واحسرتـي .. بـيــدي .. أعدمـت قلـب زوجتـي
بســم الله الرحمـــن الرحيـــــم
لا أدري مـن أيـن أبـدأ قصــتي ... وبأي قلـب نـازفٍ محتضـرٍ سأرويهـا ..
سـأبـدؤهـا مـن زمـن كان يعــد يومـًا حاضـرا .. وأصبـح اليوم ذاك الزمنُ ماضيــا ..
عرفتــها منـذ صغري .. فهي جارتي وابنـة جاري .. لعبـت ومرحـت معها كثيـرًا عندما كـنا أطفالاً صغارا.. وكنت أعاملها كما يعامـل الأخ أختـه .. وإن كانت حقيقة المشاعـر غير ذلك !.. ثــم انتقلـتُ مع أسرتي للعيش في منزل آخـر وفي مكان آخــر بعيـدًا نسبيًا عن منزلهـا .. فغــابـت صورتها عـن ناظـر عيني سنيـن مـددا .. غيـر أنها لــم تغــب عـن ناظـر قلبي أبـدا .
وعندما كبرتُ وتخرجتُ من جامعتـي ، ونويــتُ الإقـدام على الزواج ، اختارتها أمي بنفسهـا لتكـون زوجـة لــي قبـل أن أطلب منهـا ذلك لمعرفتها وثقتهـا التامــة بأخلاقها العالية وسيرتهـا العاطـرة .
وتزوجنــا بعـد أشهـر قليلة من الخطبـة ، وواجهتنـا بعض المشكلات المادية في بدايــة زواجنـا ، لكننا بفضل الله ثـم بقـوة حبنـا وصبرنا تغلبنا على كل ما اعترض طريقنا من عقبات .
كان تيـار حبنا الجارف أقـوى مـن أي عقبـات تعــتـرض طريقة حتى لـو كانـت تـلك العقبــات مصائـب عضـال بطـول الجبــال وعـرض البحــار .
كـنـا نتقاسـم كـل شي .. كنا نتقـاسـم الهـواء الذي نـتـنفسـه قبـل أن نتقاسـم الطعـام الذي نأكلـه ... وحتى كلمـات الغـرام والهيـام كنـا نتقاسمهـا ايضا .. فإن قالـت هي ألـفٌ وحـاء .. قلــت أنـا بـاءٌ وكــاف .. لنشكـل ونجسـد بصوتينا أبــلغ كلمـة تجمعنـا ( أحـبـك ) .
ومضت السنيـن تباعـًا .. وسعادتنا تـنمـو مع مضيهـا وتكبـر .. وأصبحنا في أفضل حـال في كـل مجال .. لا ينقصنـا مـال أو راحـة بـال .
وفي أحـد الأيـام .. كنت جالسـاً عنـد أحـد أصحابي المقربيـن من قلبـي نتسامـر ونتضاحـك مع بعضنا قبل أن يقـول لـي بغتـة : أريـدك أن تسافـر معي إلى إحدى الدول العربية !
نظرت إليه بدهشة وأنا أقول : ولماذا نســافر إلى هناك ؟
ابتسم صاحبي وهو يقـول : نسافـر بغـرض السياحة والاستجمـام وطلبا للراحة و والترفيه عن النفس وهو أمـر مباح لا ضيـر فيه .
عـقـدتُ حاجبي بشـدة وأنا أقـول لـه : انتـه تعـرف انه لـم يسـبـق لي السفـر مطلقـاً خارج منطقة الخليج ، ثـم كيف أتـرك زوجتي وأطفالي لوحدهم في البـلد هنا .
اتسعـت ابتسامته وهـو يقـول : وأنـا أيــضا رجـل متزوج ولي أطفال هنا .. نحـن لـن نسافـر لفترة طويلة للخـارج .. كلها أسابيـع قليلة ونرجـع .. ولا داعـي للخـوف على زوجتـك أبـداً .. يمكنـك أن تتركها خلال هذه الفترة البسيطة في بيـت أهلها .
