أصول الإيمان - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 29-05-2018, 10:13 AM
  #1
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
أصول الإيمان

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتمَّ علينا النعمة، وجعل أمَّتنا -أمَّة الإسلام- خيرَ أمَّة، وبعث فينا رسولًا منَّا يتلو علينا آياته ويزكينا، ويعلِّمنا الكتاب والحكمة، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله للعالمين رحمة، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه.
أهمية الإيمان
لا يخفى على كل مسلم أهمية الإيمان، وعظم شأنه، وكثرة عوائده وفوائده على المؤمن في الدنيا والآخرة، بل إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على تحقق الإيمان الصحيح، فهو أجل المطالب، وأهم المقاصد، وأنبل الأهداف، وبه يحيا العبد حياة طيبة سعيدة، وينجو من المكاره والشرور والشدائد، وينال ثواب الآخرة ونعيمها المقيم وخيرها الدائم المستمر الذي لا يحول ولا يزول.
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97) . وقال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (الإسراء: 19) .
وقال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} (طه: 75) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا - خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (الكهف: 107، 108) . والآيات في هذا المعنى في القرآن الكريم كثيرة.
أصول الإيمان
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان يقوم على الأصول الستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وقد جاء ذكر هذه الأصول في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواطن عديدة. منها:
1 - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء: 136) .
2 - وقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (البقرة: 177) .
3 - وقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 285) .
4 - وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49) .
5 - وثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب المشهور بحديث جبريل «أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (رواه مسلم) .
فهذه أصول ستة عظيمة يقوم عليها الإيمان، بل لا إيمان لأحد إلا بالإيمان بها، وهي أصول مترابطة متلازمة، لا ينفك بعضها عن بعض، فالإيمان ببعضها مستلزم للإيمان بباقيها، والكفر ببعضها كفر بباقيها.
ولذا كان متأكدا في حق كل مسلم أن تعظم عنايته واهتمامه بهذه الأصول علما وتعلما وتحقيقا.
وفيما يلي بيان ما يتعلق بالأصل الأول من هذه الأصول وهو الإيمان بالله.
الباب الأول : الإيمان بالله
إن الإيمان بالله عز وجل هو أهم أصول الإيمان، وأعظمها شأنا، وأعلاها قدرا، بل هو أصل أصول الإيمان، وأساس بنائه، وقوام أمره، وبقية الأصول متفرعة منه، راجعة إليه، مبنية عليه. والإيمان بالله عز وجل هو الإيمان بوحدانيته سبحانه في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فهذه أصول ثلاثة يقوم عليها الإيمان بالله، بل إن الدين الإسلامي الحنيف إنما سمي توحيدا لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له، وواحد في ذاته وأسمائه وصفاته لا نظير له، وواحد في ألوهيته وعبادته لا ندَّ له.
وبهذا يعلم أن توحيد الأنبياء والمرسلين ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأنَّ الله تعالى رب كلّ شيء ومليكُه وخالقُه ورازقُه، وأَنه المحيي المميتُ النافعُ الضار، المتفرِّدُ بالإجابة عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، وإليه يُرجع الأمرُ كله، لا شريك له في ذلك.
القسم الثاني: توحيد الألوهية، وهو إفراد الله وحده بالذلِّ والخضوع والمحبَّة والخشوع والركوع والسجود والذبح والنذر، وسائر أنواع العبادة لا شريك له.
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله تعالى. بما سمى ووصف نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النقائص والعيوب ومماثلة الخلق فيما هو من خصائصه والإقرار بأنَّ الله بكلِّ شيء عليم، وعلى كلِّ شيء قدير، وأنَّه الحيُّ القيُّوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم، له المشيئة النافذة والحكمة البالغة، وأنَّه سميع بصير، رؤوف رحيم، على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وأنَّه المَلِك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبَّار المتكبِّر، سبحان الله عمَّا يشركون، إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى، والصفات العلى.
ولكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة دلائلُ كثيرة من الكتاب والسنة.
فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم.
وهذه الأقسام الثلاثة للتوحيد قد أخذها أهل العلم بالاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة، وهو استقراء تامٌّ لنصوص الشرع، أفاد هذه الحقيقة الشرعية، وهي أنّ التوحيد المطلوب من العباد هو الإيمان بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيَّته وأسمائه وصفاته، فمَن لم يأت بهذا جميعه فليس بمؤمن .
وللحديث بقية مع الأصل الأول
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 30-05-2018, 10:52 AM
  #2
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

