بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم قال لي احد الاصدقاء : إني أشعر بالخجل الكبير من ربي؛ لكثرة ما يطّلع عليه من ذنبي، وإني لأشعر أحياناً أنني استحي من الله حينما أسبح أو أستغفر، وتقول لي وساوس نفسي: عجباً أيها العاصي، تردِّد بلسانك ما لا ينسجم مع أفعالك.. فماذا أفعل؟.
قلت له: لست أنت الوحيد الذي يخطئ من بين البشر، ولست معصوماً من الخطأ والزلل، وليس معنى وقوعك في الخطأ أنك قد فقدت الضمير الحيَّ والقلب النابض بالحياة، بل إنني أهنئك بهذه النفس اللوَّامة التي تجعلك تشعر بالخجل من ذنبك، والحياء من ربِّك، وأحذِّرك في الوقت نفسه من وساوس الشيطان الذي يحاول أن يملأ قلبك باليأس، وهو يهوِّن عليك قيمة التسبيح والاستغفار.
أنت تسلك الطريق الصحيح للتخلُّص من أعباء عصيانك وآثار خطئك، فالله - سبحانه وتعالى - يحب التوّابين ويحب المتطهّرين، ويشمل بعفوه ومغفرته المستغفرين، فهو الذي نادى عباده الذين أسرفوا على أنفسهم ألاَّ يقنطوا من رحمته، وهو الذي بشر عباده التائبين بقبول التوبة إذا صدقوا وأخلصوا، وهو - سبحانه - الذي يعلم بقلوب عباده، وبما تخفيه صدورهم، ولهذا فهو العفو الغفور لكل من لجأ إليه، ودعاه تائباً خاشعاً.
إنَّ وقوع الإنسان في المعصية ضعف، ولا يصح لعاقل أن يستسلم لهذا الضعف، بل عليه ان يحاول ويحاول، ويدافع عن نفسه ويصاول، واثقاً بربه، موقناً بقبول التوبة، وحسن العاقبة ما دام هارباً إلى الله راجعاً إليه.
لا تتوقف يا صاحبي عن الذكر والتسبيح والدعاء والاستغفار؛ لأنك بهذا تغسل أدران قلبك، وترفع نفسك إلى الأعلى حتى لا تغرق في لحجج الأهواء.
سأل سائل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن التسبيح والاستغفار، أيُّهما أفضل للإنسان، فقال كلاماً جميلاً جاء فيه: إذا كان الثوب نظيفاً فإنَّ البخور والورد أنفع له، وإذا كان الثوب دنساً فإنَّ الصابون والماء الحارَّ أنفع له، فالتسبيح بخور الأصفياء، والاستغفار صابون العُصاة.
وأقول: لا يعني كلام شيخ الإسلام أنَّ العاصي لا يسبح ويذكر ربَّه، وإنما يعني أنَّ الإكثار من الاستغفار أنفع له ما دام متلبِّساً بأخطائه، ومعنى ذلك أن الاستغفار يغسل وينظِّف، ونحن بأمسِّ الحاجة إلى غسل نفوسنا، وتنظيف صدورنا في كل حين.
أكْثِر من التسبيح والذكر والدعاء، ورفرف بأجنحة الاستغفار، حلِّق بها في الآفاق الفسيحة المعطَّرة برحمة ربك ومغفرته، إياك أن تيأس، أو تقنط، أو تقع في أوحال الاستسلام للأوهام ووساوس الشيطان، وأراجيف النفس الأمَّارة بالسوء.
أذكرك بأن رسولنا عليه الصلاة والسلام أخبرنا في أحاديث كثيرة صحيحة أنَّ الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير.
إنَّ للتسبيح والاستغفار لذَّةً لا توازيها لذَّة من لذائذ الدنيا، وفيهما متعة لا تشبهها متعة، والباب مفتوح للجميع؛ لأن فضل الله عظيم، ولأنه سبحانه وتعالى واسع المغفرة، لو غفر للكائنات كلِّها ما نقص من ملكه شيء.