول تعامله عليه السلام مع أزواجه.
خطوات عملية للحفاظ على المودة الزوجية
1. يقول حبيبنا المصطفى ( تهادوا تحابوا ) هذا بشكل عام له أثربين الناس فكيف تكون درجة أثره
على الأزواج , فتبادل الهدايا تعد منهجية ناجحة ورابحة, تعود بالأثر على الزوجة إن هي أهدت ففرح زوجها من
فرحها, وإن أهدي لها فرضاها سينعكس خيرا على شكل زيادة اهتمام بزوجها وإكرامه على النحو الذي يهواه.
2. إياك والخجل من البوح بمشاعرك تجاه شريك الحياة, فإن ذلك يزيد من أواصر المحبة ويقوي
العواطف ويؤججها لتترجم عبر أشكال مختلفة ومتنوعة.
3. هناك من يعتقد بأن كلمات الحب تبلى ولا يصبح لها معنا- بتقدم السن- فيتم الإستغناء عنها , لكن
العكس من ذلك فالحب كلما تجدد يلبس ثوبا جديدا ويأخذ حلة مختلفة تختلف بمدى إبداع الطرفين ولو كانت الكلمة تتكون
من حرفين فقط .
4. التنافس على السبق للقيام بالأفعال التي ترضي الطرف الآخر دون تسويف أو انتظار واتكال
أحدهما على الآخر ,فكم هو جميل أن يعبر الزوج أو الزوجة عن أحساسيه ليفاجأ بنصفه الثاني يرد عليه " سبقتني إلا
أنني سأسعى جاهدة أو – جاهدا- لأفوز عليك المرة القادمة " فتقوى المنافسة ومن تم الإجتهاد للإتيان بفعل يحبه
الطرفين .5.
5ـ لا تنس أن نيل حقك الشرعي ليلا يصبح بمثابة اغتصاب إذا لم تتقدمه المودة باقي النهار .
6. استخدام إيماءات العيون و تعابيرها أو ما يصطلح على تسميتها لغة العيون بين الزوجين ,فالعيون
قد توصل إلى القلوب والأفهام ما لا يقدر اللسان على إيصاله وما تعجز الكلمات على ترجمته .
7. فاقد الشيء لا يعطيه: فكم مرة تنتظر الزوجة أو الزوج مبادرة الاخر سواء في البوح بالمشاعر أو
الود على صعيد الأقوال أوالأفعال على أساس الإعتقاد أن من يفتقد للحب من الصعب عليه إشعار الآخر به, وهذا عكس
التنافس الذي سبق ذكره , فالطريقة الأمثل هو حسن التعامل ولين الجانب لبعضهما ومبادرة أحدهما إن حس في نفسه
شيئا ,وسينهل بذلك فاقد المودة ,ومن المؤكد أن كل من نهل سيعطي على قدر ما أخذ .
8. التغاضي عن الأخطاء والتماس العذر ولا بأس من فتح نقاش كي تصفى القلوب ولا نترك مجالا
للضغينة وبذلك نسد كل منافذ الشيطان ,ولابد لهذا النقاش والمصارحة من التسامح القبلي ليبقى هدفه محدد بعيدا عن
العتاب الذي قد يستحضر أخطاء الطرف الآخر السابقة , فتجري بذلك الرياح بما لا تشتهيه السفن.
9. مشاركة الزوجين بعضهما البعض في التخطيط لمستقبلهما والتشاور حتى حول المسائل الخاصة لأحدهما ,فكم من
فكرة أضافها طرف للآخر, تسببت في نجاح الزوج أو الزوجة وتركت بذلك بصمات دائمة فكان لصاحبها الفضل , ومن
تم زيادة مكانته عنده وعدم الرغبة في التخلي عنه.
10. لا بد من التزام أدبيات الإسلام - في كل ما سبق ذكره – من دعاء ولين جانب وغيره , مع التأكيد
أولا وأخيرا على القيام وأداء واجبات كل طرف تجاه سكنه قدر المستطاع والله لا يكلف نفسا إلا وسعها .
لمن يعتبر
من المؤكد أن العبر كثيرة في كل زواج ناجح مبني على رأس مال مثين ,إلا أنه لايتسع المقال لسرد نماذج زواج
موفقة بل يكفي توجيه انتباه القاريء إلى البحث جاهدا عن رأس مال هذا الزواج , ولا محالة سيجد أن سر نجاحه هو
المودة الصادقة التي تضفي على العش الأسري أريجا ونسيما زكي يجلب كل من الزوج والزوجة إلى العيش في طمأنينة
وهناء , ويخلق لهما الرغبة الكاملة للحفاظ على عشهما وعدم تحطيمه لأسباب واهية كدعوى الرجولة أوبالأحرى التسلط
بالنسبة للزوج ,وحفظ الكرامة و ماء الوجه أوبالأحرى التكبر بالنسبة للزوجة.
لذا فليتق الله كل من الزوج والزوجة في نفسيهما وفي بعضهما البعض وليسع كل منهما إلى شكر نعمة الميثاق الغليظ
الذي وهبهم الله إياه بصونه وعدم تضييعه.