خيتي الحبيبة
كم أزعج ذكر النار قلوب الخائفين، وأطار النوم من عيون المتعبدين.
فترى كيف فعل بكِ؟؟؟
في المقالة السابقة تحدثنا عن بعض صفات دار البوار وأبوابها، أما في هذه المقالة فسوف نتعرف على الآتي:
(صفة النار، دركاتها، سعتها، وقودها، شدة حرها، تتكلم وتبصر، هل من مزيد، خزنتها)
أهل النار (عظم خلقهم، لباسهم، طعامهم، شدة عذابهم، أمانيهم).
أولاً صفة النار
دركات الجحيم
وكما أن الجنة درجات ومنازل، فإن النار دركات مختلفة، بحسب إجرام أهلها، وأعمالهم في الدنيا، قال تعالى:
((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)) ( النساء: 145 )
وأما أهون الناس عذابًا في النار، فيقول عنه النبي r: (( إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة، رجل على أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه )) رواه البخاري, فتذكري أخيتي الحبيبة، إذا كان هذا حال أهون الناس عذابًا يوم القيامة؛ فما بالك بغيره من أهل النار؟ بل وما بالك بأشد أهل النار عذابًا؟
سعتها
وإذا أردتِ أن تعرفي سعتها فانظري لحديث النبي r, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله r، إذ سمعنا وجبة، فقال النبي r: (( أتدرون ما هذا؟ ))، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: (( هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن, حتى انتهى إلى قعرها )) رواه مسلم, بل وصح عنه rأنه قال: (( لو أن حجرًا مثل سبع خلفات، ألقي من شفير جهنم, هوى فيها سبعين خريفًا، لا يبلغ قعرها ))صححه الألباني.
وارجعي معي الآن إلى مشهد من مشاهد يوم التغابن، يقول في وصفه رسول الله r: (( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك )) رواه مسلم
أي بلغة الأرقام (4900.000.000) أربع مليارات وتسعمائة مليون ملك يجرونها، فلكِ أن تتخيلي هذا، فاللهم سلم سلم يا أرحم الراحمين.
وقودها
أخيتي الغالية, ما ظنك بنار وقودها الناس والحجارة؟
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )) ( التحريم: 6 ).
فالناس هم الوقود وهم المعذبون.
شدة حرها (سموم ويحموم وحميم)
إن الحر في هذه الدنيا يمكن أن يُتقى، بما مد الله لعباده من الظل الذي يقيهم الحر، وبما رزقهم من الماء الذي يرويهم من العطش، وبما أوجد لهم من الهواء، والريح الباردة التي تلطف لهم الجو، وتهون عليهم شدة الفيح.
أما في جهنم -عياذًا بالله- فإن هذه الثلاثة تنقلب عذابًا على أهلها فالهواء سموم، والظل يحموم، والماء حميم.
قال تعالى: ((وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ (43) لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)) ( الواقعة: 41 – 44 ).
عياذًا بالله من هذه النار، فأين صبرك أخيتي على هذا؟ فهلا أنقذتِ نفسك من هذا الخطر الجسيم؟
النار تتكلم وتبصر
قال تعالى: ((إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً )) (الفرقان : 12)
وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: (( يخرج يوم القيامة عنق من النار، له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين )) رواه الترمذي.
هل من مزيد.؟
قال تعالى: ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ )) (ق: 30 ).
فتأملي كيف يدخلها تسعمائة وتسع وتسعون في الألف من البرية، ومع ذلك يبقى فيها متسع للمزيد، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي r قال: (( لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط، قط، وعزتك وكرمك )) صححه الألباني.
