حـــوار
قال: (( المرأة وظيفتها في البيت فقط، وينبغي أن لا يحسن أحدنا لزوجته كثيراً حتى لا تتكبر عليه، ثم إن المرأة ناقصة عقل ويجب عدم مشاورتها )).
قلت: إن كنت تعامل زوجتك هذه المعاملة فمسكين أنت ومسكينة هي، فقد ابتلاها الله بزوج جاهل بالشرع وجاهل في العلوم الإنسانية.
قال: كيف ذلك ألم تقرأ ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام عن المرأة: (((شاوروهن وخالفوهن وأسكنوهن الغرف، وعلموهن سورة النور؟)))
قلت: كلامك غير صحيح، ألم تقرأ تعليق الشيخ (البوطي) حفظه الله على هذا النص عندما قال: فلم أجد من رواه حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا بسند صحيح ولا ضعيف، ولا موضوع، وربما رواه بعضهم عن كلام عمر رضي الله عنه، ولكنه أيضاً لا يصح عنه بشيء من ذلك، بل الوارد منه عكس ذلك، فقد استشار عمر رضي الله عنه حفصة في المدة التي تحدد لابتعاد الزوج عن زوجته وأمضى كلامها وأصدر مرسوماً بذلك.
قال: وكيف ذلك؟
قلت : يا أخي الحبيب إن المرأة بشر، والله تعالى لم يفرق بينها وبين الرجل في الاستشارة، بل روي ابن حجر في الإصابة عن أبي بردة عن أبيه قال: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة ـ رضي الله عنها، إلا وجدنا عندها فيه علماً، وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن رأياً في العامة.
قال : ولكن ذاك زمن، ونحن نعيش في زمن آخر.
قلت : ولكن المرأة هي في كل الأزمان.
قال: ولكني لا أشاور زوجتي.
قلت : ان عدم مشاورة الزوجة والاستئناس برأيها دليل على إلغاء شخصيتها الاعتبارية في مشاركتك أعباء الحياة، فهي رفيقة عمرك، ومؤنستك في الطريق... ومن حق الرفيق على رفيقه أن يتحاور معه ويسـتشيره، وقد لا يكون رأيـها ملزماً لك، ولكن من كمال عقل الرجل أن لا ينفرد برأيه، وإنما يستشير غيره.
قال : الصراحة، كلامك صحيح ومنطقي، ولكننا لم نترب على هذه المفاهيم.
قلت: الآن كلامك صحيح، ولكن ما المانع من أن تعلم ونغير أنفسنا وعاداتنا، إن كانت سيئة لا يقرها عقل ولا شرع؟
قال: وكيف أغير معاملتي لزوجتي، وهي قد تعودت على عدم احترامها كإنسانه وعدم استشارتها حتى في أين نقضي إجازة نهاية الأسبوع؟!
قلت: وما العيب في أن يعترف الإنسان بخطئه، فلو أخبرت زوجتك بالحوار الذي دار بيني وبينك فإنها ستسعد وستعينك على التغير، لأنها ستشعر بأنك حققت ذاتها عندما تسمع رأيها وتناقشها.
قال :سأبدأ إن شاء الله... ولكن هل شاور الرسول عليه الصلاة والسلام زوجاته؟
قلت : نعم. فقد روى البخاري أنه دخل الرسول الكريم على أم سلمة رضي الله عنها يوم صلح الحديبية يشكو إليها أنه أمر أصحابه بنحر هداياهم وحلق رؤوسهم، فلم يفعلوا.
فقالت : يا رسول الله.. اخرج ولا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج عليه الصلاة والسلام وأخذ بمشورتها، وفعل ما قالته، ففعل أصحابه مثله.
وتلاحظ معي أخي الكريم أن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر علماً من زوجته وأكثر دراية وتجربة، وأكثر معرفة بفقه النفوس وتعاملها ولا يخفي عليه ما أشارت به زوجته، ومع ذلك فانه يستشير امرأة حتى يعلمنا استشارة زوجاتنا واحترام ذواتهم، وبالاحترام يسود الحب وينمو.
قال : أشكرك على هذه الكلمات.
قلت له مبتسما ً: بعد تغيير عاداتك مع زوجتك أخبرني ما هي النتائج... لا شك في أن الحياة سيكون لها طعم آخر.