صمـت صاحبي لحظات ثم تــابع قائـلا : لا تخشى من السفر لتلك البلــد .. لقــد سافرت إليهــا في العام الماضي مع أحـد زملائي في العمـل ، وأصبحت أعـرف جميع طرقها ومعالمها السياحيـة وهي بلـد جميـلة جـدًا تستحـق الزيارة مـرة أخـرى .
نظـرت إليـه بنـظرات حـادة توحي بعدم قناعتـي بكلامـه ثم قلـت : مـا زلـت لا أرى أي داع لهـذا السفـر.
رفع صاحبي صوته قليلا وهو يحاول إثارة حماستي بقـوله : يا أخي .. انته وأنا بحاجـة إلى إجازة زوجيــة قصيرة نقضي مـن خلالها على الملـل والروتيـن الذي يعكـر صفـو حياتنا الزوجيـة .. الإجازة الزوجية والبعد المؤقـت عن الزوجـة مطلوب لأنه يلهـب نـار الإشتيـاق ونـذوق مـن خلاله عسـل الفراق .
مـرت لحظـات صمـت طويلة لم أعطـه خلالهـا أي جواب أو موافقــة فوريـة علــى عرضه لكني وعـدتـه أن أفكر لاحقـاً في اقتراحه ، ثـم رجعـت إلى بيتـي لكي أفكـر في كلامــه .
وهناك في بيتي .. لمحـتني زوجتي وأنـا منكــس الـرأس وأفكــر بصمــت والحيـرة ظاهـرة على وجهـي .. فوضعـت يدهـا الرقيـقـة على رأسي وهـي تسألني بلهجة حانية : ما بـال زوجي الحبيب اليـوم شارد العقـل والبـال على غيـر عادتـه .. هـل وجـد مني شيئـًا يـزعـله .
رفعـت رأسي وأنا أنظر لعينيها الحالمتيـن مبتسمـا ثم أقـول : لا شي يا حبيبتي سوى أمـر بسيـط شــغل فكـري .
نظرت إلي باهتمام وهي تقـول بكـل رومانسيـة وأدب : وما هـو الأمـر الـذي شغـل مـن حبـه فـي قلبــي مـوطنــه .. هـل يحــق لحبيبـتـك أن تعـرفــه ؟
قلت لها وأنا ابتسم : وهـل يمكـن أن أخفـي عنـكِ أي شيء ؟ .. اليــوم عـرض علي صاحبي مرافقـتـه في السفـر إلى إحـدى الدول العربية لفتـرة قصيـرة بقصـد السياحة والترفيـه ، لكني مبدئيا غير موافـق على عرضه حتى لا أتركـك وحيـدة هنا .
قالت بعـد أن استـفـسـرت مني عـن اسـم صاحبي وكنيتـه : إن كان هذا السفـر سيحقـق لك الراحـة المنشودة والترفيه المباح .. سافـر وارحـل على بركة الله .. خاصة أن صاحبك هذا رجـل معـروف ومشهـور بالخـلق القويـم والمسـلك السليـم .. ثـم إنـك لـن تتركني لوحدي هنا لأني سأذهب لبيت أمـي وستسعـد هـي كثيـرا بقدومي إليهـا لأنهـا أصبحت الآن وحيـدة في البيـت تقريـبا بعـد زواج إخوتي جميعا وستكون فرصـة مناسبـة لتسليـة أمي ورفـع معنوياتها وستكون فرصـة جميلة أيضا لـكي أذوب شوقـا بـك يا حبيب قلبـي.
قمـت من مكاني وطبعـت قبـلة حانيـة على جبينها وأنـا في قمـة السعادة .. ولـم تكــن سعادتـي بسبب موافقـتها وتشجيعها لي على السفــر بـل لحرصها الدائم على توفير أعلــى درجات الراحة والمتعــة والسعادة لي .. وأخبرتها بموافقـتي وعزمي على السفـر مع صاحبي على أن أسافـر معها في وقـت لاحـق إلى نفس الدولة بعد أن استكشفهـا بنفسي .
حزمنا حقائبنـا أنا وصاحبي وسافرنا إلى ذلك البلـد ، وأمضينا اليوم الأول في التجوال والتنزه في طـرق البلد ومشاهـدة معالمه السياحية الجميلة .