خزنتها
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) (التحريم : 6)
وقد افتتن المنافقون بذلك، فظنوا أنهم قادرون على هذا العدد القليل, فأعقب الله جل وعلا الآية بقوله:
((وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا )) (المدّثر : 31)
فيهـا غـلاظ شـداد من ملائكة قلـوبهم شـدة أقوى من الحجر
أهل النار
عظم خلقهم
هيئة أهل النار عظيمة هائلة؛ فجسد الواحد منهم أضخم من الجبال الشاهقة التي نراها في الدنيا، فلا تسألِ عن ضروسهم ورؤوسهم وجلودهم, فهي من العظمة في الحجم والغلظة في السمك ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه؛ وما ذاك إلا ليذوقوا العذاب في أعلى صوره، وأنكى شدائده.
فإنه كلما تضخمت أجسامهم، كلما قوي العذاب في جنباتهم، قال r: (( ما بين منكبي الكافر في النار، مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) رواه البخاري وقال r
( ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث )) رواه مسلم
لباسهم
ليس اللباس لوقايتهم من الحر والبرد والزمهرير كما في الدنيا؛ وإنما هو زيادة في العذاب وتنوع في النكال.
قال تعالى: )) الَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ))(الحج : 19]
وقال تعالى: ((وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ )) ( إبراهيم: 49 – 50 ).
والقطران هو النحاس المذاب، وتأمل كيف ألبسهم الله يوم القيامة ثيابًا مقطعة حامية؛ لما لبسوا في الدنيا لباس المعاصي والمحرمات.
طعامهم
قال تعالى: ((لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)) (الغاشية : 6)
قال تعالى
( وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً)) (المزّمِّل : 13)
قال تعالى
(وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئونَ ))(الحاقة : 37)
قال تعالى: ((هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)) ( ص :58:57)
فتأملي أخيتي هذا المشهد المشين، الذي تتقزز النفس من سماعه، فضلًا عن رؤيته، وانظر إلى هؤلاء البؤساء في مشهدهم هذا، وهم يلعقون الضريع، والقيح، والغسلين، وألوان العذاب فوق رؤوسهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، إنه الخزي والندامة والحسرة والخسارة.
فيا سـاهيًا في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عن قريب ستندم
أما فاكهتهم؛ فإنها من شجرة الزقوم، وإنها لشجرة شنيعة المنظر، فظيعة المظهر، مرة المذاق، قال تعالى:
((أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)) ( الصافات: 65 – 68 ).
فأي نكال بعد هذا النكال، واسمع إلى قول رسول اللهr هو يصف تلك الشجرة: ((لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا؛ لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه؟ )) صححه الألباني.
أما شرابهم فإنه الحميم الشديد الحرارة ((وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً)) ( الكهف: 29 ).
شدة عذابها: قال r: (( منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته )) رواه مسلم.
ومن شدة عذابهم واكتوائهم، تذوب جلودهم من عذاب الجحيم، وعلى الفور يبدلهم الله تعالى بجلود أخرى، قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً ))( النساء: 56 ).
أمانيهم...تلك أمانيهم
أمنية الخروج
قال تعالى: ((وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ)) [غافر : 49]
أمنية اللجوء والاستجداء
((وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) ( الأعراف: 50 – 51 ).
بعد كل هذه الأمنيات التي لن تتحقق يصابوا باليأس المرير فتأتي آخر أمنياتهم ، قال تعالى: ((وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ)) (الزخرف : 77)
ولكن الجواب يجيئ في تيئيس وتخذيل، وبلا رعاية، ولا اهتمام
قال إنكم ماكثون، فلا خلاص، ولا رجاء ، ولا موت، ولا قضاء، إنكم ماكثون
وعند ذلك تنقطع بهم الأماني، ويوقنون ألا رجاء هنالك، وأنهم ماكثون فيها إلى أبد الآبدين.
ولعلك الآن تريدين أن تسألي: كيف السبيل إلى النجاة؟
هذا ما سوف نعرفه في المقالة القادمة إن شاء الله
المصادر
نعيم الجنة وعذاب النار الشيخ/ محمد صالح المنجد
هزة الإيمان الشيخ/ فريد مناع
يوم الحساب أ/ عمرو خالد