- 3 -
عزوف أغلب الفتيات عن الارتباط بالرجل المتزوج ، مما ثنى كثيراً من الرجال عن التفكير في التعدد ، بل والحياء من قضية عرضه ، سواء في محيط أسرته أو في محيط المجتمع ؛ إذ معظم الناس في مجتمعاتنا ينظر إلى القضية على أنها قضية أهواء شخصية محضة .
وتفنيد ذلك يتطلب معطيات إيمانية قوية ، وممارسات شرعية ظاهرة، والمقصود بذلك :
1- تصحيح المفاهيم ، ببيان حقيقة التعدد والضوابط العقدية والشرعية فيه من تقوى الله عز وجل ، وإخلاص التوجه إليه في الإقدام على هذا الأمر ، والحرص على الذرية الصالحة ، وتكثير الفئة الصالحة في المجتمع ، وتحقيق العفاف لنسائه والرقي بهن إلى مصاف نساء السلف الصالح فكراً وممارسة ، والأخذ بيد المرأة المسلمة إلى تقديم دينها على ما سواه في حياتها ، وتحكيمها لشرع الله ورضاها به وتسليمها لما جاء به ، فسعادتها في تحقيق دين الله في نفسها ومحيط أسرتها ، وإن وهبها الله فقهاً في الدين فلتكن خير معين لأختها في غرس بذور الإيمان بأحكام الشرع والرضا بالتسليم بها ، فكراً وممارسة ، وتنقية النفوس مما من شأنه أن يثير البغضاء والشحناء ، ولتعلم أن خير معين لها في ضبط سلوكياتها وانفعالاتها وتوجيه أفكارها هو التمسك بدينها والفقه فيه والعمل به ، إذ به تتحقق المقاصد الإيمانية ، وتتهذب النفوس والطباع ، ولا غرو أن حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الزواج من ذات الدين وتفضيلها من بين النساء ، بقوله : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) [3] ، لأن من جعلت إيمانها نصب عينيها ، وسعت جاهدة في خدمة دينها ، وتيقنت أن الدنيا دار ابتلاء وفناء ، وأن الآخرة هي دار القرار والبقاء ، فإنها لن توصد أبواب الخير في
سبيل أعراض دنيوية ومصالح ذاتية ، وستحاول أن تجعل نظرتها لما شرع الله من أحكام ذات أبعاد إيمانية ، تغرس في نفسها الرضا والتسليم بحكم الله ورسوله ، قال تعالى : ] فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ [النساء 65] ، وحينئذ يمكنها أن تنظر إلى قضية التعدد على أنها باب من أبواب الخير والدعوة إلى الله ، فزوجها يمثل الرابط المشترك بينها وبين أختها في الله الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، وأبناؤها وأبناء أخواتها في الله هم أخوة لأب واحد ، وإن أبناءه هم أبناؤها ، ومن ثم فالعلاقة وثيقة قريبة ، فلتتعاون هي وأخواتها في الوعي بحقيقة هذا الدين ، والوعي بالتربية الإسلامية الحقّة التي يُرتجى منها جيلٌ قوي يعيد لهذه الأمة مجدها وعزتها ، ولتعلم أن هذا الأمر لا يمكن أن تقوم به جهود أفراد ، وأن القضية في حاجة ماسة إلى جهود جماعية واعية بصيرة ، وأنّى لهذه الأمة بهذه الجهود الجماعية الفاعلة دون مشاركتك أنت ، أيتها المرأة المسلمة ؟ .. فالرجل الصالح يحتاج لمن يأخذ بيده ويدفعه للأمام دائماً ، فما بالك إن تعاونت أنت وأخواتك على ذلك ؟ .. وتعاضدتن على حسن تربية أولاده ومعاونته في ذلك ، فيد الله مع الجماعة أينما كانت ، والقضية قضية إيمانية في الدرجة الأولى تحتاج منك أيتها المرأة المسلمة تجرداً ذاتياً لله تعالى ، وتوجهاً خالصاً في خدمة هذا الدين ، وتطلعاً إلى تحقيق واقع جيل القدوة في حياتنا المعاصرة ، فأمهات المؤمنين الطاهرات خير قدوة ، والصحابيات العفيفات خير أسوة .. وكوني على يقين أن الله تعالى سيعوضك خيراً ، ولن يضيع عملك الذي ابتغيت به وجه الله راضية مسلّمة بحكمه ، مقتدية بسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من بعده ، قال تعالى : ] أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ [ [آل عمران 195] ..
2- الحرص على الممارسات الشرعية في التعدد من قبل الطرفين الرجل والمرأة ، ويقصد بذلك ضبط السلوكيات ضمن ضوابط الشريعة ، وتوجيهها في إطار العقيدة ، أي محاولة أن يكون الهدف من وراء التعدد من قبل الرجل ، وقبول الزوجة به ، ذا أبعاد إيمانية ، يعلوها صدق التوجه لله في ذلك وطلب مرضاته بخدمة هذا الدين ، وتحقيق العفاف في صفوف أفراد المجتمع الإسلامي ، وتكثير الذرية الصالحة ، وضبط الممارسات تبعاً لهذه الوجهة العقدية الشرعية والتي تكفل انضباط الأخلاقيات ضمنها على قدر رسوخها واليقين بها ، والتي تجعل قبول المرأة للتعدد يتوجه للتسليم الخالص به ابتغاء مرضاة الله ، وخدمة دينه ، وتجعل شراكة الزوجات ، شراكة إيمانية قوامها التعاون على البر والتقوى ، ومعينها سعة صدر المؤمنة لكل ما من شأنه خدمة هذا الدين ، والمساهمة في تربية جيل يرتجى صلاحه وفاعليته : ] والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ [التوبة 71] .
فعسى الله أن يرحمنا ويعفو عن تقصيرنا في فهم هذا الدين ، والوعي بعظم مقاصد شريعته ، ونرجو أن يرزقنا الفقه في الدين ، وتمثله فكراً وممارسة في سبيل واقع أفضل .
________________________
(1) انظر سيد قطب ، في ظلال القرآن ، 2/1009 .
(2) انظر : أبو عبد الرحمن ، فضل تعدد الزوجات ، ص 17-19 (إذ أورد فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في تعدد الزوجات) .
(3) صحيح البخاري ، 5/1958 ، كتاب النكاح ، باب 16 ، 4802 .
__________________
لا عزة لنا إلا بالإسلام فإذا إبتغينا العزة بغيره أذلنا الله
من الأقوال المأثورة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه