• والإيمانُ بالله تعالى شُعَبُهُ كثيرة، ومُقتَضياته عديدة، وحقيقتُه لا تخفَى، فالإيمانُ بالله تعالى اعتقادٌ بالقلب ونطقٌ باللسان وعملٌ بالجوارح، وليس الإيمانُ بالتحلِّي ولا بالتمنِّي، ولكنْ ما وقَر في القلب وصدَّقَه العمل، كما قال سلَفُنا الكرامُ - رحمهم الله.
• عرَّفَ السلفُ الإيمانَ تعريفًا جامعًا بقولهم: "الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيدُ بالطاعةِ، وينقصُ بالمعصية"، وحكى إجماعَهم على ذلك ابن تيميَّة - رحمه الله"؛ "الإيمان"، ص 162 - 163.
• والقصد من قولهم: "قول وعمل"؛ أي: أرادوا قولَ القلب وهو عِلمُه وتصديقُه، وقولَ اللسان وهو النُّطق، وعملَ القلب وهو ما يكونُ فيه من الشعور؛ كالخوف والرجاء والمحبَّة، وعمل الجوارح كفعل العبادات وامتثال المأمورات.
• إنَّ من لَوازم الإيمان بالله تعالى أنْ يتحلَّى المسلم بالخلقِ الحسن ويُعامل الناسَ بمكارمِ الأخلاقِ، والتحلِّي بحسنِ الخلق جزءٌ رئيس من الإيمان بالله تعالى لا ينفكُّ عنه، وكلَّما قوي إيمان العبدِ كان التزامه بالخلق الحسن أقوى.
• فانظُر - رعاك الله - كيف أصبحَ الإحسان إلى القريبِ واليتيم والمسكين والوفاءُ بالعهدِ من خِصال الإيمان، وذكرَها الله تعالى قرينةً للإيمان به سبحانه وباليوم الآخِر.
• بل قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((البرُّ حسن الخلقِ))؛ مسلم.
• وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الإيمان بضعٌ وستون شعبةً، فأفضلها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق))؛ أخرجه مسلم.
• ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وألطفهم بأهلِه))؛ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
• وأخرج البخاري قولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والله لا يؤمنُ والله لا يؤمنُ والله لا يؤمنُ))، قيل: ومَن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))؛ والبوائق هي الشرور.
• وعنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((ليسَ المؤمن بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّان، ولا الفاحش ولا البَذِيء))؛ أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.
• وفي "صحيح مسلم" عن أنسٍ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((والذي نفسي بيدِه لا يؤمنُ عبدٌ حتى يحبَّ لجارِه - أو قال: لأخيه - ما يحبُّ لنفسه)).
• وأخرج الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون من لسانِه ويدِه، والمؤمنُ مَن أمنه الناس على دِمائهم وأموالِهم))، وقال: حديث حسن صحيح.
• وسُئِلَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الإسلام خير؟ قال: ((تطعمُ الطعامَ، وتقرأُ السلامَ على مَن عرفتَ ومَن لم تعرفْ))؛ أخرجه البخاري.
• وعن أبي هُرَيرة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخِر فليقُلْ خيرًا أو ليصمُت، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِر فليُكرِمْ جارَه، ومَن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخِر فليُكرِم ضيفَه))؛ مسلم.
• وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحياءُ من الإيمان))؛ البخاري.
• وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلمُ مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده))؛ البخاري.
• فانظر يا عبد الله كيف أصبحَ التحلِّي بالخلق الكريم من أهمِّ خصال الإيمان ولوازمه، ونفهمُ من هذا أنَّ مَن حسنت أخلاقه وطابت فعاله مع الناس كان أقربَ إلى الإيمان وأكثر تحقيقًا له ممَّن ساء خلقُه وشان طبعه.
• وفي مقابل ذلك نعلمُ أنَّ انهيارَ الأخلاق وضعفَ التحلِّي بالخلق الكريم مردُّه إلى ضعفِ الإيمان أو فقدانِه.
• يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُقرِّرًا لهذه المبادئ الواضحة في صلة الإيمان بالخلُق القويم: ((ثلاثٌ مَن كنَّ فيه فهو منافقٌ، وإنْ صام وصلَّى وحجَّ واعتمر وقال: إنِّي مسلم: إذا حدَّث كذب، وإذا وعَد أخلفَ، وإذا اؤتُمِن خان))؛ رواه مسلم، ولا ريبَ أنَّ النِّفاقَ أخطرُ ما يناقضُ الإيمان.
• نخلصُ من ذلك يا عباد الله إلى أنَّ للإيمان حقيقةً، وكل حقيقة لها علامة، وعلامة الإيمان: العملُ به وتحقيقُ أركانِه والتزام لوازمه، ومن لوازم الإيمان بالله تعالى التحلِّي بمكارم الأخلاق والإحسان إلى الخلق، ومَن كان مؤمنًا حقًّا فلتحسن أخلاقه ولتَطِبْ فعالُه، طاعةً ومحبةً لله تعالى ولرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
• إذا كان ارتباطُ الخلق والسلوك بالإيمان باللهِ بهذه المثابة، وإذا كان لزومُ الخلُق الحسن من لوازم العقيدة الإسلاميَّة، فلماذا نرى في واقع المسلمين الآنَ المخالفةَ والمناقضة لهذه المسلَّمات؟!
• لقد أصبحت الشكوى مريرةً لما أصابَ الناسَ في العصور المتأخِّرة من انهيارٍ في الأخلاق، واضطرابٍ في الموازين.
• فالقريب يتذمَّرُ من قريبه، والجارُ يشكو جارَه، والأمانة ضاعَتْ بين الناس، والمراوغة راجَتْ سوقها، والغشُّ في المعاملات قائمةٌ سوقُه، وإنَّ ذلك لدلالةً واضحةً على فَساد التصوُّر وضعف الإيمان، فظهَر بسبب ذلك انفصامٌ نكد وازدواجيَّة بين مفهوم الإيمان ومقتضياته، حين يشعُر المسلم أنَّه غير مطالب بأداء الحقوق أو إحسان الخلق مع الناس، ويرى أنَّ ذلك عمل ثانوي لا يُؤثِّرُ تركه في دِينه وعَقيدته.
• ولنعلم أنَّه لا بُدَّ من تمثُّل العقيدةِ وتشرُّبها، وأنْ تتحوَّل إلى واقعٍ عملي في الحياة والتعامل بين الأنام؛ تأسيًا بأصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين تحولوا إلى نماذج فريدة سلوكًا وإخلاصًا، بل وتأسيًا بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان خلُقُه القرآن، وكان أحسن الناس خُلُقًا، وهو أكثرُ الخلق إيمانًا بالله وخشية له.
والحمد لله ربِّ العالمين.
أسباب اكتساب حسن الخلق
(مستقى من كتاب محمد الحمد وسائل اكتساب الأخلاق الحميدة)
• لا ريبَ أنَّ أثقل ما على الطبيعة البشريَّة تغيير الأخلاق التي طُبِعت عليها النفسُ، إلا أنَّ ذلك ليس متعذرًا ولا مستحيلاً.
بل إنَّ هناك أسبابًا عديدةً، ووسائلَ متنوعةً يستطيع الإنسان من خلالها أنْ يكتسب حسنَ الخلق، ومن ذلك ما يلي:
1- سلامة العقيدة: فشأنُ العقيدة عظيمٌ، وأمرُها جلل؛ فالسلوك - في الغالب - ثمرةٌ لما يحمله الإنسان من فكرٍ، وما يعتقدُه من مُعتَقد، وما يدينُ به من دِين.
والانحِرافُ في السلوك إنما هو ناتجٌ عن خللٍ في المعتقد.
2- الدعاء: فالدعاء بابٌ عظيم، فإذا فُتِح للعبد تتابعت عليه الخيراتُ، وانهالت عليه البركاتُ.
ولهذا كان النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - كثيرَ الضراعةِ إلى ربِّه يسألُه أنْ يَرزُقَه حُسنَ الخلق، وكان يقولُ في دعاء الاستفتاح: ((اللهمَّ اهدِني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرِفْ عني سيئها؛ لا يصرفُ عني سيِّئها إلا أنت))[1].
وكان من دُعائه: ((اللهمَّ جنِّبني مُنكرات الأخلاق، والأهواء، والأعمال، والأدواء))[2].