توحيد الربوبية
تعريفه:
أ- لغة: الربوبية مصدر من الفعل ربب، ومنه الربُّ، فالربوبية صفة الله، وهي مأخوذة من اسم الرب، والرب في كلام العرب يطلق على معان: منها المالك، والسيد المطاع، والمُصْلِح.
ب- أما في الاصطلاح: فإن توحيد الربوبية هو إفراد الله بأفعاله.
ومنها الخلق والرزق والسيادة والإنعام والملك والتصوير، والعطاء والمنع، والنفع والضر، والإحياء والإماتة، والتدبير المحكم، والقضاء والقدر، وغير ذلك من أفعاله التي لا شريك له فيها، ولهذا فإن الواجب على العبد أن يؤمن بذلك كله.
ثانيا: أدلته:
أ- من الكتاب: قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ - هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (لقمان: 10، 11) . وقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور: 35)
ب- من السنة: ما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه مرفوعا وفيه: (السيد الله تبارك وتعالى. .) . وقد ثبت في الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما:. . «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» (حسن الحديث الترمذي وصححه، وصححه الحاكم) .
ج- دلالة العقل: دل العقل على وجود الله تعالى وانفراده بالربوبية وكمال قدرته على الخلق وسيطرته عليهم، وذلك عن طريق النظر والتفكر في آيات الله الدالة عليه. وللنظر في آيات الله والاستدلال بها على ربوبيته طرق كثيرة بحسب تنوع الآيات وأشهرها طريقان:
الطريق الأول: النظر في آيات الله في خلق النفس البشرية وهو ما يعرف بـ (دلالة الأنفس) ، فالنفس آية من آيات الله العظيمة الدالة على تفرد الله وحده بالربوبية لا شريك له، كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: 21) ، وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (الشمس: 7) ، ولهذا لو أن الإنسان أمعن النظر في نفسه وما فيها من عجائب صنع الله لأرشده ذلك إلى أن له ربا خالقا حكيما خبيرا؛ إذ لا يستطيع الإنسان أن يخلق النطفة التي كان منها؟ أو أن يحولها إلى علقة، أو يحول العلقة إلى مضغة، أو يحول المضغة عظاما، أو يكسو العظام لحما؟
الطريق الثاني: النظر في آيات الله في خلق الكون وهو ما يعرف بـ (دلالة الآفاق) ، وهذه كذلك آية من آيات الله العظيمة الدالة على ربوبيته، قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53) .
ومن تأمل الآفاق وما في هذا الكون من سماء وأرض، وما اشتملت عليه السماء من نجوم وكواكب وشمس وقمر، وما اشتملت عليه الأرض من جبال وأشجار وبحار وأنهار، وما يكتنف ذلك من ليل ونهار وتسيير هذا الكون كله بهذا النظام الدقيق؛ دله ذلك على أن هناك خالقا لهذا الكون، موجدًا له مدبِّرًا لشؤونه، وكلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات وتغلغل فكره في بدائع الكائنات علم أنها خُلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين ودلالات على جميع ما أخبر به الله عن نفسه وأدلة على وحدانيته.
وقد جاء في بعض الآثار أن قوما أرادوا البحث مع الإمام أبي حنيفة في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم رحمه الله: " أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام وغيره بنفسها وتعود بنفسها، فترسو بنفسها وترجع، كل ذلك من غير أن يديرها أحد؟ ".
فقالوا: " هذا محال لا يمكن أبدا. فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ ".
فنبه إلى أن اتساق العالم ودقة صنعه وتمام خلقه دليل على وحدانية خالقه وتفرده.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا
هل الإقرار بتوحيد الربوبية وحده ينجي من العذاب ؟
والجواب نعرفه في اللفاء القادم بإذن الله تعالى
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 31-05-2018, 09:53 AM
  #3
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

