هدي الرسول الأكرم في الحج والعمرة إلى بيت الله المعظم
هدي الرسول الأكرم في الحج والعمرة إلى بيت الله المعظم
الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله
معنى الحج والعمرة:
الحج: هو القصد المستقيم على علم وهدى بنية صادقة، وقلب مخلص؛ إلى أداء المناسك عند البيت المحرم، وتعظيم شعائر الله وحرماته في أشهر معلومة - هي شوال، وذو القعدة، وأيام من ذي الحجة - من الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، ورمي الجمار في منى في أيام معدودات.
والعمرة: مأخوذة من التعمير، وهي تعمير البيت بتعظيم شعائر الله، وإقامة المناسك، مثل الحج. إلا أنها لا وقت لها معين، بل تصح في أي يوم من السنة، وهي في رمضان أفضل، وليس فيها وقوف بعرفة، ولا رمي جمار بمنى.
وتفصيل ذلك تعلمه من سياق حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتدبرها بإمعان وطبقها عملياً في حجك وعمرتك مؤمناً محتسباً تكن من الفائزين.
والبيت العتيق - زاده الله تشريفاً وتكريماً - قد بوّأه الله لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بتعليم جبريل، وتخطيطه في البقعة التي نـزلت بها هاجر وابنها إسماعيل. وكانت هاجر قد اتخذت لطفلها إسماعيل حجراً من الحجارة تحوطه به وتمنعه من أن يحبو بعيداً عنها، فلذلك كان مكان الكعبة مستقيماً من جهة الحجر الأسود والركن اليماني، ومقوساً من الجهة الأخرى باسم حجر إسماعيل.
وبعد أن امتحن الله خليله إبراهيم وابنه إسماعيل فأمر الوالد بذبح الولد، وأطاعا أمر ربهما في إيمان صادق، وخضوع واستسلام تام، ونجحا أعظم النجاح في هذا البلاء العظيم، كانا أهلاً لأن يكافئهما الله من فضله بإقامة هذا البيت، ورفع قواعده ليبقى ذكرهما الجميل على مرّ الدهور على ألسنة الصادقين.
وقد حاول الشيطان أن يوسوس لهما ثلاث مرات وهما في طريقهما إلى تنفيذ أمر الله بذبح إسماعيل فكانا يكبران الله في قوة وشدة وإيمان من كل قلبهما ويأخذان حصى من الأرض ويقذفانه كأنهما يرجمان هذا العدو الرجيم الذي يحاول أن يقوم عقبة في سبيل الله محاولاً صدهما عن طاعته، فيحاولان في قوة وشدة أن يخرجا أثره من قلبهما. فبقي ذلك في رمي الجمار في أيام منى من هديهما لاتباعهما في التوحيد على هذا القصد، لأن الشيطان قاعد للجميع صراط الله المستقيم.
ولما أراد إبراهيم ترك هاجر وابنها في هذا المكان القفر قالت له: «الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا» وصدق الله حسن ظنهما به فلم يضيعها ولا ولدها. فحين فرغ ما ترك إبراهيم لهما من الزاد والماء جاعت وعطشت وجاع ولدها وعطش. وأخذ يتلوى ويبكي أشد البكاء، فذهبت إلى الصفا - وهي أقرب مكان مرتفع منها - ورقت عليها تنظر من حولها وتلوح بثوبها لعلها تجد من أهل الأرض من يغيثها. فلما لم تجد ذهبت تسعى إلى المروة فلما لم تجد، عادت تسعى إلى الصفا، وهكذا صنعت سبع مرات، وفي كل مرة تضعف ثقتها بالناس، ويشتد تعلقها بالله، حتى انقطع من قلبها كل أمل في أهل الأرض، وطهرت نفسها من كل أثر في رجاء غير الله فعندئذ أمر الله جبريل أن ينـزل ويضرب الأرض بعقبه ليكون لهما الغوث من الله وحده بهذه العين «زمزم» فمن ثم كان السعي بين الصفا والمروة، مع هذه الملاحظة والعمل على تخليص القلب من التعلق بغيره سبحانه.