وكان يقول: ((اللهمَّ إني أعوذُ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبُخل، وأعوذُ بك من عَذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات))[3].
3- المجاهدة: فالمجاهدة تنفعُ كثيرًا في هذا الباب؛ ذلك أنَّ الخلق الحسن نوعٌ من الهداية يحصلُ عليه المرء بالمجاهدة.
4- المحاسبة : وذلك بنقدِ النفس إذا ارتكبَتْ أخلاقًا ذميمةً، وحَمْلِها على ألا تعودَ إلى تلك الأخلاق مرَّةً أخرى، مع أخذِها بمبدأ الثواب إذا أحسنَتْ، وأخذها بمبدأ العقاب إذا توانَتْ وقَصَّرَتْ.
5- التفكُّر في الآثار المترتِّبة على حُسن الخلق.
6- النظر في عَواقب سُوء الخلق: وذلك بتأمُّل ما يجلبُه سوء الخلق من الأسفِ الدائم، والهمِّ الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قُلوب الخلق.
9- الصبر: فالصبر من الأسس الأخلاقيَّة التي يقومُ عليها الخلق الحسن؛ فالصبر يحملُ على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذَى، والحلم، والأناةِ، والرفق، وترك الطيش والعجلة.
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ تَطَلَّبَهُ
وَاسْتَصْحَبَ الصَّبْرَ إِلاَّ فَازَ بِالظَّفَرِ
10- العفة: فهي تحملُ على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل، وتحملُ على الحياءِ، وهو رأس كلِّ خيرٍ، وتمنعُ من الفحشاء، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة.
11- الشجاعة: فهي تحمل على عزَّة النفس، وإباءة الضيم، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعةُ النفس، وقُوَّتُها على إخراج المحبوب ومفارقته.
12- العدل : فهو يحملُ على اعتِدال الأخلاق، وتوسُّطها بين طرفي الإفراط والتفريط.
13- تكلُّفُ البشر والطَّلاقة، وتَجنُّبُ العبوس والتقطيب: قال ابن حبان: البشاشة إدام العلماء، وسجيَّة الحكماء؛ لأنَّ البشر يطفئ نارَ المعاندة، ويحرقُ هيجان المباغضة، وفيه تحصينٌ من الباغي، ومنجاة من الساعي.
وقال أبو جعفر المنصور: إنْ أحببت أنْ يكثرَ الثناء الجميل عليكَ من الناس بغير نائلٍ فالْقَهُمْ ببشر حسن.
قيل للعتابي: إنَّك تلقَى الناس كلَّهم بالبشر!
قال دفعُ ضغينةٍ بأيسر مَؤونة، واكتسابُ إخوان بأيسر مبذول.
14- التَّغاضي والتَّغافل: فذلك من أخلاق الأكابر والعُظَماء، وهو ممَّا يعينُ على استِبقاء المودَّة واستجلابها، وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة.
ثم إنَّه دليلٌ على سُمُوِّ النفس، وشفافيتها؛ وهو ممَّا يرفع المنزلة، ويُعلي المكانة.
قال ابن الأثير متحدثًا عن صلاح الدين الأيوبي: وكان حليمًا حسنَ الأخلاق، متواضعًا، صَبورًا على ما يكره، كثيرَ التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمعُ من أحدهم ما يكره، ولا يُعلمه بذلك، ولا يتغيَّر عليه.
وبلغني أنَّه كان جالسًا وعندَه جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز فأخطأته[4]، ووصَلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقُرب منه، فالتفت إلى الجهةِ الأخرى يُكلِّمُ جليسه؛ ليتغافل عنها.
15- الحلم: فالحلمُ من أشرف الأخلاق، وأحقِّها بذوي الألباب؛ لما فيه من سَلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب الحمد.
وحد الحلم: ضبط النفسِ عند هيجان الغضب.
وليس من شَرط الحلم ألا يغضب الحليم، وإنما إذا ثارَ به الغضبُ عند هجوم دَواعِيه كفَّ سورته بحزمِه، وأطفأ ثائرته بحلمِه.
16- الإعراض عن الجاهلين: فمَن أعرضَ عن الجاهلين حمى عرضَه، وأراحَ نفسه، وسلم من سَماع ما يُؤذيه.
