لقد رحلت فعلا
وانتهت رحلتك في هذه الدنيا الفانية ..
و أصبح كل ما يربطني فيك الآن هو دعوة عساها تكون مستجابة.
أبي .. حبيبي رحل
كنت أظنه حلما ..
كنت أنتظر أن يأتيني شخص ما ..
أي شخص ليخبرني أن ما سمعته غير صحيح
لكن الموضوع حسم
وصدقت الخبر مرغمة لا طائعة
حين رأيت إخوتي يدخلون من الباب تباعا
بدونك .. بدون أبي
يدخلون .. وقد أرخى كل منهم شماغه على وجهه
وامتلأ ثوبه بتراب القبر الذي دفنت فيه و فيه دفن قلبي معك!
الآن أنا وحيدة من كل شي حتى منك أبي
من سيطرق باب غرفتي كل صباح
من سيهدنني بسكب الماء على وجهي ما لم استجب لنداء صلاة الفجر
من سيخبرني بعدك أني فتاته المفضلة
من و من ومن ....
أي رجل كنت يا أبي !!
ليت لسجادتك لسان ينطق
ليت لأيامك صوتا مسموعا يخبر العالم أي أب كنت !
لكن الحروف والكلمات تخجل أن تصفك
فأنت بحاجة لأبجدية جديدة
حروف لم تصف إنسانا قبلك ولن تصف إنسانا بعدك
حروف خًـلقت لك فقط .
تنطق بأمرك و بأمرك تموت !
هل كنت أنانيه حين لم أخبرك بمدى حبي لك
هل كنت طوال سنين بدون قلب يخشع أمام عظمة عطفك على من ربيتها يتيمة من كل شيء إلا منك
هل أتوقف عن استنشاق ذكراك الطاهرة التي وزعتها في كل مكان؟؟!!
حتى لو توقفت
فلن تتوقف الأشياء من حولي عن تذكرك
عن ترديد حروف اسمك الرباعي
فهي كلها تدين لك بفضل بقاءها أو على الأقل موتها بجوارك
حتى مسبحتك وعكازك تبكيانك
رغم الاختلاف القاتل بينهما
فالأولى رفيقة درب وعمر وصلاه
والأخيرة رفيقه مرض و ألم وموت ..
هل تصدق كم تحسدنا عكازك يا أبي!!
لأنها لم تعرفك سوى لأشهر قليله فقط
لكنها تدين لك بالكثير
يكفى أن رجلا عظيما مثلك اتخذ من – قطعة الخشب المسماة عكاز- رفيقة سفر ورفيقة موت ..
لكنهما سيبقيان شاهدا على تسبيحك وتهليلك وتكبيرك..
شاهد على كل خطوة خطوتها لمسجد حينا الكبير.....
حيث كان الجميع يبكيك يا أبي ..
هل بدا يتحول بيتنا إلى ما يشبه المزار؟!
أم أن الفاجعة بموتك كانت اكبر وأقسى من أي احتمال.
كل شيء أًصبح مختلفا بعدك ..
حتى تلك العصافير الصغيرة التي طالما غردت بجوار شباك غرفتك ...
تبدل تغريدها نحيبا.
حتى حفيف الأشجار في حديقتك توقف ..
لتخر أشجارك ميتة بجوارك !
لن ينساك احد أبي .
فمثلك عاش ليبقى رغم الموت .
أبي أنا أعيش على بقاياك ...
على ما تركت لي من ارث .......
من سمعة ومجد صنعته لنا ..
أعيش على دعائك لي ..
وأموت على فراقك .
كنت لي كل شيء ولا زلت
قوتي وضعفي ,, فرحي وحزني ,, شفائي ومرضي
حاضري وماضيي ومستقبلي
لن أقول – ليتك لم تمت ... فهو يومك –
بل ليتني رأيتك !!
ليتك أسلمت روحك على ذراعي ,, كما فعلت جدتي –أمك-
ليتك فقط أخبرتني كم مرة ينبغي أن أحج لك وأعتمر؟؟
كم مرة أصلي واستغفر وأدعي ؟؟
كم من الفقراء علي أن أطعم وأسقي ؟؟
كم علي أن أكون بارة لك
لأرد لك جزء بسيطا من معروف أبوتك لي
كل البشر في غيابك أشباح لا يحنون علي ولا بي يرفقون
أحبك حتى النهاية أبي
فأنت حي في قلبي وأيامي و سنيني .
أنت حي في قلبي حتى الموت .
دعواتكم لابي وجميع موتى المسلمين بالرحمة والمغفرة