والطواف بالبيت يشبه أن يكون - والله أعلم - تمثيلاً لحال العبد الضعيف، وقد وقع في شباك عدوه الشيطان بغفلته وجهله، وإعراضه عن حسن الانتفاع بنعم ربه، فزين له العدو في الأرض وأغواه، وحمل بسبب ذلك من الذنوب والخطايا ما ينوء به ظهره ويثقل كاهله، ولا طاقة له أن يلقى ربه يوم القيامة بهذا الحمل الثقيل، بل هو يجد هذا الحمل معوقاً له في الدنيا عن بلوغ أمنيته من السعادة وهناء العيش، فهو حائر يريد التخلص من هذه الشباك، ليفر إلى ربه الغفور الودود، خفيفاً نشيطاً. فيضرع إلى ربه في ذلة ومسكنة أن يخلصه من هذه الشباك. وأن يضع هذه الأحمال عن كاهله، فما يزال كذلك يطوف حول بيت ربه ضارعاً ذليلاً خاشعاً سائلاً، مُلِحاً في السؤال واللَّجَأ إلى ربه ومولاه أن يغيثه ويفك عنه هذه القيود، ويعيذه من هذا العدو ويحط عنه هذه الخطايا والأثقال، ويدخله باب رحمته بالتوبة والإنابة، ويتفضل عليه فيمنحه كرم الضيافة: الرضوان والمغفرة، حتى يشعر من صدق قلبه حرارة ذله ومسكنته: أن ربه الكريم قد استجاب دعاءه، وحط عنه خطاياه وفكه من قيود عدوه. وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
والآن: فاستعد للسير وراء رسول الله سيد العابدين وإمام المتقين المهتدين صلى الله عليه وسلم:
لما رد الله الأحزاب سنة خمس من الهجرة بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال، وغلب على ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد كسر من حدة غيظهم وعداوتهم، أراد أن ينتهز الفرصة للقضاء على حدة الشرك وإخماد شرره، فخرج يريد مكة في ذي القعدة معتمراً في ألف وأربعمائة من المسلمين، وقد ساق الهدي ليعلم أهل مكة أنه ما جاء محارباً وإنما جاء معظماً لشعائر الله، حتى بلغ الحديبية - الشميسي الآن - وبعث رسله لمفاوضة قريش، وانتهت المفاوضة بينهم إلى عقد صلح الحديبية الذي أنـزل الله فيه: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ (الفتح: 1) وكان من شروطه «أن يرجع من عامه هذا، ولا يدخل مكة، ولا يتم عمرته لا هو ولا أحد من أصحابه، على أن يعودوا في العام القابل وأن لا يمكثوا بمكة إلا ثلاثة أيام فقط يقضون فيها نسكهم وينحرون هديهم فعادوا من قابل واعتمروا عمرة «القضية» ثم أغرى الشيطان قريشاً بنقض صلح الحديبية. فكان ذلك سبب فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في ثمان من الهجرة، فدخلها في رمضان، محارباً بغير إحرام، ومكث بها سبعة عشر يوماً، وقد طهر البيت مما كان فيه وحوله من تماثيل أوليائهم وصالحيهم التي كانوا يهلون لها مع إهلالهم لله. ثم خرج إلى حنين ففرغ منها، وذهب إلى الطائف. فأقام على حصارها شهراً. ثم عاد إلى الجعرانة، فأحرم منها بعمرة، لثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة، فدخل مكة وأتم عمرته، ثم عاد إلى الجعرانة من ليلته ورجع إلى المدينة، وأمّر على الحج هذا العام عتاب بن أسيد الذي أمّره على مكة، وحجت العرب على جاهليتهم من الشرك والطواف عرايا رجالاً ونساء على ما شرع لهم شياطينهم من التعبد بالفاحشة.
وفي السنة التاسعة بعث أبا بكر ليحج بالناس، ثم بعد مخرج أبي بكر نـزلت سورة براءة فبعث علياً يقرؤها على الناس. وفيها ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ (براءة: 28) وأمره أن يبلغ الناس «أنه لا يطوف بالبيت بعد العام عريان، وأن لا يحج مشرك».
وإنما امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحج لما كان عليه أهل الجاهلية من إهلالهم بتعظيم آلهتهم وأوليائهم، وأنهم كانوا يطوفون عرايا، ولا يمكن أن يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من أولئك المشركين يهتف باسم ولي يدعوه من دون الله ويطلب منه المدد، أو يرى منهم عارياً عند البيت، ويسكت على ذلك فلا بد أن يمنعهم. ولا بد أن يثور حمية مشايخ وسدنة أولئك الأولياء الذين يعلمون لترويج عبادتهم والهتاف بأسمائهم لينالوا المغانم الكثيرة من النذور والقرابين، لا بد أن يثوروا حمية لديانتهم الجاهلية الموروثة عن الآباء والشيوخ فإذا ثاروا كان لا بد من الحرب والضرب والقتال، فيستغل شياطين الإنس والجن ذلك ويعيدونها جذعة، وينتهكون حرمة البيت الحرام، فمن ثم امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج اتقاء ذلك حتى أعلنهم ببلاغ علي رضي الله عنه بسورة براءة، فمن تعدى بعد ذلك فهو الجاني على نفسه.
خروجه صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع:
فلما كان ذو القعدة من السنة العاشرة أذن في الناس بالحج، وبعث رسله يأمر الناس أن يخرجوا للحج، لأنه يحب أن يلقاهم وهم بحاجة إلى لقائه صلى الله عليه وسلم ليبلغهم جميعاً رسالة ربه شفاهاً. وقد كان كثير منهم قد أسلموا في قبائلهم، وبعثوا وفودهم إلى المدينة، فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وفقههم فعادوا وعلموا قومهم فقدم المدينة كل من استطاع ليخرج في ركاب رسول الله إلى الحج، ومن بعدت منازلهم خرجوا فلقوه في الطريق، أو في مكة، ففي اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة صلى الظهر، وخطب الناس، ثم خرج إلى ذي الحليفة، المعروفة الآن بآبار علي، على نحو ستة أميال من المدينة، وهي من وادي العتيق - فنـزل بها وصلى العصر ركعتين، والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين وبات بها وكان معه نساؤه التسع رضي الله عنهن، فطاف عليهم كلهن في هذه الليلة، ثم اغتسل غسلاً واحداً ثم صلى الصبح.