17 - الترفُّع عن السباب : فذلك من شرفِ النفس، وعلوّ الهمة، كما قالت الحكماء: شرف النفس أنْ تحملَ المكاره كما تحمل المكارمَ.
وروي أنَّ عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة خرجَ ليلةً في السَّحَرِ إلى المسجدِ ومعه حَرَسِيٌّ، فمرَّا برجلٍ نائم على الطريق، فعَثُر به، فقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا، فهمَّ الحرسيُّ به، فقال عمر: مَهْ؛ فإنَّه سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا.
18- نسيان الأذيَّة : وذلك بأنْ تنسى أذيَّة مَن نالَكَ بسوء؛ ليصفو قلبُك له، ولا تستوحش منه، فمَن تَذَكَّرَ إساءة إخوانه لم تصْفُ له مودتهم، ومَن تذكر إساءة الناس إليه لم يطبْ له العيشُ معهم، فانسَ ما استطعت النسيان.
19- العفو والصَّفح ومقابلة الإساءة بالإحسان : فهذا سببٌ لعلوِّ المنزلة، ورفعة الدرجة، وفيه من الطمأنينة، والسكينة، والحلاوة، وشرف النفس، وعزها، وترفُّعها عن تشفِّيها بالانتقام - ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عِزًّا))[5].
وقال عمر بن عبدالعزيز: أحبُّ الأمور إليَّ ثلاثة: العفوُ عند المقدرة، والقصدُ في الجِدَة، والرِّفق بالعَبَدَةِ.
20- نسيان المعروف والإحسان إلى الناس: وهذه مرتبةٌ عالية، ومنزلةٌ رفيعة، وهي أنْ تنسى ما يصدر منك من إحسان، حتى كأنَّه لم يصدر.
21- الرضا بالقليل من الناس، وترك مطالبتهم بالمثل: وذلك بأنْ يأخُذ منهم ما سهل عليهم، وطوَّعَتْ له به أنفسهم سماحةً واختيارًا، وألا يحملهم على العنت والمشقة.
قال - تعالى -: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
قال عبدالله بن الزبير - رضِي الله عنهما - في هذه الآية: أمَرَ الله نبيَّهُ أن يأخذ العفو من أخلاق الناس.
وقال مجاهد: يعني: خُذِ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيسٍ؛ مثل: قبول الأعذار، والعفو، والمساهلة وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم.
22- تجنُّبُ الغضب.
23- تجنَّب الجدال: لأنَّ الجدال يُذكي العداوة، ويورث الشقاق، ويقودُ إلى الكذب، ويدعو إلى التشفِّي من الآخَرين.
ثم إنِ اضطُرَّ إلى الجدال فليكن جِدالاً هادئًا يُراد به الوصول إلى الحق، وليكن بالتي هي أحسنُ وأرفقُ.
قال - تعالى -: ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
24- التَّواصِي بحسنِ الخلق: وذلك ببثِّ فضائل حسن الخلق، وبالتحذير من مَساوئ الأخلاقِ، وبنُصح المبتلين بسوءِ الخلق، وبتشجيع حَسَنِي الأخلاق.
فحُسْنُ الخلقِ من الحقِّ، والله - تبارك وتعالى - يقول: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].
25- لزوم الرِّفق: قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الرفقَ لا يكونُ في شيء إلا زانَه، ولا ينزع من شيء إلا شانه))[6].
وقال: ((إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه))[7].
26- لزوم التواضُع: فالتواضع - في حقيقته - هو بذلُ الاحترام، والعطف، والمجاملة لِمَن يستحقُّ ذلك.
27- استعمال المداراة: فالناس خُلِقوا للاجتماع لا للعُزلة، وللتعارُف لا للتناكُر، وللتعاوُن لا لينفرد كلُّ واحد بمرافق حياته.
28- تجنُّب كثرةِ اللوم وتعنيفِ مَن أساء: فلا يحسُن بالعاقل أنْ يُسرِفَ في لوم من أساء، خُصوصًا إذا كان المسيء جاهلاً، أو كان ممَّن يندر وقوعُ الإساءة منه؛ فكثرة اللوم مَدْعاة للغضب، وغلظ الطبع.