الإقرار بهذا التوحيد وحده لا ينجي من العذاب
إن توحيد الربوبية هو أحد أنواع التوحيد الثلاثة كما تقدم؛ ولذا فإنه لا يصح إيمان أحد ولا يتحقق توحيده إلا إذا وحد الله في ربوبيته، لكن هذا النوع من التوحيد ليس هو الغاية من بعثة الرسل عليهم السلام، ولا ينجي وحده من عذاب الله ما لم يأت العبد بلازمه توحيد الألوهية.
ولذا يقول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف: 106) ، والمعنى أي: ما يقر أكثرهم بالله ربا وخالقا ورازقا ومدبرا- وكل ذلك من توحيد الربوبية - إلا وهم مشركون معه في عبادته غيره من الأوثان والأصنام التي لا تضر ولا تنفع، ولا تعطي ولا تمنع.
وبهذا المعنى للآية قال المفسرون من الصحابة والتابعين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء، ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله وهم مشركون ".
وقال عِكْرِمَة: " تسألهم من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض فيقولون الله فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره ".
وقال مجاهد: " إيمانهم قولهم: الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره ".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بن زيد: " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ويعرف أن الله ربُّه، وأنَّ الله خالقُه ورازقُه، وهو
يشرك به، ألا ترى كيف قال إبراهيم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ - أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ - فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء: 75- 77) " .
والنصوص عن السلف في هذا المعنى كثيرة، بل لقد كان المشركون زمن النبي صلى الله عليه وسلم مقرين بالله ربا خالقا رازقا مدبرا، وكان شركهم به من جهة العبادة حيث اتخذوا الأنداد والشركاء يدعونهم ويستغيثون بهم وينزلون بهم حاجاتهم وطلباتهم.
وقد دل القرآن الكريم في مواطن عديدة منه على إقرار المشركين بربوبية الله مع إشراكهم به في العبادة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (العنكبوت: 61) ، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (العنكبوت: 63) ، وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (الزخرف: 87) ، وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ - قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ - قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (المؤمنون: 84- 89) .
فلم يكن المشركون يعتقدون أن الأصنام هي التي تنزل الغيث وترزق العالم وتدبر شؤونه، بل كانوا يعتقدون أن ذلك من خصائص الرب سبحانه، ويقرون أن أوثانهم التي يدعون من دون الله مخلوقة لا تملك لأنفسها ولا لعابديها ضرا ولا نفعا استقلالا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا تسمع ولا تبصر، ويقرون أن الله هو المتفرد بذلك لا شريك له، ليس إليهم ولا إلى أوثانهم شيء من ذلك، وأنه سبحانه الخالق وما عداه مخلوق والرب وما عداه مربوب، غير أنهم جعلوا له من خلقه شركاء ووسائط، يشفعون لهم بزعمهم عند الله ويقربونهم إليه زلفى؛ ولذا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) ، أي ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا.
ومع هذا الإقرار العام من المشركين لله بالربوبية إلا أنه لم يدخلهم في الإسلام بل حكم الله فيهم بأنهم مشركون كافرون وتوعدهم بالنار والخلود فيها واستباح رسوله صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم لكونهم لم يحققوا لازم توحيد الربوبية وهو توحيد الله في العبادة.
وبهذا يتبين أن الإقرار بتوحيد الربوبية وحده دون الإتيان بلازمه توحيد الألوهية لا يكفي ولا ينجي من عذاب الله، بل هو حجة بالغة على الإنسان تقتضي إخلاص الدين لله وحده لا شريك له، وتستلزم إفراد الله وحده بالعبادة. فإذا لم يأت بذلك فهو كافر حلال الدم والمال.
مظاهر الانحراف في توحيد الربوبية
بالرغم من أن توحيد الربوبية أمر مركوز في الفطر، مجبولة عليه النفوس، متكاثرة على تقريره الأدلة، إلا أنه وجد في الناس من حصل عنده انحراف فيه، ويمكن تلخيص مظاهر الانحراف في هذا الباب فيما يلي:
1 - جحد ربوبية الله أصلًا وإنكار وجوده سبحانه، كما يعتقد ذلك الملاحدة الذين يسندون إيجاد هذه المخلوقات إلى الطبيعة، أو إلى تقلب الليل والنهار، أو نحو ذلك {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (الجاثية: 24) .
2 - جحد بعض خصائص الرب سبحانه وإنكار بعض معاني ربوبيته، كمن ينفي قدرة الله على إماتته أو إحيائه بعد موته، أو جلب النفع له أو دفع الضر عنه، أو نحو ذلك.
3 - إعطاء شيء من خصائص الربوبية لغير الله سبحانه، فمن اعتقد وجود متصرف مع الله عز وجل في أي شيء من تدبير الكون من إيجاد أو إعدام أو إحياء أو إماتة أو جلب خير أو دفع شر أو غير ذلك من معاني الربوبية فهو مشرك بالله العظيم.
تم الكلام عن توحيد الربوبية ولقاؤنا القادم مع توحيد الألوهية بمشيئة الله تعالى
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 01-06-2018, 10:41 AM
  #4
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