وفي اليـوم التالي .. وأثنـاء خروجنا المسائي للتنـزه في الخارج قـال صاحبي بغتـة: سنذهب الآن لزيارة أحـد أصحابي مـن أهـل هذا البلــد في بيتـه .
سألته بفضول : هـل تعـرف أحداً مـن أهـل هـذا البلد ؟
أجاب بقوله : نعـم .. هنـاك شخـص أعـرفـه جيـدًا كان يعمل لدينا في بلدنا لسنوات طويلة قبل أن يعـود لبلده هـذا ويستقـر فيه .
ركبنا سيارة الأجـرة التي أقلتنـا إلى إحـدى الأحيـاء الكبيرة في المدينة ، وصاحبي يشرح للسائـق مكان البيت بدقـة وكأنـه أتى لذلك المكان مـن قبل !
نزلنا مـن السيارة وتحـرك صاحبي وأنـا أتبعـه حتى وصلنـا لباب المنزل ودق هـو على جرسه قبـل أن يخرج صاحب البيت ويستقبلنا بابتسامـة عريضة جدا ويـرحب بنا بحرارة ويدخلنا لصالة المنزل التي كانت عامـرة بحلويات الضيافـة وكأنه كان يعلــم بقدومنا ! ولا ادري هل أخبره صديقي بالزيـارة أم لا !
أخـذ صاحبي الجالس بجنبي يتحـدث مع الرجل بطلاقـة وإسهـاب بينما التزمـت أنـا الصمـت وإن كنت أجيـب على بعـض أسئلة الرجل إذا سألني أو ابتسم عندما اسمع كلمات وتعليقات باسمة ضاحكـة في حديثهما الشيـق الطويل .
وفجــأة .. انفتـح باب الغرفــة المتصلة بصالة المنزل ودخـلت من خلالـه فتــاة تلبـس حجابـًا خفيفـًا على رأسهـا .. وثـوبــًا أنيـقــًا على جسـدهـا .. ثم تبعتهـا فتـاة أخـرى دخلــت مـن نفـس الباب ثـم تحركـن بسرعـة حتى جلسـن بجانـب بعضهـن على أريكــة واحــدة بالقـرب من أريكـة صاحب المنزل الـذي ابتسم وهـو يشيـر إليهـن ويقول : هاتـان الفتاتـان هـن بناتـي اللاتي بقيـن دون زواج مـن أصل أربع بنات وولديـن تزوجوا الآن جميعا .
كانت الفتاتـان فـي قمــة الجمــال والروعـة والحســن لـدرجة أن الحجاب المـلون الذي كانـت ترتـديـانه عجــز عـن كـبـح جمـاح الجمال الهائـج الثائــر منهمـا .
كانت الفتـاة الأولى كفلـقة القمــر .. لا بــل القمــر نفسـه اكـتســب جمالــه منها ! .. أمـا الفتـاة الثانيـة فكـانت كـقـرص الشمـس في تـألقــه وضياءه .. لا بـل الشمـس نفسها تعكــس نـور الجمـال الوهـاج منهـا !
حاولـت أن أغـض بصري بقـوة لحمـاية عينـي من لهيـب جمالهـن الحـارق .. لكـن عيني أبــت إلا أن تسـرق بين اللحظـة والثانيـة قســطاً وافــرًا منه ، بينمـا قـام صاحـب البيت مـن مكانـه وهـو يستـأذن صاحبي لكي يخـرج من الصالة بحجـة ذهابـه للمطبـخ لإحضـار مشروب لنا رغـم وجود بناتـه في المجلس !