إحرامه صلى الله عليه وسلم:
ثم طيبته عائشة بذريرة وطيب فيه مسك استمر ثلاثة أيام يرى وبيصه في رأسه وهو محرم. ثم لبّد رأسه بنحو صابون وقلد بدنه نعلين، وأشعرها، فشق جانبها الأيمن وسلت الدم عنها بيده، وجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن زوجته أسماء بنت عميس قد ولدت بذي الحليفة محمد أبي بكر، فأمره رسول الله أن يأمرها أن تغتسل وتترجل، ثم تهل بالحج. وتصنع ما يصنع الحاج. إلا أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.
ثم تجرد من ثيابه. ثم لف إزاره على نصفه الأسفل ورداءه على نصفه الأعلى[1] ثم صلى الظهر وأهل فقال: «لبيك اللهم حجاً وعمرة لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» ولم يقل: نويت كذا، فذلك ليس من هديه صلى الله عليه وسلم لا في حج ولا غيره.
فأهل بمثل ذلك الذين سمعوه، ثم ركب راحلته فأهل كذلك، فلما استقلت به على الطريق وأشرف على الناس أهل أيضاً وأخبر أن جبريل أتاه أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، وكان إذا لقي ركباً علا شرفاً أو هبط وادياً لبى، وفي أدبار المكتوبات وأواخر الليل. ولم يزل كذلك يلبي حتى رمى جمرة العقبة. وكان على ناقته رحل رث عليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم. وأخذ الناس يلبون بمثل تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية «أنه كان يزيد لبيك إله الحق لبيك».
وقال جابر: «ونظرت مد بصري، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينـزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل من شيء، عملنا به». ومن ثم يظهر أن اختلافات المذاهب في المناسك ليست من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن هديه واحد، وهو الذي رواه جابر وغيره من الصحابة، وفق الله الناس له.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي في الناس:«أيها الناس، خذوا عنى مناسككم، فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا».
ثم استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً كذلك، حتى إذا كان بالروحاء رؤي حمار وحشي عقير، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال «دعوه، فإنه يوشك أن يأتي أصحابه. فجاء البهز صاحبه فقال: شأنك بهذا الحمار يا رسول الله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق» فدل ذلك على أن الحرم له أن يأكل من صيد البر بشرط أن لا يكون هو صاده، ولا قد صيد من أجله، ولا هو أشار إليه، ثم مر في طريقه على ظبي حاقف - نائم - في ظل فيه سهم فأمر رجلاً أن يقف عنده لا يريبه أحد حتى يجاوزه.
وأضل عتبة خادم أبي بكر بعيره الذي عليه زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد أبي بكر، فأخذ أبو بكر يضربه ويقول: بعير واحد تضله؟ ويحك، لو لم يكن إلا أنا لهان علي الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«انظروا هذا المحرم ماذا يصنع؟» ثم وجده صفوان بن المعطل، فجاء به حتى أناخه على باب منـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كان ببعض الطريق صاد أبو قتادة حماراً وحشياً - ولم يكن محرماً - فأحله النبي لأصحابه بعد أن سأل:«هل أمره أحد منكم، أو أشار إليه؟ قالوا: لا، قال: فكلوه، وأكل منه».
فلما كان بسرف دخل على عائشة، وقد كانت أهلت بعمرة وحج، فوجدها تبكي. فقال:«ما يبكيك؟ لعلك نفست - أي حضت - قالت: نعم فقال: ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم. اغتسلي. ثم أهلي بالحج وافعلي ما يفعل الحاج، غير لا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
أمره صلى الله عليه وسلم بالتمتع:
وفي سرف جاءه جبريل وأمره أن يأمر أصحابه أن من لم يكن معه هدي إن شاء أن يفسخ حجه إلى عمرة، ومن كان معه هدي فلا. ففي السنن عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بعسفان. قال سراقة بن مالك المدلجي: يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم، كأنما ولدوا اليوم. فقال إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة، فمن تطوف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد حل، إلا من كان معه هدي».
وروى مالك عن عائشة قالت:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج، فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي - إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة - أن يحل».
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل طوى وهي المعروفة بآبار الزاهر - الشهداء - فبات ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ثم صلى الصبح، واغتسل من بئرها، ونهض إلى مكة فدخلها من أعلاها - طريق الحجون - ثم سار حتى دخل المسجد ضحى من باب بني شيبة - باب السلام - وروي أنه رفع يديه عند رؤية البيت وكبر، وقال:«اللهم أنت السلام ومنك السلام، حيِّنا ربنا بالسلام. اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من حجه واعتمره تكريماً وتشريفاً وتعظيماً وبراً».
ثم عمد إلى البيت وقد اضطبع، فجعل طرف ردائه الأيمن من تحت إبطه الأيمن وألقاها على كتفه الأيسر، فلما حاذى الحجر الأسود استقبله ثم استلمه - ولم يزاحم عليه - لم يتقدم إلى جهة الركن اليماني، ولم يرفع يديه، لم يقل: نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا، ولا افتتحه بالتكبير كما يكبر للصلاة - كما يفعل ذلك كله من لا علم عنده، بل هو من البدع المنكرة.