توحيد الألوهية
الألوهية مشتقة من اسم الإله، أي المعبود المطاع، فالإله اسم من أسماء الله الحسنى، والألوهية صفة من صفات الله العظيمة، فهو سبحانه المألوه المعبود الذي يجب أن تألهه القلوب وتخضع له وتذل وتنقاد؛ لأنه سبحانه الرب العظيم، الخالق لهذا الكون، المدبر لشؤونه، الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، ولهذا فإن الذل والخضوع لا ينبغي إلا له، فحيث كان متفردا بالخلق والإنشاء والإعادة لا يشركه في ذلك أحد وجب أن ينفرد وحده بالعبادة دون سواه لا يشرك معه في عبادته أحد.
فتوحيد الألوهية هو إفراد الله وحده بالعبادة، وذلك بأن يعلم العبدُ علمَ اليقِين أن الله وحده هو المألوه المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة في أحد من المخلوقات ولا يستحقها إلا الله تعالى، فإذا علم العبد ذلك واعترف به حقا أفرد الله بالعبادة كلها الظاهرة والباطنة، فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرِّ الوالدين وصلة الأرحام، ويقوم بأصوله الباطنة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لا يقصد بشيء من ذلك غرضا من الأغراض غير رضا ربه وطلب ثوابه.
أدلة توحيد الألوهية
لقد تضافرت النصوص وتظاهرت الأدلة على وجوب إفراد الله بالألوهية، وتنوعت في دلالتها على ذلك:
1 - تارة بالأمر به، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 21) ، وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (النساء: 36) ، وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء: 23) ، ونحوها من الآيات.
2 - وتارة ببيان أنه الأساس لوجود الخليقة والمقصود من إيجاد الثقلين، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56) .
3 - وتارة ببيان أنه المقصود من بعثة الرسل كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (النحل: 36) ، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25) .
4 - وتارة ببيان أنه المقصود من إنزال الكتب الإلهية، كما في قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل: 2) .
5 - وتارة ببيان عظيم ثواب أهله وما أعد لهم من أجور عظيمة ونعم كريمة في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) .
6 - وتارة بالتحذير من ضده، وبيان خطورة مناقضته، وذكر ما أعد سبحانه من عقاب أليم لمن تركه، كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] (المائدة: 72) ، وقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39] (الإسراء: 39) .
إلى غير ذلك من أنواع الأدلة المشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليه والتنويه بفضله وبيان ثواب أهله وعظم خطورة مخالفته.
والسنة النبوية كذلك مليئة بالأدلة على هذا التوحيد وأهميته، من ذلك:
1 - ما رواه البخاري في صحيحه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن لا يعذبهم» .
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن قال له: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات» . . . . الحديث، رواه البخاري .
3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار» ، رواه البخاري.
4 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار» ، رواه مسلم .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
بيان أهميته وأنه أساس دعوة الرسل.
لا ريب أن توحيد الألوهية هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه، وبوجوده يكون الصلاح، وبفقده يكون الشر والفساد، ولذا كان هذا التوحيد زبدة دعوة الرسل وغاية رسالتهم وأساس دعوتهم، يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36) ، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25) .
وقد دل القرآن الكريم في مواطن عديدة أن توحيد الألوهية هو مفتاح دعوة الرسل، وأن كل رسول يبعثه الله يكون أول ما يدعو قومه إليه توحيد الله وإخلاص العبادة له، قال الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 65) ، وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 73) ، وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف: 85) .
وللحديث بقية مع توحيد الألوهية بمشيئة الله تعالى
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 02-06-2018, 10:18 AM
  #5
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

توحيد الألوهية محور الخصومة بين الرسل وأممهم
تقدم أن توحيد العبادة هو مفتتح دعوات الرسل جميعهم، فما من رسول بعثه الله إلا وكان أول ما يدعو قومه إليه هو توحيد الله، ولذا كانت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم في ذلك، فالأنبياء يدعونهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، والأقوام يصرون على البقاء على الشرك وعبادة الأوثان إلا من هداه الله منهم.
قال الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا - وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} (نوح: 23-24) ، وقال عن قوم هود عليه السلام: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الأحقاف: 22) ، {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (هود: 53) .
وقال عن قوم صالح عليه السلام: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} (هود: 62) .
وقال عن قوم شعيب عليه السلام: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (هود: 87) .
وقال عن كفار قريش: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ - أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ - وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ - مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} (ص: 4-7) .
وقال: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا - إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا - أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا - أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (الفرقان: 41- 44) .
فهذه النصوص وما جاء في معناها تدل أوضح دلالة أن المعترك والخصومة بين الأنبياء وأقوامهم إنما كان حول توحيد العبادة والدعوة إلى إخلاص الدين لله.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (البخاري ومسلم) .
وثبت في الصحيح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله» (مسلم) .
وجوب إفراد الله بالعبادة
العبادة في اللغة: الذل والخضوع، يقال: بعير معبد، أي: مذلل، وطريق معبد: إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام.
وشرعا: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
وسيأتي ما يوضح ذلك عند ذكر بعض أنواع العبادة.
الأركان التي تبنى عليها العبادة
الأول: كمال الحب للمعبود سبحانه، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (البقرة: 165) .
الثاني: كمال الرجاء، كما قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} (الإسراء: 57) .
الثالث: كمال الخوف من الله سبحانه، كما قال تعالى: {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (الإسراء: 57) .
وقد جمع الله سبحانه بين هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتاب في قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2 - 4] فالآية الأولى فيها المحبة؛ فإن الله منعم، والمنعم يُحبُّ على قدر إنعامه، والآية الثانية فيها الرجاء، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمته، والآية الثالثة فيها الخوف، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه.
ولهذا قال تعالى عقب ذلك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أي: أعبدك يا رب هذه الثلاث: بمحبتك التي دل عليها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ورجائك الذي دل عليه: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] وخوفك الذي دل عليه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]
شروط قبول العبادة
1 - الإخلاص فيها للمعبود؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الخالص لوجهه سبحانه، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة: 5) ، وقَال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}(الزمر: 3) ، وقال تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي}(الزمر: 14) .
2 - المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: 7) ، وقَال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (البخاري) (أي مردود عليه) .
فلا عبرة بالعمل ما لم يكن خالصا لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}(هود: 7، الملك: 2) : " أخلصه وأصوبه "، قيل: يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه؟ قال: " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السنة " (حلية الأولياء) .
ومن الآيات الجامعة لهذين الشرطين قوله تعالى في آخر سورة الكهف: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110) .
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 03-06-2018, 09:42 AM
  #6
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