29- تجنُّب الوقيعة في الناس: فالوقيعة في الناس، والتعرُّض لعيوبهم ومغامزهم، ممَّا يورث العدواة، ويشوشُ على القلب، فتَسُوء الأخلاق تبعًا لذلك.
بل إنَّ ذلك مَدْعاة لأنْ يبحث الناسُ عن مَعايِب ذلك الشخص.
وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى ذَمِّهِ
ذَمُّوهُ بِالحَقِّ وَبِالبَاطِلِ
وقال الأحنف: مَن أسرع إلى الناس فيما يكرَهُون قالوا فيه ما لا يعلمون.
30- أنْ يضع المرءُ نفسه موضعَ خصمِه: فهذا يدعو لالتِماس المعاذير، والكفِّ عن إنفاذ الغضب، والبُعْدِ عن إساءة الظنِّ.
31- أنْ يتَّخِذَ الناسَ مِرآةً لنفسه: فهذا ممَّا يحسُن بالمرء فعلُه، والأخْذ به، فكلُّ ما كرهه، ونفر عنه من قول، أو فعل، أو خلق - فَلْيَتَجَنَّبْهُ، وما أحبَّه من ذلك واستحسنه فليفعله.
34- لُزوم الحياء: فالحياء خلقٌ سَنِيٌّ، يبعث على فعل الجميل وتركِ القبيح.
فإذا تحلَّى المرء به انبعَثَ إلى الفضائل، وأقصَرَ عن الرذائل.
والحياء كلُّه خيرٌ، والحياء لا يأتي إلا بخيرٍ، والحياء خلُق الإسلام، وهو شُعبة من شُعَبِ الإيمان.
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((الحياء لا يأتي إلا بخيرٍ))[8].
وقال: ((إنَّ لكل دينٍ خلقًا؛ وخلق الإسلام الحياء))[9].
وقال: ((الحياء شُعبة من شُعَبِ الإيمان))[10].
وقال: ((إنَّ ممَّا أدرك الناس من كلام النبوَّة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنَعْ ما شئت)).
قال ابن حبَّان: فالواجبُ على العاقل لزومُ الحياء؛ لأنَّه أصلُ العقل، وبذرُ الخير، وتركُه أصلُ الجهل، وبذر الجهل.
قال الأصمعي: سمعتُ أعرابيًّا يقول: مَن كَساه الحياء ثوبَه لم يرَ الناس عيبَه.
35- إفشاء السلام: فالسلام مَدْعاة للمحبَّة، ومجلبة للمودَّة، فإذا ما أفشَى الناس السلام توادوا، وتحابوا، وإذا توادوا وتحابوا زكَتْ نفوسُهم، وزالت الوحشة فيما بينَهم؛ فتحسُن أخلاقهم تبعًا لذلك.
عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تدخلوا الجنَّةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيءٍ إذا فعَلتُموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))[11].
36- إدامة النظَر في السيرة النبويَّة: فالسيرة النبويَّة تضعُ بين يدي قارئها أعظمَ صورة عرفَتْها الإنسانيَّة، وأكمل هدي وخلق في حياة البشريَّة.
37- قراءة سِيَرِ أهل الفضل والحلم.
38- قراءة كتب الشمائل والكتب في الأخلاق.
والحمدُ لله ربِّ العالمين
.
[1] رواه مسلم (771).
[2] أخرجه الحاكم 1/532 وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
[3] رواه البخاري 7/159، ومسلم (2706).
[4] السرموزة: نعلٌ معروفة، وهي كلمةٌ فارسية معناها: رأس الخف.
[5] رواه مسلم (2588).
[6] رواه مسلم (2594) عن عائشة.
[7] رواه البخاري 7/8 ، ومسلم 2165) عن عائشة.
[8] رواه البخار ي7/100، ومسلم (37).
[9] رواه ابن ماجه (4181)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع" (2149).
[10] رواه البخاري 1/8، ومسلم (35).
[11] رواه مسلم (54)، وأخرجه أبو داود (5193)، والترمذي (2688).
إذا كثُر الاستغفار في الأمة وصدَر عن قلوبٍ بربّها مطمئنة دفع الله عنها ضروباً من النقم، وصرَف عنها صنوفًا من البلايا والمحن، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}