أول كلمة في القرآن الكريم هي (الحمد) لله رب العالمين، وحين يرفع الإمام من الركوع يقول سمع الله لمن (حمده) ويرد المأموم فقول ربنا ولك (الحمد)، وفي مواضع كثيرة في القرآن الكريم نجد هذه الكلمة بتصريفات واعرابات مختلفة.
ومن يتأمل هذه المفردة يخرج بكنوز من المعاني والمقاصد التي تفسر لنا لماذا نحمد الله، ولي فيها حديث في جزئية صغيرة تقودنا هذه الكلمة إلى فهم للحياة واستقرار نفسيٌ كبير.
إن الناس الذين يحمدون ربهم كثيراً، أجزم أنهم أكثر تعايشاً واستقراراً وأقل حزناً وكدراً، وهم يتعاملون مع مجريات الحياة وتقلباتها بقليل من الضجر أو التعب، إذ لاينسون أن الأمر كله لله، فيعودون شاكرين مؤمنين متوكلين.
إن المرء الذي يحرم من شيءٍ أو يصاب بألمٍ، فيدرك أن ذلك أمراً مكتوباً عند ربه، فيحمده على كل حال، فبدلاً من السخط والتبرم، يلجأ إلى الحمدِ فتستقر نفسه.
والمرء الذي يرزق أو ينال شيئاً من مكاسب الدنيا إما نجاحاً أو مالاً أو كل ماتحبه وترغبه نفسه، فيحمد الله على ما أعطاه، فيكون ذلك الفعل وهذا الشعور إقرار بأنه عطاء من الله، فينسب الفضل له إذ إن الحمد هو إقرار بأن ماحصل عليه هو من الله فيحمده.
حين ينجو المرء من حادث أو مرض أو مصيبة هوَ أو من يحبه من الناس فيحمد الله على أن نجّاه فيكون ذلك شكراً واعترافاً بأن الله هو المنقذ وهو الرؤوف الرحيم، فيلجأ إلى حمده.
وحين يفقد المرء ماله أو شيئاً من ممتلكاته أو يتعرض لطلاق أو خسران ابنِ أو غير ذلك من الخسائر، فيتذكر ربه ويحمده على ماقدر فتسكن نفسه وتستريح
ومهما بلغ الأمر بالإنسان فإنه محتاج إلى حمد الله، حتى لو لم يجد إلا قطميراً فإنه لابد أن يكون حامداً لله إذ هذا القطمير من ربه، ومجرد أنه يتنفس ويعيش حياته لابد له من حمدلله إذ أنه بقدرته أحياه وأبقاه وله الحمد.
ولأنه حتى بالشيء اليسير والذي لاندرك أهميته يستحسن بنا أن نحمد الله، فإننا نتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". وحقيقة أقف كثيراً أمام هذه الحديث ومعانيه العظيمة وأهدافه السامية، إذ بهذه الأمور الذي يعتبرها البعض تافهة ويسيرة بل يعتبرها لاشيئاً حين لايملك شيئاً تكون وكأنك حزت الدنيا كلها، تكون أنتَ وأغنى الناس وملوك الدول سواسية، وهذا ليس تعزية بل حقيقة إذا عرفتَ معنى أن تكون إنساناً مكرماً.
إن الناس الذين لايحمدون الله أثناء النعم أو المصائب أو النجاة أو الخسائر أو ماهم عليه من حال متعدد ومختلف يتعرضون للكثير من الضغوطات النفسية والاكتئابات الهائلة، إذ أنهم بتعرضهم للأحوال المختلفة يتجابون معها في إيعازات ينسبونها إلى أمور تساهم في تكدرهم نفسياً أو تجلب لهم الكثير من الغرور أو غير ذلك من مشاعر نفسيه حسب الحالة التي يتعرضون لها إما خيراً أو نجاةً أو مصيبة أو فشلاً وغير ذلك من حالات.
إن كثرة قربكَ من الله وحمده على كل حالٍ تعترضك، ستجعلك أكثر استقرارً وأكثر تعايشاً مع الحياة وأقل كدراً وهماً.