بعض أنواع العبادة
العبادة أنواعها كثيرة، فكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه قولي أو فعلي ظاهر أو باطن فهو نوع من أنواعها وفرد من أفرادها، وفيما يلي ذكر بعض الأمثلة على ذلك:
أولا من أنواع العبادة: الدعاء، بنوعيه دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (غافر: 14) ، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: 18) ، وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ - وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأحقاف: 5- 6) .
فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيا أو ميتا، ومن دعا حيا. بما يقدر عليه مثل أن يقول: يا فلان أطعمني، أو يا فلان اسقني، ونحو ذلك فلا شيء عليه، ومن دعا ميتا أو غائبا. بمثل هذا فإنه مشرك؛ لأن الميت والغائب لا يمكن أن يقوم بمثل هذا.
أنواع الدعاء
دعاء المسألة ودعاء العبادة.
فدعاء المسألة، هو سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة، ودعاء العبادة يدخل فيه كل القربات الظاهرة والباطنة؛ لأن المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والإثابة عليها.
وكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة.
ثانيا : المحبة والخوف والرجاء، وقد تقدم الكلام عليها وبيان أنها أركان للعبادة.
ثالثا: التوكل، وهو الاعتماد على الشيء.
والتوكل على الله: هو صدق تفويض الأمر إلى الله تعالى اعتمادا عليه وثقة به مع مباشرة ما شرع وأباح من الأسباب لتحصيل المنافع ودفع المضار، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة: 23) ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3) .
رابعا: الرغبة والرهبة والخشوع.
فأما الرغبة: فمحبة الوصول إلى الشيء المحبوب، والرهبة: الخوف المثمر للهرب من المخوف، والخشوع: الذل والخضوع لعظمة الله بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي، قال الله تعالى في ذكر هذه الأنواع الثلاثة من العبادة: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90) .
خامسا: الخشية، وهي الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه، قال الله تعالى: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (البقرة: 150) ، {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 3) .
سادسا : الإنابة، وهي الرجوع إلى الله تعالى بالقيام بطاعته واجتناب معصيته، قال الله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (الزمر: 54) .
سابعا: الاستعانة، وهي طلب العون من الله في تحقيق أمور الدين والدنيا، قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: «إذا استعنت فاستعن بالله» (حسن الحديث الترمذي وصححه الحاكم) .
ثامنا : الاستعاذة، وهي طلب الإعاذة والحماية من المكروه، قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 1 - 2] وقال تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ - مَلِكِ النَّاسِ - إِلَهِ النَّاسِ - مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس: 1 - 4]
تاسعا : الاستغاثة، وهو طلب الغوث، وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك، قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} (الأنفال: 9) .
عاشرا : الذبح، وهو إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه الخصوص تقربا إلى الله، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162) ، وقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر: 2) .
حادي عشر : النذر، وهو إلزام المرء نفسه بشيء ما، أو طاعة لله غير واجبة، قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (الإنسان: 7) .
فهذه بعض الأمثلة على أنواع العبادة، وجميع ذلك حق لله وحده لا يجوز صرف شيء منه لغير الله.
والعبادة بحسب ما تقوم به من الأعضاء على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عبادات القلب، كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة والخشية والرهبة والتوكل ونحو ذلك.
القسم الثاني: عبادات اللسان، كالحمد والتهليل والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك.
القسم الثالث: عبادات الجوارح، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة والجهاد، ونحو ذلك.
وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!



