بيت العُـمر
أخي الفاضل .. أختي الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما ترغب في بناء بيت لك، فما الذي تبحث عنه بالمقام الأول وتحرص على أن يكون من ضمن أولوياتك ؟
ماذا تفعل قبل / أثناء / بعد ، عملية البناء ؟
كيف تتعامل مع هذا البناء قبل / أثناء / بعد عملية التشييد ؟
هل بدأت الأفكار تدور في رأسك الآن وبدأت تقدم بعضها وتؤخر الآخر وتفاضل ما بين هذه وتلك ؟
جميل جداً ..
لتلقي الآن نظرة من زاوية أعلى و أوسع ..
أخي .. أختي ..
إن بناء زواج ناجح وقوي تشبه إلى حد كبير عملية بناء بيت العمر.
المسألة تتعلق بالإعداد والأساسات ، فكلما كان عملك متقناً منذ البداية، كلما كان البيت أفضل.
البناء مهما كبرت مساحته واتسعت وترامت أطرافه فإن له أربع قواعد أساسية ..
أما البقية فهي إمّا مساعدة أو فرعية .
من هذا المنطلق سنبحر معاً لنستعرض المحطات أو القواعد الأربع الرئيسية لبناء بيت العمر.
الركن الأول : اتصال المحبة ( متعة الاتصال ) :
عندما يدرك الزوجان أن ما يبدو سهلاً وممتعاً قبل الزواج ; يحتاج جهود متقنة ومتناغمة بعد حفل الزفاف ; فإنهما يكونان قد وضعا حجر الأساس لخلق اتصال الحب بينهما ومن ثم الاستمتاع بهذا الاتصال .
من هنا تتضح لنا أهمية وضع الزوجان خطة لسير زواجهما ، كمن يضع من يبني بيتاً خطة لسير عملية البناء ، وإلاَّ فلن يكون البيت كما يرغبه في نهاية المطاف .
* أحب زوجتك وأبناءك كما هم ..
انظر لهم ككيان مستقل .. واقبل بهم كذلك ، ومن ثم أحبهم كما هم بكيانهم المستقل..
ومن ثم تأتي مرحلة التعاون ما بين المستقلين لتكوين اتحاد أسري مفعم بالقوة والألفة.
* المحادثات اليومية، النزهة الأسبوعية، تطوير مهارة الاستماع .
أمور كلها ينبغي الاهتمام بها ، واستعمالها منذ الأيام الأولى للزواج ، وعدم إغفالها أو التقليل من شأنها ومن شأن أثرها في الحياة الزوجية.
* الاعتقاد بأن اتصال المحبة يأتي عفوياً ; هو أمرٌ أقرب للخرافة منه للحقيقة ، إذ لا بد من السير خلال استراتيجية محددة المعالم حتى نصل لهذه المحصلة النهائية .
لذلك .. بدءً من الآن قم بوضع أساسيات الاتصال الفعّال مع زوجتك / زوجك والذي سيؤدي إلى مثيله مع الأبناء بإذن الله تعالى .
الركن الثاني: التوافـق الـروحي :
إن كل ما يمكن تصنيفه ضمن الأولويات أو الضرورات القصوى في الحياة ; فإنه يدخل تحت مظلة
الروحيات ; فهي قيم وأخلاقيات .
فمن غير المنطقي أن يتوقع الزوج أو الزوجة أن بمقدورهما بناء زواج مرضي، ثابت، صلب، من دون
ينهل كلاهما من نفس النبع الروحي العذب .
ويقف خلف هذا كله مدى ثقة الزوجين في خالقهما وقوة إيمانهما به ، ثم قوة معتقدهم تجاه هذا الرابط " الزواج " .
تذكـّر:
إن الممارسات الحالية تعطي صورة واضحة عمّا سيكون عليه الحال مستقبلاً ، فنحن نجني حصاد ما زرعناه ولو بعد حين ..
لا تكن من بين الأزواج الذين يقولون لأنفسهم:
"إن زوجي/ زوجتي ، سيَـرى / ستـَرى ، النور متى استقرت الأمور" .
فلماذا الانتظار والتسويف ؟!!
ابدأ الآن واجعل الطرف الآخر يرى النور بوضوح من خلالك أنت .
الركن الثالث : الإلـتزام المـالي :
إن عادات وتقاليد ومظاهر ومفاخر أو بتعبير آخر "قشور ; " تجعل البداية في عملية بناء بيت العمر ضعيفة من الناحية المادية ، وتغرق الطرفين في بحر قدلا يجيدا السباحة فيه للعودة إلى بر الأمان.
إن وضع خطة مالية مدروسة من أهم ضرورات الزواج قبل التفكير في الإقدام عليه، لأن الالتزامات المالية الكثيرة تضعف اتصال الزوجين ببعضهما البعض بسبب ما تفرضه عليهما من ضغوط نفسية.
وربما تؤدي إلى تدهور أساس البناء فيبقى مجرد شكل أو ربما ينهار تماماً.
ابدأ حياتك الزوجية بخطة مالية " ميزانية " ..
وإليك هذه الخطة المقتبسة من خطط كرة القدم :
في كرة القدم يقولون اللعب بـ 3 - 3 - 4 أو 5 - 3 - 2 أو 3 - 5 - 2 ..