الطواف:
ثم أخذ عن يمينه، وجعل البيت عن يساره، ولم يدع عند الباب بدعاء خاص، ولا تحت الميزاب، لا عند ظهر الكعبة، ولا ركن من أركانها، ولا وقت الطواف سن ذكراً معيناً، لا بعمله، ولا بتعليمه بل الذي حفظ عنه فقط أنه كان يقول بين الركنين اليماني والأسود: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» وترك الناس يذكرون ويدعون كل واحد بما يلهمه الله به من مناجاته ربه بما في نفسه لدينه ودنياه وآخرته، ولأهله ولإخوانه. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ثم هي فرصة ينبغي لكل عاقل ناصح لنفسه أن ينتهزها ويناجي ربه - الذي فتح له باب هذه الفرصة - بما في نفسه. وبكل حاجاته في الدنيا والآخرة، ويكلم ربه بقلبه، ويسأله مشافهة بدون حجاب فقد فتح له ربه الباب، ورمل في الثلاثة الأشواط الأولى وأمرهم به - من الحجر الأسود إلى أن حاذى الركن الشامي الذي يحاذي الركن اليماني من ظهر الكعبة - فسار سيراً اعتيادياً[2] ومشى في الأربعة الأشواط الأخرى وكان كلما حاذى الركن اليماني استلمه، يعني مسحه بيده، ولم يقبله.
وقال: بسم الله والله أكبر، وكلما حاذى الحجر الأسود قبله إذا تيسر بدون مزاحمة، أو استلمه بيده أو بعصا أو أشار إليه. وقال:«الله أكبر». ولم يكن يمس من الكعبة إلا الحجر الأسود، والركن اليماني فقط. فالتمسح بغيرهما من جدران الكعبة وأستارها بدعة جاهلية. وثبت عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال: أستلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسك عما أمسك عنه.
وروى مسلم عن عائشة قالت: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره، يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس» وروى مثله عن أبي الطفيل، وكان ذلك لمرضه صلى الله عليه وسلم أو ليراه الذين لم يروه. فقد روى مسلم عن جابر: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة، ليراه الناس وليشرف عليهم».
فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من طوافه بالبيت أتى إلى مقام إبراهيم، فقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً﴾ (البقرة: 125) ثم صلى ركعتين. وقرأ في الأولى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ (الكافرون:1) بعد الفاتحة، وفي الثانية ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص:1) والناس يمرون من بين يديه لا يمنعهم. ثم أتى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا. فلما بلغها قرأ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ (البقرة: 158).
ثم قال «أبدأ بما بدأ الله به» وفي رواية «ابدأوا» ثم رقى عليها حتى رأى البيت فاستقبله، ووحد الله وكبره، وقال:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده».
ثم دعا فعل ذلك ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة يمشى حتى إذا نصبت قدماه في الوادي - الذي علم عليه اليوم بالأعمدة الخضراء من الجهتين - سعى. ثم مشى حتى بلغ المروة فصعد عليها، وفعل مثل ما فعل على الصفا. وهكذا حتى أكمل الأشواط السبع بدأها بالصفا وختمها بالمروة. ولم يحفظ عنه في أثناء السعي ذكر ولا دعاء خاص، لا من فعله ولا من تعليمه للناس. وهو مثل الطواف سواء. ليبقى الإخلاص وتذكر السيدة هاجر التي سن الله لنا هذا السعي اقتداء بها حين ظمئت وطلبت من الله في ذل وضراعة السقيا فاستجاب الله لها بتفجير زمزم.
فلما أكمل صلى الله عليه وسلم سعيه عند المروة، أمر كل من لا هدي معه أن يفسخ حجه، ويتحلل ويجعلها عمرة، وحتم ذلك عليهم، سواء منهم المنفرد والقرن. ففي الصحيحين عن جابر:«أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة. وقدم علي بن أبي طالب من اليمن ومعه هدي فقال:«أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم» فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ويقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي. فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر - وكانت معهم نساؤهم - فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقام فينا فقال: لقد علمتم أني أتقاكم لله، وأصدقكم وأبركم، ولولا أني معي الهدي لحللت، كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي. فحلوا. فأحللنا وسمعنا وأطعنا. فقال سراقة بن مالك: ألعامنا هذا، أم للأبد؟ فقال:«بل للأبد» وفي لفظ «ثم شبك رسول الله بين أصابعه وقال بل للأبد وأبد الأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
قال الإمام ابن القيم رحمه الله وقد روى الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر صحابياً، وأحاديثهم كلها صحاح. وهي صريحة في أنه لا ينبغي لأي قادم إلى مكة أن يحرم من ميقاته إلا متمتعاً بالعمرة إلى الحج، إلا لمن ساق الهدي معه من بلده، فهذا يقرن كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يفعل ذلك كان عصياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومغضباً له. فقد روى أصحاب السنن عن البراء بن عازب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم لما قدموا مكة - وقد أحرموا بالحج - أن يجعلوها عمرة. فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج، فكيف نجعلها عمرة. فقال: انظروا ما آمركم به فافعلوه، فردوا عليه القول: فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: من أغضبك، أغضبه الله، فقال: ما لي لا أغضب وأنا آمر الأمر فلا يتبع».
