كم تمنى ذلك الشاب الوديع المهذب المتدين اليوم الذي ينعم فيه بالهدوء والسكينة والود والرحمة، يغمض عينيه ويستغرق في الأحلام الجميلة منتظراً هذه اللحظة، لحظة العمر الجميلة، وتمر الأيام والأيام وهو يثابر في عمله ويضاعف من مجهوده ويقتطع من راتبه حتى يبني ذلك العش السعيد.
كانت الفتاة المؤمنة التقية لا تكف الأحلام عن مطاردتها، فيهتز قلبها فرحاً، مرت الأيام كأنها دهور طويلة، وقدر الله لهما الخير وتم الزفاف وعاشا سوياً أياماً جميلة استمرت شهوراً. طوال هذه الشهور كانت الحياة تبتسم أكثر وتتفتح عن باقات من السعادة لا توصف، عاشا خلالها حياة هنيئة تتغمدهما نفحات ربانية إيمانية ترتفع بروحيهما إلى السماء. كانت أوقاتاً طيبة كلها سعادة وطاعة لله.
مرت الشهور ورزقهما الله بأول مولود، لم تكن الدنيا تسعهما فرحة بذلك المولود الجميل، فشكرا الله على نعمته. وتمر الشهور وتزداد حاجات الولد ومطالبه ويزداد اهتمام الزوجة بولدها، لم يكن الزوج يغضب من ذلك، فالولد إنما هو ابنهما سوياً. لم يكن يزعجه إهمال زوجته له بعض الوقت، لكن، وكما يقال فإن للصبر حدوداً، بدا على الزوجة الإعياء وأهملت كثيراً في نفسها وزينتها لزوجها، حتى الصلوات بدأت تؤخرها عن موعدها.
بدأ الاضطراب يتسرب إلى ذلك العش الجميل.. تراجع مؤشر السعادة بعد أن وصل إلى نهايته العظمى.. كان الزوج يراقب تراجع المؤشر وهو يخشى أن يصل إلى الصفر. كان يرتعب من هذه اللحظة، ولكن لماذا يظل ينتظر هذه اللحظة حتى تأتي وتعكر حياتهما؟ ما الحل إذن؟
الصورة السابقة نراها تتكرر كثيراً في حياتنا ومجتمعاتنا، تتحول الأحلام الجميلة والسعادة بعد وقت ما من الزواج إلى مشكلات قد تعصف ببناء الأسرة المسلمة، ونقول للزوجين: ربما لا يسير أمر من الأمور في كل الحياة على وتيرة واحدة، لكن لكل أمر حدود لا يتعداها، فإذا وجدت المشكلات فهذا أمر طبيعي، لكن يجب ألا تتطور حتى تصبح كائناً هائجاً يهدد الحياة الأسرية، وعلى هذا فمن الأمور التي تساعدنا على تفهم مواقفنا وحل مشكلاتنا:
1 المصارحة والمكاشفة:
من أساسيات الحياة الزوجية السليمة السعيدة أن يصارح كل من الزوجين الآخر بما في نفسه من أمور لا يقبلها من الآخر، على أن يختار الوقت المناسب، أثناء الضحك أو السمر أو لحظة صفاء.
2 ليتنازل كل منكما عن كبريائه قربةً إلى الله:
فإذا ما أتى الزوج بشيء يجرح كبرياء زوجته فلتتذكر أنه زوجها وحبيبها الذي طالما حلمت أن ترتبط به على شرع الله، وأنه أب لأولادها، وهو وحده الأقدر على رعايتهم أحسن رعاية بفضل الله تعالى.. تنبهه إلى خطئه بأسلوب مهذب يجعله محرجاً من نفسه. وليتذكر الزوج عندما تجرح زوجته كبرياءه أن يعاملها بالتي هي أحسن ويبين لها خطأها دون مغالاة في تضخيمه وتغليظ العقاب عليه.
3 كل منكما أمانة عند الآخر:
نعم، فالزوجة أمانة عند زوجها، ومن خطبة الوداع قول الرسول الكريم ص: "... واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوانٍ، لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدي أبدًا، أمرًا بينًا، كتاب الله وسنة نبيه".
والزوج أمانة عند زوجته، فهي مطالبة بحفظ نفسها لأنها تخصه، وحفظ ماله وولده وبيته، وفي الحديث الشريف: عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ص؛ أنه قال: "ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته". (رواه مسلم). فليحفظ كل من الزوجين أمانته التي جعلها الله في رقبته.
4 توضيح المهام يمنع الآلام:
فإذا عرف كل من الزوجين وظيفته حق المعرفة وعرف جزئياتها منعت تلك المعرفة الكثير من المشكلات التي قد تحدث؛ حيث ستكون الأدوار واضحة ويقوم كل منهما بدوره دون ضجيج، وعلى الزوجة بالذات ألا تثقل زوجها بالأسئلة الكثيرة والتدخلات المرهقة في شؤونه، وأحياناً يكون دافع حب معرفة تحركات الزوج محركاً لسؤال الزوجة، وفي أحيان أخرى يكون هاجس أن زوجها ربما يكون يسعى للزواج من أخرى، أو هو بالفعل متزوج من أخرى، وهذا الأمر ربما يفسر الانزعاج الشديد لدى الزوجة من تأخر زوجها عن المنزل، فعلى الزوجة أن ترحم زوجها من إلحاحها المستمر عليه لمعرفة كل صغيرة وكبيرة يفعلها، وإذا وجدت الثقة المتبادلة انتفت الهواجس.
5 مشاركة لا استعباد:
العديد من الأزواج يعتقد أن زوجته ملك خاص يحق له أن يفعل فيها ما يحلو له وينسى التوجيهات القرآنية والنبوية الخاصة بالإحسان إليها وروح الشريعة السمحة التي تؤكد على معاني إكرام المرأة، ولن نكرر ما يقال كثيراً عن حفظ الإسلام لحقوق المرأة، حتى يصل الأمر إلى استقلالها بذمة مالية خاصة بها.
وقدوتنا في كل حياتنا رسول الله ص، هو النور الذي نستضيء به. فلينظر كل زوج مسلم يتقي الله، في سيرة الرسول الكريم وليجعل له ورداً منها يقرؤه هو وزوجته وأولاده حتى تنبني بيوتنا، على الحب ويعلو مؤشر السعادة حتى يصل إلى ذروته بإذن الله.