التعديل الأخير تم بواسطة صاحب فكرة ; 03-06-2018 الساعة 09:44 AM
رد مع اقتباس
قديم 04-06-2018, 02:43 PM
  #7
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا أشد الحرص على أمته؛ لتكون عزيزة منيعة محققة لتوحيد الله عز وجل، مجانبة لكل الوسائل والأسباب المفضية لما يضاده ويناقضه، قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128) .
وقد أكثر صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وحذر وأنذر وأبدأ وأعاد وخص وعم في حماية الحنيفية السمحة ملة إبراهيم التي بعث بها من كل ما قد يشوبها من الأقوال والأعمال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص، وهذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فأقام الحجة، وأزال الشبهة، وقطع المعذرة، وأبان السبيل.
وفيما يلي عرض يتبين من خلاله حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده كل طريق يفضي إلى الشرك والباطل.
أولا : الرقى.
أ- تعريفها: الرقى جمع رقية، وهي القراءة والنفث طلبا للشفاء والعافية، سواء كانت من القرآن الكريم أو من الأدعية النبوية المأثورة.
ب- حكمها: الجواز، ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: «كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك» ، رواه مسلم .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة» "، رواه مسلم .
"الحمة" بحاء مهملة مضمومة ثم ميم مخففة: وهي السم، ومعناه: أذن في الرقية من كل ذات سم، مثل لدغة الثعبان، أو العقرب أو نحوهما. "النملة" بفتح النون وإسكان الميم: قروح تخرج من الجنب.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» ، رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: (أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما) » ، رواه البخاري ومسلم .
ج- شروطها: ولجوازها وصحتها شروط ثلاثة:
الأول: أن لا يعتقد أنها تنفع لذاتها دون الله، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله فهو محرم، بل هو شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله.
الثاني: أن لا تكون بما يخالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله أو استغاثة بالجن وما أشبه ذلك، فإنها محرمة، بل شرك.
الثالث: أن تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنس الطلاسم
والشعوذة فإنها لا تجوز.
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله: أيرقي الرجل ويسترقي؟ فقال: " لا بأس بذلك، بالكلام الطيب ".
د- الرقية الممنوعة: كل رقية لم تتوفر فيها الشروط المتقدمة فإنها محرمة ممنوعة، كأن يعتقد الراقي أو المرقي أنها تنفع وتؤثر بذاتها، أو تكون مشتملة على ألفاظ شركية وتوسلات كفرية وألفاظ بدعية، ونحو ذلك، أو تكون بألفاظ غير مفهومة كالطلاسم ونحوها.

ثانيا: التمائم
أ- تعريفها: التمائم جمع تميمة، وهي ما يعلق على العنق وغيره من تعويذات أو خرزات أو عظام أو نحوها لجلب نفع أو دفع ضر، وكان العرب في الجاهلية يعلقونها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم الباطل.
ب- حكمها: التحريم،
بل هي نوع من أنواع الشرك؛ لما فيها من التعلق بغير الله؛ إذ لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وأسمائه وصفاته.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» ، رواه أبو داود والحاكم (وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) .
وعن عبد الله بن حكيم رضي الله عنه مرفوعا: «من تعلق شيئا وكل إليه» ، رواه أحمد والترمذي والحاكم (صححه الحاكم) .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له» ، رواه أحمد والحاكم (صححه الحاكم ووافقه الذهبي) .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من علق تميمة فقد أشرك» ، رواه أحمد (صححه الحاكم) . فهذه النصوص وما في معناها في التحذير من الرقى الشركية التي كانت هي غالب رقى العرب فنهي عنها لما فيها من الشرك والتعلق بغير الله تعالى.
ج- وإذا كان المعلق من القرآن الكريم، فهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فذهب بعضهم إلى جواز ذلك، ومنهم من منع ذلك، وقال لا يجوز تعليق القرآن للاستشفاء، وهو الصواب لوجوه أربعة:
1 - عموم النهي عن تعليق التمائم، ولا مخصص للعموم.
2 - سدا للذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس من القرآن.
3 - أنه إذا علق فلا بد أن يمتهن المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء، ونحو ذلك.
4 - أن الاستشفاء بالقرآن ورد على صفة معينة، وهي القراءة به على المريض فلا تتجاوز.
وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى


__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 05-06-2018, 10:13 AM
  #8
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

لبس الحلقة والخيط ونحوها
أ-تعريفها:
الحلقة قطعة مستديرة من حديد أو ذهب أو فضة أو نحاس أو نحو ذلك، والخيط معروف، وقد يجعل من الصوف أو الكتان أو نحوه، وكانت العرب في الجاهلية تعلق هذا ومثله لدفع الضر أو جلب النفع أو اتقاء العين، والله تعالى يقول: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}(الزمر: 38) ، ويقول تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (الإسراء: 56) .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا» ، رواه أحمد (قال البوصيري إسناده حسن وقال الهيثمي رجاله ثقات) .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف: 106) (تفسير ابن أبي حاتم (7 / 2207)) .
ب- حكم لبس الحلقة والخيط ونحو ذلك
محرم فإن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله فهو مشرك شركا أكبر في توحيد الربوبية؛ لأنه اعتقد وجود خالق مدبر مع الله تعالى الله عما يشركون.
وإن اعتقد أن الأمر لله وحده وأنها مجرد سبب، ولكنه ليس مؤثرا فهو مشرك شركا أصغر لأنه جعل ما ليس سببا سببا والتفت إلى غير ذلك بقلبه، وفعله هذا ذريعة للانتقال للشرك الأكبر إذا تعلق قلبه بها ورجا منها جلب النعماء أو دفع البلاء.
التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها
التبرك هو طلب البركة، وطلب البركة لا يخلو من أمرين:
1 - أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن، قال الله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}(الأنعام: 92، 155) ، فمن بركته هدايته للقلوب وشفاؤه للصدور وإصلاحه للنفوس وتهذيبه للأخلاق، إلى غير ذلك من بركاته الكثيرة.
2 - أن يكون التبرك بأمر غير مشروع، كالتبرك بالأشجار والأحجار والقبور والقباب والبقاع ونحو ذلك، فهذا كله من الشرك.
فعن أبي واقد الليثي قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة (شجرة ذات شوك) يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}(الأعراف: 138) ،
لتركبن سنن من كان قبلكم» ، رواه الترمذي وصححه.
فقد دل هذا الحديث على أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار ونحوها من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك، ولهذا أخبر في الحديث أن طلبهم كطلب بني إسرائيل لما قالوا لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فهؤلاء طلبوا سدرة يتبركون بها كما يتبرك المشركون، وأولئك طلبوا إلها كما لهم آلهة، فيكون في كلا الطلبين منافاة للتوحيد؛ لأن التبرك بالشجر نوع من الشرك، واتخاذ إله غير الله شرك واضح.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لتركبن سنن من كان قبلكم» إشارة إلى أن شيئا من ذلك سيقع في أمته صلى الله عليه وسلم، وقد قال ذلك عليه الصلاة والسلام ناهيا ومحذرا.
النهي عن أعمال تتعلق بالقبور
لقد كان الأمر في صدر الإسلام على منع زيارة القبور لقرب عهدهم بالجاهلية حماية لحمى التوحيد وصيانة لجنابه، ولما حسن الإيمان وعظم شأنه في الناس ورسخ في القلوب واتضحت براهين التوحيد وانكشفت شبهة الشرك جاءت مشروعية زيارة القبور محددة أهدافها موضحة مقاصدها.
فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» ، رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكر الموت» (رواه مسلم) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة» (مسند أحمد (3 / 38) ، ومستدرك الحاكم (1 / 531)) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرا» (مستدرك الحاكم (1 / 532)) .
وعن بريدة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» ، رواه مسلم.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن مشروعية زيارة القبور بعد المنع من ذلك إنما كانت لهدفين عظيمين وغايتين جليلتين:
الأولى: التزهيد في الدنيا بتذكر الآخرة والموت والبلى، والاعتبار بأهل القبور مما يزيد في إيمان الشخص ويقوي يقينه ويعظم صلته بالله، ويذهب عنه الإعراض والغفلة.
الثانية: الإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم وطلب المغفرة لهم وسؤال الله العفو عنهم.
هذا الذي دل عليه الدليل، ومن ادعى غير ذلك طولب بالحجة والبرهان.
ثم إن السنة قد جاءت بالنهي عن أمور عديدة متعلقة بالقبور وزيارتها، صيانة للتوحيد وحماية لجنابه، يجب على كل مسلم تعلمها ليكون في أمنة من الباطل وسلامة من الضلال ، وهذا ما سنتناوله في اللقاء القادم بمشيئة الله تعالى

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 06-06-2018, 10:41 AM
  #9
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

أمور منهي عنها متعلقة بالقبور وزيارتها
أولا: النهي عن قول الهجر عند زيارة القبور. وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تقولوا هجرا» ، والمراد بالهجر كل أمر محظور شرعا، ويأتي في مقدمة ذلك الشرك بالله بدعاء المقبورين وسؤالهم من دون الله والاستغاثة بهم وطلب المدد والعافية منهم، فكل ذلك من الشرك البواح والكفر الصراح، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة صريحة في المنع من ذلك والنهي عنه ولعن فاعله، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: «ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إنِّي أنهاكم عن ذلك». فدعاء الأموات وسؤالهم الحاجات وصرف شيء من العبادة لهم شرك أكبر، أما العكوف عند القبور وتحري إجابة الدعاء عندها ومثله الصلاة في المساجد التي فيها القبور فهو من البدع المنكرة.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
ثانيا: الذبح والنحر عند القبور. فإن كان ذلك تقربا إلى المقبورين ليقضوا حاجة للشخص فهو شرك أكبر وإن كان لغير ذلك فهو من البدع الخطيرة التي هي من أعظم وسائل الشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عقر في الإسلام» ، قال عبد الرزاق: «كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة» (سنن أبي داود) .
ثالثا: رفعها زيادة على التراب الخارج منها، وتجصيصها، والكتابة عليها، والبناء عليها، والقعود عليها. فكل ذلك من البدع التي ضلت بها اليهود والنصارى وكانت من أعظم ذرائع الشرك، فعن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، وأن يزاد عليه، أو يكتب عليه» . رواه مسلم، وأبو داود، والحاكم.
رابعا: الصلاة إلى القبور وعندها. فعن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) ، رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام» . رواه أبو داود والترمذي (صححه الحاكم ووافقه الذهبي) .
خامسا: بناء المساجد عليها. وهو بدعة من ضلالات اليهود والنصارى وتقدم حديث عائشة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
سادسا: اتخاذها عيدا. وهو من البدع التي جاء النهي الصريح عنها لعظم ضررها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني» ، رواه أبو داود وأحمد.
كيف يتخذ قبر الرسول عيدا؟
كون الإنسان يكرر الزيارة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم كل يوم من أجل السلام عليه فكأنه يتخذه عيدا، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أمر المسلم أن يصلي ويسلم عليه وهو في أي مكان كان لأن لله ملائكة سياحين يبلغون الرسول السلام وهذا من يسر هذا الدين إذ ليس باستطاعة كل مسلم أن يأتي إلى المدينة.
سابعا: شد الرحال إليها. وهو أمر منهي عنه لأنه من وسائل الشرك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» . رواه البخاري ومسلم .
التوسل
أ- تعريفه: التوسل مأخوذ في اللغة من الوسيلة، والوسيلة والوصيلة معناهما متقارب، فالتوسل هو التوصل إلى المراد والسعي في تحقيقه.
وفي الشرع يراد به التوصل إلى رضوان الله والجنة؛ بفعل ما شرعه وترك ما نهي عنه.
ب- معنى الوسيلة في القرآن الكريم: وردت لفظة " الوسيلة " في القرآن الكريم في موطنين:
1 - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 35) .
2 - قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (الإسراء: 57) .
والمراد بالوسيلة في الآيتين، أي: القربة إلى الله بالعمل بما يرضيه، فقد نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية الأولى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى الوسيلة فيها القربة، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائل والحسن البصري وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد (تفسير ابن كثير (2 / 50)) .
وأما الآية الثانية فقد بين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال: " نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين يعبدونهم لا يشعرون " (البخاري ومسلم) .
وهذا صريح في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة والعبادات الجليلة، ولذلك قال: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله وينالون به مرضاته من الأعمال الصالحة المقربة إليه.
وإلى لقاء قادم بمشيئة الله مع أقسام التوسل