فتحلل الناس كلهم بالحلق أو التقصير، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة، وحلوا الحل كله من اللباس والطيب والنساء، حتى زوجات رسول الله وابنته فاطمة لأنهن لم يكن معهن هدي، ولم يبق على إحرامه إلا رسول الله وعلي بن أبي طالب ومن كان معه هدي، وأما عائشة فإنها بقيت بإحرامها لأنها كانت حائضاً.
خروجه صلى الله عليه وسلم إلى منى يوم التروية:
ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى منـزله بالأبطح بظاهر مكة - البقعة الماحذية اليوم لقصر الملك - فلبث فيه مدة إقامته بمكة يصلي هناك الصلوات الخمس، إلى يوم التروية - وهو الثامن من ذي الحجة - وكان يوم الخميس، فأمرهم فأحرموا من منازلهم بالحج، ثم أمرهم فخرجوا إلى منى، ولم يطوفوا بالبيت، فلما وصل إلى منى نـزل بها وصلى بها الظهر وبقية الصلوات قصراً ومعه أهل مكة، ثم بات، وهو نسك فعله صلى الله عليه وسلم، لا ينبغي أن يضيع، فلا يدري مضيعه ماذا نقص من حجه، وماذا فاته من الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إنما تحمل مشاق السفر الطويل، وأنفق المال الكثير يبتغي رضوان الله ومغفرته، والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانوا يلبون من وقت إحرامهم التلبية المتقدمة. فلما أصبح من اليوم التاسع يوم الجمعة صلى الصبح. وانتظر حتى طلعت الشمس. فسار آخذاً طريق ضب - وهو طريق السيارات اليوم - حتى بلغ نمرة، فوجد الخيمة التي أمر قد ضربت له، فنـزل بها حتى زالت الشمس، فأمر بناقته القصواء فرحلت، فأتى بطن الوادي، فخطب وقال:«إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع، دم ابن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعاً في بني سعد فقتله هذيل[3]، وربا الجاهلية موضوع، أول ربا أضع ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله. ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ فقالوا نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة - يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس - اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات».
وقال ابن إسحاق، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجه فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:«أيها الناس، اسمعوا مني قولي: فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبداً، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، أو كحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت. فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإنّ كل ربا موضوع. ولكن لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون، ولا تُظلمون. قضى الله أنه لا ربا وأن ربا عباس بن عبدالمطلب، موضوع كله، وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وأن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب - وكان مسترضعاً في بني ليث فقتله هذيل - فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية.
أما بعد أيها الناس:
فإن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطمع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم.
أيها الناس:
إن النسيء، زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم الخلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
أما بعد أيها الناس:
فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، ولكم عليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوانٍ لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت. وقد تركت فيكم ما إن اعتصمت به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً، كتاب الله وسنة نبيه.
أيها الناس:
اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلمين. وإن المسلمين إخوة. فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم: اللهم هل بلغت؟ فذكر لي أن الناس قالوا: اللهم نعم؟ فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: اللهم اشهد».
وفي رواية أخرى عند ابن إسحاق أن عمرو بن خارجة سمع من خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: «أيها الناس: إن الله قد أدى إلى كل ذي حق حقه، وإنه لا تجوز وصية لوارث والولد للفراش، وللعاهر الحجر. ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً». ثم أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ركعتين ركعتين وأهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته، ولم يأمرهم أن يتموا صلاتهم لا هنا ولا في منى.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات[4] وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وهو يذكر الله في نفسه ولم يعلم الناس ذكراً ولا دعاء خالصاً في عرفة. فوقف كل واحد يناجي ربه بما في نفسه، في ذل وضراعة وإخلاص - فما يفعله الناس من تلقين الدعاء وتلك المحاكاة والتكرير لما يقول ملقنهم كلمة كلمة، بدعة سيئة، بل مضيعة لهذه الفرص القيمة الثمينة التي ربما لا يسمح العمر بها مرة أخرى، فمساكين أولئك الجماهير الفقيرة الجاهلون المقلدون الذين ينعقون بما لا يعقلون.
وكان صلى الله عليه وسلم في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام الذليل المسكين وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وروى الترمذي أن من دعائه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي وإليك مآبي، ولك ربي ثوابي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر، وشتات الأمر. اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح».
وروى الطبراني من دعائه: «اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير، والوجل المشفق المقر المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه، وذل جسده، ورغم أنفه لك، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً. وكن بي رؤوفاً رحيماً، يا خير المسئولين ويا خير المعطين».
وذكر الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».