وعنـدما غـاب الرجـل عـن أنظارنـا .. إلتفــت صاحبي نحـوي وأخـذ يـرميـني بنظرات ماكـرة ثـم يبتسـم ويهمـس قائلا : ما رأيـك فيمـا رأيــت وتـرى ؟
نظرت إليـه بدهشـة وأنا أهمس : ماذا تقصـد ؟
ابتسـم بخبـث وهـو يقـول : أقصــد .. بنــات الرجـل .. هل أعجبتـك إحداهـن ؟
اشتدت دهشتي وأنا أقول مستنكـرًا : أعجبوني ! ما هـذا الكلام الغريـب الذي تقـوله ؟
وضـع يـده على كتفـي وهو يقـول : لا تفهمني بصورة خاطئـة .. سأوضح لك الأمـر أكثـر .. بصراحـة .. أنا موجود هنـا لكـي أتـزوج مـن إحدى هاتيـن الفتاتيـن.. وهـذا الرجـل يعلـم بذلك مسبقـًا .. ولهـذا عـرض علي أن أرى بناتـه لكي أختـار أصلحهـما زوجـة لي .. ولقـد اختـرت تلك الفتـاة التي تجلـس على يميــن أختهــا .
لم تصـدق أذنـاي ما تسمـعه .. فهتفـت بصوت مسمـوع : تتزوج !
نظـر إلي بحـدة وهو يضـع يـده على فمي حتى أخفـض من صوتي وقال هامسـًا : نعـم سأتـزوج .. وستكون أنت أحـد شهـود هذا الزواج ، لكني أرجـو وأتمنـى أن يحـدث أكثر من ذلـك وهـو أن نفــرح أنـا وأنـت معـاً في هـذا البلـد الكريم .
سألته باستغراب شديـد : ماذا تقـصد ؟
ابتسم وهو يقـول بكل بســاطـة : أي أن تتزوج أنـت الفتـاة الثانية .. تتـزوج أخـت زوجتي الجديـدة !
انتفـضت أعضـاء جسـدي وفتحـت كـل فمـي مـن فـرط دهشتـي وعينـاي تنظـر إلى الفتاة الأخـرى التي كانت تناغـي وتـداعـب أختها برقـة ساحرة ثـم قــلت بصوت مرتجـف : أتـزوج ! ما الذي تقوله يا رجـل ؟ .. أنا رجـل متزوج وأحـب زوجتي .. وأنت رجـل متزوج أيضا .. لماذا نتزوج ؟ .. ثـم كيـف نتـزوج بهذه الطريقة الغريبة وبهذه السرعـة العجيبة .
وضـع يـده على يـدي برفـق وقال بهـدوء وبـرود : يا رجـل .. نحـن لـن نرتكـب جـرمـًا أو عملا محرمـًا .. نحـن سنمارس حقنـا الشرعـي فيما أحـله الله لنـا .. قـوي قلبـك يا رجل حتى تـفـوز بأحلى وأعـذب المتـع المباحـة .. مـن ذاك المجنون الذي يهـدر و يضيع على نفسـه فرصة الحصول على حورية جميلة فاتنـة كهـذه .
فتحـت فمي لأنـطـق لكنه سبقــني بقولـه : لا تخشى ولا تفكـر بتكاليف الزواج والمهـر أبـدًا .. فهذا الرجل الطيب الكريم لا يريـد سوى ستـر وإعفـاف بناته .. ولـن يطلب منـك شيئا سوى توفيـر حياة كريمـه لابنتـه .
وقعــت كلماتـه الأخـيرة على نفسـي كالسحـر فلـم أتمـكن مـن الـرد عليــه خاصـة أن جمال الفتاة الباهـر أنساني عقلي وأسـكـر ذهني وشـلّ تفكيـري فآثـرت الصمـت عسى أن ينتهي هذا الموقـف المفاجيء بأي نهاية .. وكأني أعيش في حلم غريـب لا أدري متى منـه أفيـق .
لكن صاحبي لم يـرحـم صمتي عنـدمـا زاد مـن جرعـة وسوستـه المستمـرة وقال : هاااه .. ماذا قلـت .. سيـرجع الرجـل بعـد قليـل .. هل أخبـره برغبتـك في الزواج من ابنتـه الثانيـة ؟ .. كـن شجاعـًا يا رجل واتخـذ القـرار الذي سيسعـدك بقية حياتـك .. ولنعجـل الفرحة اليوم فرحتيـن .. لا يفـوز بالسعـادة في هـذه الدنيا أصحاب القلـوب الضعيــفة .
>> يـتبــــع