واعظ الله
في دواخلنا صوت مختلف
ليس هو نحن
إن شيء غيرنا،
ليس صوتنا الداخلي كما يسميه بعضهم، ولا هو ضميرنا، ولا نفسنا اللوامة
ولا حديث أنفسنا، ولا خواطر عابرة، ولا وساوس
إنه صوت أنقى وأطهر وأقدس
صوت لا نملكه ولا نطيق السيطرة عليه
أقوى من قدرتنا على الهرب منه أو إسكاته أو تطويعه
صوت أرفع من طاقتنا الروحية، ومعارفنا العلمية،وسلوكنا
لا يهوي مهما سقطنا، ولا يتلوث مهما تلوثنا،
لا يتوقف عن ملاحقتنا والهتاف بنا،
مهما أعرضنا عن الاستجابة له
حتى في لحظات ثورات الغضب، أو سقطات الشهوة، أو هوان المعصية
يظل عاليا طاهرا يكلمنا بلغة الطهر والوضوح والنقاء
لا يعرف المجاملة والخداع
واضح كالفجر
صارم كالقدر
في دوخلنا ضجيج هائل وأصوات مختلطة أصوات شهواتنا وأصوات الآخرين والماضي والحاضر والمستقبل
لكن هذا الصوت مختلف
لا يتشكل فينا
إنه خارج عنا
وقريب منا
أقرب من كل الضجيج حولنا وفينا
في وسعنا أن نسمع طهر صوته مع كل الركام، يقترب أدني منهم ، ويسمعنا أوضح منهم
في حياتنا أصدقاء ومخلصون
وناصحون ومشفقون
لكن لهم حسابات كثيرة
أحيانا لا يعرفون هم الحقيقة
وأحيانا لا يطيقون أن قولها لنا
وأحيانا يضحون بالحقيقة حتى لا يخسرونا
وكثيرا من الأحيان لا يدرون عن صراع يضج فينا
لكن هذه الصوت لا يبالي بنا
يقول لنا الحقيقة دون أن يكترث لغضبنا أو إعراضنا أو رحيلنا
لا يهمه ما ذا نقول عنه
ليست له حسابات معنا، ولا أطماع فينا
كما إنه في داخلنا
لا نطيق الهرب منه ولاالغياب والتواري
ولا نستيطع خداعه بأعذارنا الكاذبة وأقنعتنا المزيفة إنه وراء القناع وتحت الستار في أعماق الاعماق
بوصلة متجردة لسفننا الماخرة في طريق الحياة
تظل تشير إلى حيث الحقيقة مهما كان اتجاه مراكبنا
في كل قلب كل مسلم بلا استثناء
إنه أغلى الكنوز التي منحها الله لنا
وأغلا الأصوات التي يجب أن ننصت لها
كل ذرة فينا عليها الأصغاء لهذا الصوت بعناية
نبدو أطهر ما نكون حين تنسجم حياتنا مع نداء هذا الصوت، حين نكون صارمين في الوقوف والإصغاء
حين تتحرك أقدامنا ونحن نتحسسه في داخلنا
إنه واعظ الله
أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عظيم
قال ابن تيمية عنه
هذا الحديث العظيم - الذي من عرفه انتفع به انتفاعا بالغا إن ساعده التوفيق ؛ واستغنى به عن علوم كثيرة.
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تتعوجوا(1) ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ (2) الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ، قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ ، وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللهِ، وَالدَّاعِي مِنِ فَوْقَ الصِّرَاطِ: وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ " (3)
رواه الإمام أحمد والحاكم والطبري وصححه الحاكم والألباني رحمهم الله جميعا
وقال ابن القيم رحمه الله:
واعظ الله في قلب كل مؤمن فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة
وقال رحمه الله:
فما ثم خطاب قط إلا من جهة من هاتين إما خطاب القرآن وإما خطاب هذا الواعظ
"د/عبدالله بلقاسم "