وخير الذكر والدعاء وأفضله عند الله، وأحقه بالإجابة، ما كان بقلب خاشع، صادراً عن ذل وفقر وشعور حقيقي بالحاجة كما وصف ربنا سبحانه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ (الأعراف: 55) وأثنى على صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ (الأنبياء: 90) فليست العبرة بكثرة القول وتكرير الألفاظ المحفوظة أو المكتوبة، وإنما المعوّل على صدق الضراعة، واللجأ وإخلاص الرغبة والرهبة. فليجتهد العبد في سؤال الله سؤال المحتاج الفقير البائس الذليل، ويسأله لنفسه وأهله وأولاده والمسلمين. وليصدق الدعوة للإسلام والمسلمين: أن ينجيهم الله من شرور أنفسهم ومن كيد عدوهم، وتخليص البلاد الإسلامية من مخالب أولئك الأعداء ويرد عنها كيدهم في نحورهم. فهذه الدعوة من أوجب ما يجب على كل واقف بعرفة أن يبدأ بها ويختتم بها في كل موقف.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف موقفه من عرفة: «وقفت في موقفي هذا وعرفة كلها موقف» فتحري صعود الصخروات «المدعو جبل الرحمة» كما يفعله العامة بعد العصر، بدعة سخيفة، ينبغي للعقلاء أن يرغبوا عنها إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك لم يصلّ رسول الله في موقفه، ولا في أي بقعه من عرفة، فصلاة العامة ركعتين على الصخرات بدعة منكرة. فضلاً عن عقائدهم الجاهلية في التبرك بأحجارها ومواضعها، ينبغي تعليهم، ثم ردعهم عن هذه المنكرات.
وفي موقفه هذا نـزل عليه جبريل بخاتمة القرآن والإسلام: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً﴾ (المائدة: 3) الآية العظيمة التي محت دين الجاهلية كلها، وقضت على التصوف والبدع وما جرت على المسلمين من دمار وذل والتي تسود وجه كل مبتدع إلى يوم القيامة.
وفي موقف عرفة سقط رجل عن راحلته فدقت عنقه ومات فسئل رسول الله فأمر أن يغسل بماء وسدر، ولا يمس طيباً، وأن يكفن في ثياب إحرامه، وأخبر أنه يبعث يوم القيامة ملبياً. فهنيئاً له ولمن مات على تلك الحال مؤمناً صادقاً.
وفي موقفه صلى الله عليه وسلم، أقبل ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال:«الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيام منى ثلاثة أيام ؛ فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه» رواه أصحاب السنن وأحمد.
فلما غربت الشمس واستحكم غروبها، بحيث ذهبت الصفرة، أفاض من عرفة إلى مزدلفة، آخذاً الطريق الأيمن، طريق المأزمين وأدرف أسامة بن زيد خلفه. وأفاض بالسكينة والتؤدة، وضم إليه زمام ناقته ليمنعها عن الإسراع، ونادى في الناس: «أيها الناس: عليكم السكينة، فإن البر ليس في الإيضاع» يعنى ليس في الإسراع الذي يزدحم به الناس ويضيق بهم الطريق فيتأذى بذلك الضعفاء ثم جعل يسير سيراً وسيطاً، حتى إذا وجد فجوة ومتسعاً في الطريق أرخى لراحلته الزمام فأسرعت، وكان في سيره يلبي بتلبيته، والناس منهم الملبي، ومنهم المكبر، وهو يسمع ولا ينكر على أحد وفي أثناء الطريق نزل صلى الله عليه وسلم وتوضأ وضوءاً خفيفاً.
فقال له أسامة: «الصلاة: يا رسول لله. فقال: الصلاة أمامك» ثم سار حتى بلغ المزدلفة، فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بلالاً فأذن وأقام. فصلى المغرب قبل حط الرحال. فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت صلاة العشاء، فصلاها، بلا أذان، ثم نام بمزدلفة حتى الصبح، والمبيت بمزدلفة نسك من هدي رسول الله ينبغي الحرص عليه. ومن الجهل والتهاون في أداء النسك على وجهها الصحيح النـزول إلى منى والمبيت بها تلك الليلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في النـزول آخر الليل إلا للضعفة من النساء، وذوي الأشغال الضرورية للحاج كأصحاب السقاية ونحوهم.
ومن العجب العجاب: أن الناس يقولون: إن المبيت بمزدلفة سنة، ولا بأس بتركها وهذا من مصائب التقليد طهر الله القلوب منه. نعم: هو سنة خير المهتدين، ومن لا يحرص على سنة رسول الله، ما له وللحج ومتاعبه.
فلما طلع الفجر صلاها في أول وقتها حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا ربه وهلله وكبره ووحده. فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً. وهنالك جاء عروة بن مضرس الطائي، فقال:«يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ: أكللت راحلتي، وأتبعت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟ فقال صلى الله عليه وسلم من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه».
وبهذا احتج من قال: إن الوقوف بمزدلفة والمبيت بها ركن كعرفة. وهو مذهب ابن عباس وابن الزبير وكثير من التابعين والأئمة.
وفي موقفه هذا قال: «وقفت هنا ومزدلفة كلها موقف» ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس وهو يلبي، وأردف وراءه الفضل بن عباس، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه مع سباق قريش.
وفي طريقه أمر عبدالله بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات. ولم يكسرهن من الجبل. ولا لقطها من الليل - فالتقط له سبع حصيات كحصى الخذف - مثل حبة الفول تقريباً - فجعل ينقضهن ويقول: (أمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الغلو من قبلكم» ولم يغسلهن ولم يأمر بغسلهن.
وفي طريقه سألته امرأة من خثعم عن الحج عن أبيها - وكان شيخاً كبيراً لا يستمسك على الرحالة - فأمرها أن تحج عنه، وسأله آخر عن الحج عن أمه العجوز، فقال:«أرأيت، إن كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فحج عن أمك» وهذا خاص بالحج فقط.