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 07-06-2018, 11:34 AM
  #10
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

أقسام التوسل
ينقسم التوسل إلى قسمين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع.
1 - التوسل المشروع: هو التوسل إلى الله بالوسيلة الصحيحة المشروعة، والطريق الصحيح لمعرفة ذلك هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها، فما دل الكتاب والسنة على أنه وسيلة مشروعة فهو من التوسل المشروع، وما سوى ذلك فإنه توسل ممنوع.
والتوسل المشروع يندرج تحته ثلاثة أنواع:
الأول: التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العظيمة، كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني، ونحو ذلك.
ودليل مشروعية هذا التوسل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 180) .
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به العبد، كأن يقول: اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي، أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني، أو أن يذكر الداعي عملا صالحا ذا بال قام به فيتوسل به إلى ربه، كما في قصة أصحاب الغار الثلاثة التي سيرد ذكرها.
ويدل على مشروعيته قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران: 16) ، وقوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران: 53) .
ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار الثلاثة كما يرويها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه، وأني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا، وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من الفرق، فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت (فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه، كما في حديث سالم) عنهم الصخرة، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا» . رواه البخاري.
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابة دعائه، كأن يذهب المسلم إلى رجل يرى فيه الصلاح والتقوى والمحافظة على طاعة الله، فيطلب منه أن يدعو له ربه ليفرج كربته وييسر أمره.
ويدل على مشروعية هذا النوع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بدعاء عام ودعاء خاص.
ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة (سحاب متفرق) ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب- فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والظراب ومنابت الشجر، قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس» . قال شريك: فسألت أنسا: أهو الرجل الأول؟ قَال: لا أدري (البخاري ومسلم) .
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما «ذكر أن في أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وقال: (هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) قام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: (أنت منهم) » (البخاري ومسلم) . ومن ذلك حديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أويسا القرني وفيه قال: «فاسألوه أن يستغفر لكم» .
وهذا النوع من التوسل إنما يكون في حياة من يطلب منه الدعاء، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له.
2 - التوسل الممنوع: هو التوسل إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشريعة أنه وسيلة، وهو أنواع بعضها أشد خطورة من بعض، منها:
1 - التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغائبين والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك، فهذا من الشرك الأكبر الناقل من الملة.
2 - التوسل إلى الله بفعل العبادات عند القبور والأضرحة بدعاء الله عندها، والبناء عليها، ووضع القناديل والستور ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، وهو ذريعة مفضية إلى الشرك الأكبر.
3 - التوسل إلى الله بجاه الأنبياء والصالحين ومكانتهم ومنزلتهم عند الله، وهذا محرم، بل هو من البدع المحدثة؛ لأنه توسل لم يشرعه الله ولم يأذن به. قال تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (يونس: 59) ولأن جاه الصالحين ومكانتهم عند الله إنما تنفعهم هم، كما قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم: 39) ، ولذا لم يكن هذا التوسل معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد نص على المنع منه وتحريمه غير واحد من أهل العلم: قال أبو حنيفة رحمه الله: ((يكره أن يقول الداعي: أسألك بحق فلان أو بحق أوليائك ورسلك أو بحق البيت الحرام والمشعر الحرام)) .
وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى



__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!



التعديل الأخير تم بواسطة صاحب فكرة ; 07-06-2018 الساعة 11:37 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:57 PM.


images