وهذا يعني توزيع اللاعبين العشرة بين الهجوم والوسط والدفاع ، وخطتنا قريبة من هذه في التسمية والفكرة والتوزيع أيضاً ، الخطة هي :
10 - 10 - 10 - 70 .
* تصدق بـ 10% من دخلك الشهري لوجه الله تعالى وشكراً لفضله عليك .
( انظر أبواب الصدقة ولا تجعلها في باب واحد فقط ) .
* ادخر 10% من دخلك الشهري كإدخار لا تعود له إلا بعد انقضاء الفترة المحددة للادخار حسب خطتك المالية .
* ادخر 10% من دخلك الشهري للطوارئ تعود إليها في أي طارئ يحصل لك وإن لم تحصل طوارئ لهذا الشهر ترحلها للشهر الذي بعدها وهكذا المهم هذا المبلغ لا يصرف منه إلا في الطوارئ فقط.
* ضع خطة واضحة حسب احتياجات الأسرة والتزاماتها لصرف الـ 70% .
وتمسك بهذه الخطة ونفذها كما هي قدر الإمكان والتزم بها ، وأي مصاريف دخيلة على الخطة لم يسبق وضعها فيها لا تقبلها إلا في الحالات القصوى جداً إذا أمكن وضعها تحت الحالات الطارئة. وإلا فألغها أو أجلها حتى وقت مراجعة الخطة.
الركن الرابع : أخذ العلاقة الجنسية على محمل الجد:
إن العلاقة الجنسية هي حجر الزاوية لأي زواج ، وتلعب دوراً رئيساً جداً في نجاحه وفشله. ولنجاحها
عاملين مهمين هما:
الأول:
البقاء عفيفاً حتى الزواج (وهذا ولله الحمد متوفر لدينا إلا أننا نركز عليه ونشدد عليه .
العلاقة الجنسية هي اتصال مباح بين الرجل والمرأة من خلال الزواج والزواج فقط ، أمّا خارج إطار الزواج فهي علاقة مُهلكة وهدّامة .
الثاني:
أن ندرك أن العملية الجنسية أمر حسن، فهي حاجة خلقها الله فينا فينبغي أن ننظر إليها من هذا الباب ، لا كما يفعل البعض من الذين يرونها نجس أو أمر غير نظيف وغير محبب ; ويرون أنها قضاء حاجة لا أكثر، ويتقززون منها متى ما قضوا حاجتهم .
إن الوصول إلى مرحلة الرضا المتبادل في العلاقة الزوجية ; يأتي بعد أن يصل كل من الزوجين إلى مرحلة الرضا الجنسي من الآخر وبعد تصحيح النظرة العامة لديهما حول هذه العلاقة الفطرية .
فإن كان أحد الزوجين أو كلاهما يشعر أو يعتقد أن الجنس أمر مقرف أو قذر أو تصرف غير حسن، فإن المتعة الزوجية ستتضاءل وتضمحل بمقدار الاعتقاد المتواجد بداخل الزوجين أو أحدهما .
كلما زاد فهمنا ووعينا بهذه العلاقة زاد استماعنا بالحياة الزوجية وبما وهبنا الله وأحلّه لنا وكتب لنا فيه الأجر والثواب.
أهمية الاستشارات الزوجية : -
ابن زواج ناجح باستخدامك للأدوات الملائمة.
لقد أقامت الهيئة الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة للعلاقات الأسرية ; فوجدت أن حالات الزواج التي يتبع فيها الزوجين استشارات أسرية قبل وبعد الزواج هي زيجات أقرب للاستقرار، وأكثر ثباتاً مع المتغيرات والطوارئ من غيرها.
طبعاً مثل هذه الدراسات قد تحتاج لسنوات لنقوم بها هنا في هذا الجزء من العالم.
إن الاستشارات الأسرية تفيد وتخدم كثيراً في حل الخلافات وتقريب وجهات النظر وفهم الطرف الآخر بشكل أكبر ، وبالتالي جعل العلاقة الزوجية أكثر استقراراً وثباتا .
فإذا كنت متزوج أو مقبل على الزواج ; فأدرج عملية الاستشارات الأسرية في جدولك (خطتك)، فهناك أناس مؤهلون لمثل هذه الاستشارات وأغلب من يقدمها هنا في مجتمعنا يقدمها بالمجان.
وهم يسلطون الأضواء على زوايا مهمة نغفلها نحن أولا ننتبه لأهميتها، فبالانتباه لها نجعل السير في طريق الزواج أمر سهل ومتوقع ما قد يصادفنا فيه ، إضافة إلى الاستعداد بعون الله للتعامل معه التعامل الأمثل .
عند التفكير في الزواج مرة أخرى (خصوصاً في وجود الأطفال لدى الطرفين أو أحدهما) فكر ملياً في إيجاد مستشار اجتماعي يحمل خبرة كافية في العلاقات الزوجية للمرة الثانية – إن صح التعبير - ، فكل وضع له استشارة تخصه ، وجميعنا يعلم أنه :
ختاماً :
للاستمتاع بزواج ناجح تدوم متعته وتتنامى مع السنوات ; احرص على بناء أساس متين يتحمل إضافات البناء ، ويقف أمام العواصف والأمطار والمتغيرات بكل ثبات ومرونة
الأجودي