فلما أتى بطن محسر حرك راحلته وأسرع السير، وهذه كانت سنته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نـزل بها عذاب من الله، فإن في بطن محسر أرسل الله على أصحاب الفيل الطير الأبابيل فأهلكهم، ولذلك سمي بطن محسر، لأن الفيل حسر فيه أي أعيي، ومحسر وادٍ بين مزدلفة ومنى، لا هو من هذه ولا من هذه.
ثم أخذ طريقه إلى جمرة العقبة، فلما بلغها وقف أمامها، وجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ورماها وهو على راحلته بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة. وقد قطع التلبية، وكان بلال يظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسامة بن زيد آخذ بخطام ناقته.
وينبغي أن يتصور الرامي أنه إنما يحاول إخراج حظ الشيطان من نفسه بهذه الحركة العنيفة مظهراً أشد العداوة والكره له، معظماً ربه بهذا التكبير، لا أن يرمي الشيطان بهذا الحجر الذي هو الجمرة، فإن الشيطان في القلوب، يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق، لا في هذه الأحجار.
ثم رجع على منى فخطب الناس خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر - يوم الحج الأكبر - وفضله عند الله وحرمة مكة على جميع البلاد، وأمرهم بالسمع والطاعة لأميرهم الذي يقودهم بكتاب الله، وعلمهم مناسكهم، وأنـزل المهاجرين عن يمين القبلة، والأنصار عن يسارها، والناس من حولهم، وحذر الناس أن يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وأمرهم بالتبليغ عنه قال:«نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها كما سمعها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» وقال «لا يجني جان إلا على نفسه» وقال: «إن الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13) فليس لعربي على عجمي فضل ولا لعجمي على عربي فضل ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى، يا معشر قريش، لا تجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم ويجيء الناس بالآخرة فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً». وكان في كل خطبه يودع الناس، فلذلك سميت حجة الوداع. وقد فتح الله له أسماع الناس، فكانوا يسمعونه صلى الله عليه وسلم وهم في منازلهم، وقد أطاف الناس به يسألونه، فهذا يقول: حلقت قبل أن أرمي. فيقول له:«افعل لا حرج» فما سئل عن شيء قدم أو أخر، إلا قال:«افعل ولا حرج» وهذا على خلاف ما عليه كتب المتأخرين من التضييق والتشديد. وخير الهدي هدي رسول الله، وأيسر الدين ما جاء به رسول الله.
ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى المنحر بمنى، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده قائمة معقولة اليد اليسرى، وهذا العدد هو عدد سني حياته صلى الله عليه وسلم، ثم أمر علياً أن ينحر بقية المائة، وكان صلى الله عليه وسلم قد ساق معه من المدينة الثلاث والستين، وجاء علي من اليمن بالباقي، ثم أمر علياً أن يأخذ من كل واحدة بضعة ويطبخها، فأكل منها وشرب من مرقها، وأن يفرق لحمها كله، ويتصدق بجلودها وجلالها في المساكين، وأن لا يجعل شيئاً من ذلك أجراً لجازره، وأن يعطي الجازر أجره من غيرها.
ثم دعا معمر بن عبدالله حالقه فأشار له إلى شقه الأيمن فبدأ بحلقه، فقسم شعره فيمن يليه من الصحابة، ثم أشار له فحلق شقه الأيسر فدفعه إلى أبي طلحة، والحلق والتقصير نسك من مناسك الحج، والواجب فيه كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أفحش الخطأ والتقليد الباطل قول المقلدين يجزئ ربع الرأس أو ثلاث شعرات منها في الحلق أو التقصير، قياساً على المسح في الوضوء، فخالفوا أولاً هدي رسول الله في الوضوء، ثم خالفوه أشد وأشد في منسك الحج، وإني لأخاف أشد الخوف أن يضرب بأعمال هؤلاء المقلدين وجوههم فيرجعوا خائبين.
وبهذا الحلق حل الحل الأصغر، يلبس ثيابه ويتطيب طيبه، ولا يحل له النساء حتى يطوف طواف الإفاضة فيحل الحل كله.
ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة قبل الظهر راكباً فطاف طواف الإفاضة. ويسمى طواف الزيارة بدون رمل. ولم يسع بين الصفا والمروة، لا هو ولا أحد من أصحابه سواء منهم من فسخ حجه إلى العمرة لأنه لم يسق معه الهدي ومن لم يفسخ لأنه كان معه الهدي. وهذا ثابت من رواية جابر بن عبدالله في صحيح مسلم قال:«لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول» وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة «يسعك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك» وكانت قارنة. لأنها حاضت بسرف كما تقدم. فلم تحل كما حل غيرها من نسائه صلى الله عليه وسلم. ثم أتى بعد طوافه إلى زمزم. فوجد آل العباس يسقون. فقال: «لولا أن يغلبكم الناس لنزلت فسقيت معكم» ثم ناولوه الدلو فشرب وهو قائم. ثم رجع إلى منى. فقيل: صلى الظهر بها كما في الصحيحين من رواية ابن عمر. وقيل: صلاها بمكة كما روى مسلم عن جابر وعائشة. وقد رجح ابن حزم وابن القيم وغيرهما صلاتها بمنى لأن روايتها متفق على صحتها.
وبات بمنى حتى أصبح من اليوم الحادي عشر. فانتظر حتى إذا زالت الشمس ومشى من منـزله إلى الجمار. فبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم حتى كانت الجمرة خلفه فقام مستقبل القبلة يدعو الله رافعاً يده دعاء طويلاً بقدر سورة البقرة، ثم أتى الجمرة الثانية ففعل عندها كذلك. ودعا قريباً من دعائه الأول. وكان عند الرمي مستقبل القبلة. ثم أتى الثالثة فاستقبلها وجعل القبلة عن يساره ورماها بسبع حصيات. ثم رجع من فوره ولم يقف عندها ولم يدع. فعاد إلى منـزله فصلى الظهر قصراً، وكذلك قصر الصلاة في كل أيام منى. ومن صلى بصلاته أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام. ثم خطب الناس بمثل ما خطبهم يوم النحر وقد استأذنه العباس بن عبدالمطلب أن يبيت بمكة لأجل السقاية فأذن له. ولم يتعجل صلى الله عليه وسلم في يومين. بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة.
وأفاض يوم الثلاثاء بعد الظهر إلى المحصب، وهو الأبطح منـزله بمكة، فوجد أبا رافع قد ضرب قبته هنالك، وكان على نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في أوقاتها. ورقد رقدة، ثم نهض إلى مكة فطاف طواف الوداع ليلاً. ولم يرمل فيه. وأخبرته صفية أم المؤمنين أنها حاضت فقال:«أحابستنا هي؟ فقالوا: إنها قد أفاضت - أي طافت طواف الإفاضة - قال: فلتنفر إذن» يعني أنه أمرها أن تكتفي بطواف الإفاضة يوم النحر عن طواف الوداع.
ولم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في حجة الوداع هذه ولم يصل فيها. وإنما دخلها يوم فتح مكة ليطهرها مما كان بها من الأوثان. وطلبت منه عائشة أن تدخل الكعبة، فقال لها:«صلي في حجر إسماعيل، فإنه من الكعبة» فصلت فيه ولم تدخل الكعبة.
هذا آخر ما تيسر جمعه من حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم جهد الطاقة نفعني الله وإخواني المسلمين بها. وأكرمنا بضيافته الكريمة عند بيته كل عام يمنه وكرمه. وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله محمد إمام المهتدين وخير المتقين وعلى آله أجمعين،، والله أعلم.
[1] روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا ثوباً مسه ورس، ولا زعفران، ولا الخفين، إلا أن لا يجد نعلين ليقطعهما أسفل من الكعبين»، وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات:«من لم يجد إزاراً فليلبس سروايل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين» زاد أحمد ولم يقل يقطعهما وهذا يدل إلى أن النعل هو كل حذاء يكون دون الكعبين. والكعب هو العظم الناتئ في جانب أسفل الرجل عند التقاء الساق بالقدم ويدل أيضاً على أن ما يزعمه المتنطعون، أن المحرم لا يلبس المخيط خطأ فاحش، وأنه إنما نهى عن لبس المخيط - بالحاء المهملة- أي الثوب الذي يحيط بالأعضاء، أما أن يضع الثوب المخيط على عائقه أو يلتف به، يجعله إزاراً أو رداء، فلا شيء فيه وكذلك يلبس كل حذاء لا ساق له، لأن الخف هو الحذاء، ذو الساق، فإذا لم يجد نعلاً ولبس الخف فلا شيء عليه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل، ليلبسها ثم ليفد.
وروى أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين» وروى أحمد وأبو داود عن عائشة قالت:«كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حادوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفنا»، وهذا يدل على أن المرأة المحرمة تحرم بثيابها العادية، ولا داعي أبداً لأن تكون بيضاء ويدل أنها تغطي وجهها إذا مر بها الأجانب، وأنها ليس عليها في تغطية وجهها وقتئذ فدية ولا شيء.
ويدل على أن ما يصنعه كثير من النساء من كشف وجوههن بحضرة الرجال لا يجوز أبداً. وإن كن محرمات. فضلاً عن كشف وجههن بعد انتهاء الإحرام وأداء المناسك. فذلك أمر ينافي أدب الإسلام. وينافي العبادة التي جئن لها.
[2] الرمل: هو السير النشيط في خطوات متقاربة، علامة القوة والشجاعة، وأصله: أن أهل مكة قالوا يوم عمرة القضية، إن ليس مع محمد إلا قوم قد أنهكتهم حمى يثرب، ثم صعدوا على جبل قينقاع ينظرون إليهم وهم يطوفون، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يظهروا قوتهم ونشاطهم ويغيظوا المشركين بذلك، ثم بقي هذا الرمل في كل طواف قدوم.
[3] اسمه إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. كان طفلاً صغيراً يحبو فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر فقتله، وإنما بدأ به النبي لأنه دم بني هاشم ليكون قدوة للناس كما كان أول ربا وضعه ربا للعباس لذلك.
[4] وإنما اختار صلى الله عليه وسلم هذا المكان، لأنه معلم بالصخرات، وهو إمامهم الذي يحتاجون أن يسألوه فيما يعرض لهم. وهم جمع كثير يبلغ المائة ألف فإذا ما احتاجه أحد في مسألة كما احتاجوا أن يسألوه عن المحرم الذي وقع عن ناقته فمات فبأي شيء يعلم موضعه.